فلسطين المحتلة – قدس الإخبارية: شهدت المنطقة حراكاً سياسياً بهدف إعادة المفاوضات ما بين "إسرائيل" وبين السلطة الفلسطينية والتقدم في "السلام" بين الطرفين، وعلى هذا الصعيد كان هناك مبادرة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في هذا الشأن، ولتحقيق هذه الغاية التقى مسؤول الرباعية السابق "بلير" السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"، وقد جرى التوافق بين "بلير" والسيسي ونتنياهو وبعلم وموافقة "كيري" والملكين السعودي والأردني على أن يطلق السيسي مبادرته، والتي فيها يناط له ترتيب أمور الحلقة الفلسطينية وإعادة تأهيلها، من خلال العمل على تحقيق مصالحة فلسطينية – فلسطينية بين حركتي (فتح وحماس) وبالمقابل يتولى مسؤول الرباعية السابق "بلير" بالتعاون مع كيري وأطراف عربية تأهيل الحكومة الإسرائيلية لهذا الغرض وتلك الغاية، بحيث يجري ضم المعسكر الصهيوني لهذه الحكومة، لكي تصبح مؤهلة لمثل هذه التسوية المطروحة من خلال المؤتمر الإقليمي الذي دعت إليه فرنسا.
إطلاق المفاوضات ما بين السلطة الفلسطينية و"اسرائيل" على أساس مبادرة السلام العربية، على أن يجري تأهيلها هي الأخرى حتى توافق عليها "اسرائيل"، وما نشرته القناة العاشرة الإسرائيلية بأن الدول العربية لديها استعداد للتخلي عن عودة هضبة الجولان المحتلة مع التنازل عن قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وبالفعل أطلق السيسي مبادرته وحسب الاتفاق جرى الترحيب بها من قبل السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" حكومة ومعارضة وأصبح الجميع يعتقد بأن الطريق أصبحت معبدة وسالكة أمام المؤتمر الإقليمي الذي بادرت له فرنسا، لكي ينطلق بعد أن توافق عليه "إسرائيل".
هذا المؤتمر الذي كان منوياً عقده في الثلاثين من الشهر الجاري، تأجل للثالث من حزيران القادم، بذريعة ازدحام جدول وزير الخارجية الأمريكي كيري وعدم قدرته على حضور المؤتمر، وإن كانت تلك الحجة واهية، فالتأجيل متعلق بالرفض الإسرائيلي وإفشال نتنياهو لخطة "بلير" ومبادرة السياسي.
على هذا الأساس خاض زعيم حزب العمل الإسرائيلي "اسحق هيرتصوغ" محادثات ومفاوضات مع نتنياهو من أجل الدخول في الحكومة الإسرائيلية وتوسيعها، ولكن تلك المفاوضات فشلت فشلاً ذريعاً حيث تباينت المواقف حول أسباب فشلها، وما الذي دفع بنتنياهو لرفض المبادرتين..؟؟
التفسيرات بدت متباينة ومختلفة هنا، فـ"هرتصوغ" قال إنّ المفاوضات فشلت لأنّ نتنياهو رفض أن يوثق خطياً أسس التفاهم بينهما حول المستوطنات والمفاوضات مع الفلسطينيين، وأوساط نتنياهو قالت إنّ رئيس الحكومة «الإسرائيلية» فهم أنّ هيرتصوغ عاجز عن تمرير الخطة في "المعسكر الصهيوني».
اتضح لاحقاً أنّ الاثنين على صواب، فصحيفة "هآرتس" في 2016/5/19 حمّلت نتنياهو مسؤولية الفشل لأنه "يرفض باستمرار تقديم مواقف تفصيلية بشأن القضايا الجوهرية للتسوية السياسية: الحدود والمستوطنات، الترتيبات الأمنية، القدس واللاجئون". لكن صحيفة «معاريف» في 2016/5/19 نسبت إلى هيرتسوغ اتهامه لسلفه في زعامة حزب العمل وعضو كتلة «المعسكر الصهيوني» شيلي يحيموفيتش بتنظيم حملة شعواء أبعدته عن الانضمام إلى الحكومة ما أدّى إلى ضمّ ليبرمان إليها.
