شبكة قدس الإخبارية

خضر عدنان: الحرية قدر أيضاً

ميرفت صادق
منذ عام ونصف العام لمع اسم الشيخ خضر عدنان في الشارع الفلسطيني، بعد إعلانه الإضراب عن الطعام بسبب اعتقاله والاعتداء عليه وعلى عائلته على أيدي جنود إسرائيليين. وبخلاف التجارب السابقة، تجاوز عدنان فترات الإضراب المسجلة تاريخيا للأسرى الفلسطينيين، وكان مطلبه الحرية ولا شيء سواها. وخاض عدنان (35 عاما) إضرابا متواصلا عن الطعام لمدة 65 يوما أشعلت الشارع الفلسطيني، وحرضت عددا كبيرا من الأسرى على الاقتداء به، وخاصة بعد إجباره سلطات الاحتلال على الإفراج عنه، وعدم تمديد اعتقاله الإداري وفق ملف سري. ووافق يوم 17 أبريل/نيسان 2012 موعد الإفراج عن عدنان، بعد أن قررت المحاكم الإسرائيلية إطلاق سراحه فور انتهاء اعتقاله الإداري دون تمديد. وأوقف عدنان بناء على ذلك إضرابه عن الطعام. ابتدأت القصة -بالنسبة للشاب ذي اللحية الشقراء- قبل سبعة شهور من اعتقاله نهاية عام 2011، حين حاولت قوة إسرائيلية ملاحقته وقرر التخفي عنها، رافضا التسليم "لقدر الاعتقال" وفقا لتعبير خضر، الذي أضاف "فكرت يومها أنه كما قد يكون الأسر في سجون الاحتلال قدرا، فإن الحرية أيضا قد تكون قدرا، وعليّ العمل لأجل الخيار الثاني.. وبعد أكثر من 14 عاما عايشت فيها الاعتقالات لسبع مرات، فكل ما أردته هو أن أعيش حرا، حتى لو بقيت مختفيا عنهم". لم يكن خضر عدنان في تلك الأيام معروفاً إلا في وسطه المحدود بمنطقة جنين شمالي الضفة، رغم ذلك أطلق دعوة لمقاومة حملات الاعتقال الإسرائيلية، والتصدي لها بالابتعاد عن أنظار الاحتلال، دون اللجوء إلى الاشتباك المسلح أو المباشر، كما رفض تلبية استدعاء لمقابلة المخابرات الإسرائيلية، ومزقه. ليلة الاعتقال وفي ليلة 17 يناير/كانون الثاني 2011 اقتحمت قوة إسرائيلية منزله ببلدة عرابة جنوب مدينة جنين، واعتقلته واعتدت على عائلته، وهو ما دفعه للدخول في الإضراب. وفي اليوم الأول للاعتقال والتحقيق، عمد المحققون إلى إهانته بأبشع الشتائم، ونتفوا لحيته. وحيال ذلك قرر الامتناع عن الكلام إلى جانب الإضراب عن الطعام، وفي اليوم السابع رفض الفحوص الطبية. ولكن بعد 23 يوما قررت سلطات الاحتلال تحويله للاعتقال الإداري، وفق ملف سري غير معلن وبلا تهمة محددة، وشكل ذلك تحولا في مسار إضراب خضر عدنان عندما أعلن مقولته المشهورة "كرامتي أغلى من الطعام" وقرر الإضراب حتى الحرية. وبسبب إضرابه عن الطعام اختصر الاحتلال التحقيق معه لـ13 يوما، لكنهم أحضروا طواقم مختلفة من المحققين من خارج مركز توقيف الجلمة، واستمروا بتقييده إلى كرسي التحقيق (فيما يعرف بأسلوب الشبح)، وكذلك في عزله عن باقي الأسرى وتكبيله بشكل شبه دائم. في الأسابيع الأولى من الإضراب كان حجم التحرك الشعبي بطيئا، لكن بعد اليوم الأربعين دخل خضر عدنان في سباق تجاوز أطول إضراب خاضه الأسرى الفلسطينيون جماعات وفرادى، وكان عام 1976 لمدة 45 يوما. بماذا كنت تفكر مع تقدم الإضراب؟ سألناه، فأجاب "كان هاجسي أن لا أخذل شعبي وأن أحقق سابقة تحرر من سجون الاحتلال بالإضراب، وعدم الوقوف عند مطلب تحسين شروط الاعتقال، ومع كل يوم كنت أشعر بمسؤولية أكبر". بعد ذلك قررت سلطات الاحتلال نقل خضر عدنان إلى مستشفى مدني إثر تدهور وضعه الصحي وتحذيرات طبية من استشهاده، وفي مستشفى "زيف" بمدينة صفد دعي مشايخ ورجال دين مسلمين من الداخل المحتل لإقناعه "بعدم قتل نفسه خلافا للشريعة الإسلامية"! ويذكر عدنان: "يومها قلت للشيخ الذي حضر لا تكن عوناً لعدوي عليّ.."، واليوم تؤكد تجارب الإضراب المتتالية له أن الدين لا يقف عائقا أمام إنسان قرر احترام كرامته، ونيل حريته، وإغاظة أعدائه. وكما يقول "فإن دلالة القبول أن كافة المضربين لم يضرهم الإضراب شيئا، وعادوا لحياتهم الطبيعية". نموذج ناجع ورغم تململ جهات حقوقية ورسمية فلسطينية من ظاهرة الإضراب الفردي التي حرض عليها خضر عدنان بدون قرار جامع من الحركة الأسيرة، إلا أنه يعتقد أن إضرابه وتجربة 14 أسيرا اقتدوا به كانت ناجعة، وساهمت فعلا في تحرير أغلبهم. وهنا يذكر عدنان ما قاله أحد ضباط النيابة الإسرائيلية خلال واحدة من جلسات محاكمته، إن "هذا الشخص أضرب في سجون السلطة الفلسطينية، وكذلك في السجون الإسرائيلية، ليس لغاية شخصية فقط، وإنما ليعطي نموذجاً للآخرين". ويرى عدنان أن الإضراب الفردي كان محرجا للفصائل والقوى الفلسطينية، حيث لجأ إليه الأسرى بعد يأسهم من أية خطوات لتحريرهم خارج السجون، أو لوقف تمديد اعتقالهم، أو إنهاء عزلهم انفراديا، وتوفير العلاج للمرضى منهم. و يعتقد عدنان أن الإضرابات -التي لم تتوقف طيلة أكثر من عام- أعادت للحركة الأسيرة هيبتها، وخفضت عدد الإداريين، وحدت من مرات تمديد اعتقالهم. كما شجعت على الإضراب الجماعي الكبير للأسرى في أبريل/نيسان 2012 والذي امتد 28 يوما، لتحسين أوضاعهم، وإنهاء سياسة العزل الانفرادي، والسماح بزيارة أهالي غزة الممنوعين منذ سنوات.