شبكة قدس الإخبارية

"غزالة الحدود" إلنا ولّا لليهود؟.. قنّاص غزة يجيب

هدى عامر

غزة - خاص قُدس الإخبارية: مُذ كنّا أطفالًا لا نميّز الإجابات بعد، كان الناس يسألوننا على هيئة أحجية يقولون إن "ديكًا" باض بيضةً على الحدود، هل تكون لنا أم لليهود؟ بينما نرد بكل عفوية أنها "لنا"، قبل أن ندرك حقيقة أن الديك لا يبيض، لكننا أدركنا أننا أصحاب حق وأن أي شيء "أي شيء" على الحدود "بين أرضنا وأرضنا" هو لنا بطبيعة الحال.

حقيقةً هذه المرة، تتكرر القصة بعد أن أصبحنا شبانًا، لكن الفارق هنا أن الديك أصبح غزالة، وأنها ولدت ولم تبض، وأنها ووليدتها محل السؤال مجددًا "غزالة ولدت غزالة على الحدود إلنا ولا لليهود؟" لم يطرح أحد السؤال بعد، لكن "قنّاص غزة" أجاب قبل أن يُسأل، فماذا فعل؟

القنّاص "مُجاهد" -اسم مستعار- في العشرينات من عمره، وهو أحد أفراد وحدة القنص بالمقاومة الفلسطينية الذين يراقبون الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ويعتبر من أمهر الشبان في مجاله، كما هو تاريخ عائلته حتى في اصطياد الطيور والحيوانات البرية، والإسرائيليين أيضًا.

في ساعات رباطه الحدودية، ومن موقعه، لمحَ القناص غزالةً من بعيد عبر دائرة الرؤية في "قطعة سلاحه" وتأكد من ذلك بمنظاره ليجدها تتجول جيئة وذهابًا على الحدود تمامًا، بينما جنود الاحتلال يتواجدون خلفها على "أعلى القُلبة" الحدودية -برج المراقبة- لكنّ ذلك لم يكن عائقًا أمام القرار الذي عشش في رأس "مجاهد".

أعدّ القناص العُدة، جلس هنيهة مرتكزًا ثم انبطح، نصب أصابعه على زناد "الغول" وهي قناصة مصنعة محليًا، تحمل مواصفات قياسية عالية الدقة، وتعتبر من أقوى بنادق القنص بالعالم، عيارها 14.5 ملم، ويصل مداها إلى 2 كيلومتر- سميت بذلك تيمنًا بالشهيد عدنان الغول أحد مهندسي كتائب القسام الذي اغتالته قوات الاحتلال 2004م، واستخدمت رسميًا في العدوان الأخير على غزة 2014.

راقبها بينما تتمختر خطواتها عدوًا وراحة، تغريه بثقلها الذي زاد في داخله حماسة أن ينقلها من "خط النار" إلى "حضن الحق" إلى حيث اغتنامها ممن يستحقها، يقول مجاهد "لم أتخيل حينها أن أسمح لغزالتنا أن تذهب لهم أيضًا، إن الرمال التي على الأرض ملكنا وما يسير فوقها من دواب وما ينبت فوقها من عشب وشجر"

كانت الطلقة الأولى تجاهها، والأخيرة أيضًا التي أصابتها بالفعل لتوقف خطواتها وترقد في أرضها، بعد أن طارت مسافة غيرّت موقعها السابق إلى موقع آخر، حيث ذهب القنّاص بالقرب من الحدود للبحث عنها بعد إطلاق النار، لكنّه لم يجدها في المكان الذي كانت فيه، ليواصل البحث عنها معرضًا نفسه للخطر، حتى عاد بعد ربع ساعة وهو يحملها على كتفه عائدًا بها إلى موقعه.

يقول مجاهد، "إن الغزالة كانت قد وضعت وليدتها قبل أيام، وتعرضت لطلقة الصيد، لذا فهي ستبدأ مرحلة العلاج والاهتمام بها مبدأيا، لكن ذلك سيكون متزامنًا مع جلب وليدتها الغزالة التي لم تكن معها آنذاك، مما يترتب معاودة المخاطرة مرة أخرى للحصول على الغزالة الثانية، وعليه فان العملية تكررت.

صباح اليوم التالي، أعدّ عدته مرة أخرى وكرر ما فعله بالأمس، حتى لمحها وأطلق تجاهها رصاصة لا تقتل، لكنها أصابتها، انتظر قليلًا وذهب تجاه الحدود لاستحضارها لكنه لم يجدها بالمكان ولا حوله، عاود البحث عنها شرقًا وغربًا بمحيط المكان ولم يجدها، قرر حينها الاستعانة بأحد العارفين بالمنطقة وهو خبير صيد أيضًا خاصة بالمنطقة الشرقية.

عاد القنّاص برفقة خبير الصيد الذي أحضره معه ليفكرا معًا بتحديد مكانها بعد الإصابة، فقد طلب منه الرجل أن يشرح له بالضبط مكان الاطلاق والمسافة ومستوى الغزالة، والأهم من ذلك هو تقدير مسافة ارتداد الغزالة عقب اصابتها، وكان ذلك.

تباحثا بشأنها كما لو أنها إرث لكنز، توجّه القناص إلى حيث حدد موقعها المتوقع وهناك وجدها بالفعل ترقد أرضًا ومصابة بطلقه الذي لا يخطأ، عاد محملًا بها على الكتف الآخر كما حمّل والدتها من قبل، لتوشك نهايتهم.

في اليوم التالي، نادى القنّاص أسرته وأحبابه وأهله، جمع أسرته وهاتف أصدقائه، جميعهم كانوا مدعوين لوليمة أقيمت على شرف "خاوة القنص أمام مرأى جنود الاحتلال" دون أن يتجرأوا على اعتراضه، وهاتان الغزالتان من أراضينا التي "لن تبقى محتلة"، قالها مجاهد مرة أخيرة "الطلقة المقبلة في رأس الجنود، هذه الأرض بكل ما عليها لنا، وبغزلانها أيضًا"