نتنياهو بارع في الخداع والتضليل، ولكنه في المقابل يعرف ما يريد ولا يتنازل عن مواقفه ومخططاته، فالاستيطان ونفي قيام الدولة الفلسطينية غربي نهر الأردن من الثوابت لديه، وتجارب العرب والسلطة الفلسطينية معه مريرة، ولكن العرب والفلسطينيون لا يتعلمون من التجارب، وعلى استعداد لتجريب المجرب بدل المرة مرات، فنتياهو من أعاد فتح اتفاق الخليل، وهو من أفشل المفاوضات التي قادها كيري لمدة تسعة شهور مع السلطة الفلسطينية.
المهم نتنياهو كان يناور سياسياً وهو يعرف ما يريد، وكيف يتخلص من أية ضغوط تمارس عليه عربية وإقليمية ودولية من اجل الموافقة على المؤتمر الإقليمي الذي دعت إليه فرنسا، فهو لم يبد رفضه للموافقة على المؤتمر الإقليمي، ولكن فرنسا دولة غير محايدة رغم كل محبتها وعشقها لإسرائيل، ولكي يوافق يعمل على ابتزازها، فرئيس الوزراء الفرنسي في لقاءه مع نتنياهو أعرب عن اعتذاره حول التصويت الفرنسي في اليونسكو حول قضية المسجد الأقصى، وقال إنه سيحاكم كل من يدعو الى مقاطعة "إسرائيل" من المؤسسات ونشطاء المقاطعة في فرنسا، وإنه هو صديق شخصي لإسرائيل، ولن يكون هناك مؤتمر إقليمي بدون موافقتها وشروطها ومراعاة مصالحها واحتياجاتها الأمنية.
المهم نتنياهو قبل استقالة يعلون وضم لوزارة الحرب زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" المعروف بتطرفه وعنصريته، وكذلك ضم المتطرف "يهودا غليك" قائد عمليات اقتحامات الأقصى للكنيست بدل يعلون، واتخذ هذه الخطوة الاستباقية من أجل إفشال مبادرتي السيسي وبلير واحتواء المبادرة الفرنسية، فهو سيستخدم "ليبرمان " كفزاعة وحاجز صد أمام تلك المبادرة بالقول بان الموافقة على المبادرة الفرنسية، سيؤدي الى سقوط حكومته، وهو سيستمر في المراوغة والمماطلة، لكسب الوقت المستقطع، فهو يدرك تماماً أن الإدارة الأمريكية في أشهرها الأخيرة، وهي أعجز من ان تتخذ أي قرار او ممارسة ضغط حقيقي على "إسرائيل" لقبول المبادرة الفرنسية، وأقصى ما تستطيعه هو بيان او تصور من الرئيس الأمريكي الحالي يكون كأساس يتحرك عليه الرئيس الأمريكي القادم، فيما يتعلق بالتسوية والسلام ما بين "اسرائيل" والسلطة الفلسطينية، بيان لا يساوي قيمة الحبر الذي يكتب به "ضحك عالذقون".
وكذلك نتنياهو يدرك بأن الدول العربية الخليجية منها ومصر والأردن بحاجة الى تقوية وتوثيق علاقاتها بـ"اسرائيل" فهي تعيش فزاعة الخوف من ايران على عروشها ومصالحها في المنطقة، ولم تعد القضية الفلسطينية قضيتها المركزية.
من بعد الانتخابات الأمريكية في تشرين ثاني القادم وحتى تشكيل الحكومة الأمريكية القادمة نتنياهو وليبرمان سيقدمان على اتخاذ قرارات ذات طابع سياسي واستراتيجي ارتباطاً بالتحالف الناشئ مع ما يسمى بالدول العربية السنية، في مقدمة تلك القرارات التدخل العسكري المباشر في العدوان على سوريا من أجل إضعاف الجيش السوري كمقدمة لتفكيك سوريا وتقسيمها لاحقاً.
والمخطط الاخر هو الإقدام على ضم مناطق (سي) من الضفة الغربية والتي تشكل (60)% من مساحتها، مع اعطاء الفلسطينيين فيها حكم ذاتياً ضمن دولة الاحتلال.
الأرجح من بعد ضم ليبرمان للحكومة الإسرائيلية فإن نتنياهو وليبرمان سيقدمان على ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في "غوش عتصيون" و"معاليه ادوميم" و" أريئيل" وكرني شومرون، كما فعلوا في ضم الجولان في تشرين اول عام 1980.