حال الشريط الحدودي لقطاع غزة مع الداخل الفلسطيني المحتل عام 48 بعد حرب 2014م لم يعد كمان كان قبل تلك المعركة، فالمقاومة فرضت معادلة جديدة في الصراع مع الاحتلال.
فلم تعد هناك منطقة عازلة كان يفرضها الاحتلال على طول الشريط الحدودي والتي تصل إلى عمق 300 متر، وأجبرته بالعودة إلى السياج الفاصل دون منطقة عازلة، بل وقامت المقاومة بإنشاء طريق لها ومعسكرات تدريبية مقابلة معسكرات الاحتلال، مما يعد من انجازات المقاومة خلال المعركة، مما مكنها من رصد كافة تحركات الاحتلال والعمل بحرية فوق الأرض وحتى تحتها.
هواجس الخوف والقلق تسيطر على مستوطني غلاف غزة خشية من أنفاق المقاومة منذ الحرب الأخيرة التي انتهت في 26 آب/ أغسطس 2014م، لذلك رصدت مبالغ كبيرة بدعم أمريكي لمواجهة الانفاق الحدودية، فضلا عن مطالبة قيادات جيش الاحتلال لوزارة ماليتهم تخصيص 2.5 مليار شيكل لمواجهة الأنفاق.
نتنياهو يحاول معالجة خوف المستوطنين من الأنفاق بتضخيم أعمال الحفارات الإسرائيلية في العمق الإسرائيلي قرب السياج الفاصل مع غزة خاصة ما حدث شرق رفح ومدينة غزة وشمال بيت حانون، واجتماع الكابينت واظهار التحدي للمقاومة، وهو ما حدث أيضا في النفق المكتشف شرق رفح والذي زاره نتنياهو شخصيا.
لكن الحقيقة الفعلية عكس ذلك، فالاحتلال يبدو ومع اقتراب العام الثاني على مرور معركة العصف المأكول أنه فشل بشكل كبير في مواجهة أنفاق المقاومة الفلسطينية، لأنه لم يحقق شيئا فعليا، ولم يكتشف إلا نفقا واحدا ادعى أنه يعود للمقاومة الفلسطينية التي حتى الآن لم تكشف أن النفق لها أم لا.
" كالذي أمسك بقشة " ظهر هذا الأمر في قضية اكتشاف النفق شرق رفح والذي لم يفصح الاحتلال عن طوله وعمقه وارتفاعه من الداخل، وفسره نتنياهو بزيارته السرية للنفق نفسه، ومدى التضخيم الإعلام الإسرائيلي له، وبعدها كانت عملية التوغل المحدودة، ومحاولة طمأنة المستوطنين وتهويل أعمال جيش الاحتلال الصغيرة نسبيا.
فوزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس قال في وقت سابق: " ليس بالضرورة أن نعرف كل نفق أو فتحة نفق"، تصريح وزير الطاقة يؤكد بأن الاحتلال لم يستطع مواجهة الأنفاق ولم يجد أي طريقة لذلك، وأنه يعالجها بطريقة عشوائية وليست شاملة، وكل ما يحدث تضخيم إعلامي.
على أية حال، إن الاحتلال هدف من التوغل من عدة محاور داخل قطاع غزة بعمق 150- 200 متر إلى محاولة جس نبض المقاومة من ذلك، ورسم سياسات على أثر ما يترتب على هذا الجس، والأمر الآخر ارسال رسالة مطمئنة للمستوطنين وذلك من داخل حدود غزة أنه يبذل جهودا لمواجهة الانفاق الفلسطينية من خلال الآليات الهندسية، والأمر الثالث محاولة عودة الأمور لما كانت عليه قبل حرب 2014م.
فما كان رد المقاومة على ذلك؟ المقاومة قرأت الرسالة وقطعت الطريق أمام الاحتلال، وبل وأظهرت قوة أكبر مما كان يتوقع أو يتخيل، وسبقت تحذيرات القسام الميدانية من خلال قصف تلك الآليات بقذائف الهاون تحذيراته بالبيان الرسمي صدر عنه.
وإن دل تحذير القسام، فيدل على ميزان القوة والرعب في الميدان وعدم الخشية من جيش الاحتلال، وهذا الاحتكاك أيضا يفسر سبب تدمير القسام لجرافة اسرائيلية شرق حي الزيتون شرق مدينة غزة قبل شهر الذي امتنع الاحتلال عن كشفه.
الشريط الحدودي لقطاع غزة هو خط ساخن وشريط من نار، لا يستطيع الاحتلال بعد "معركة العصف المأكول" أن يتجاوزه وإلا فإن النار سيأتيه بقذائف الهاون وصواريخ ومضادة الدروع تجاه أي آلية تتجاوز هذا الخط الذي يبدو أنه أصبح محرما على الاحتلال بشكل مطلق بعد الحرب، وهو ما أكدته المقاومة في بياناتها.
الأنفاق هي خيار استراتيجي للمقاومة الفلسطينية، وضعت جميع الاحتمالات في منع طرق اكتشافها، ولا شك أن الطريقة التي يستخدمها الاحتلال هي أسهل طرق التفكير في مواجهة الانفاق وأفشلها أيضا، فما بني بقوة السواعد في أعماق الأرض لا تواجهه حفريات فوق الأرض، فموضوع هذه الأنفاق يختلف تماما عن الأنفاق التي كانت موجودة بين غزة ومصر.