شبكة قدس الإخبارية

الأسير موقدة.. وهبته أمّه للوطن فأوقد سجنه ثورة

هدى عامر

سلفيت- خاص قُدس الإخبارية: مُنذ كان في مرحلته الابتدائية، كان جيش الاحتلال يقتحم المدرسة لاعتقاله، تكرر الأمر مرارًا، فهو النشيط الذي كان يصفه رفاقه بمدرسة سلفيت بــ"مجنن اليهود"، وشبّ الطفل على ما جننهم عليه ولأجله.

لم يكن بلوغ منصور موقدة الحلم يمثل شيئًا بالنسبة له سوى أنه أصبح أشد وطأة كي يفكر بأساليب أقوى ينال بها من محتله وغاصب أرضه، فلم يجلس في بيته يومًا إلا وهو يفكر كيف يُشعل المنطقة في اليوم التالي وكيف يرد كلما فكّرت قوات الاحتلال في اقتحام منطقته لتنقلب الأمور إلى اشتباكات مسلحة.

اُعتقل وهو في الثانية عشر من عمره، وهو في الرابعة عشر أيضًا، كان يتعلم دروسه في المعتقل ويسعفه اجتهاده للترفع صفًا دراسيًا آخر بالرغم أن عقله لم يكن في المدرسة، إنما بكيف يجعل الطلبة ثائرون، وكيف يشعل المدرسة لهيبًا إذا ما فكر الاحتلال بابتداع الحماقات، بحسب شقيقه نمر الذى سمّاه توأم روحه، ووصفه بـ"الشجاع الجريء الصبور الذي لا يعرف الخوف".

قررت العائلة مبكرًا أن تجعل من فكره أكثر هدوءًا واستقرارًا وأن تشغله بعائلة صغيرة تكون له وطن صغير يأويه، لذا قررت البحث له عن زوجة وكان ذلك، ليتزوج وينجنب منها أربعة أبناء كانوا له جنته وأمهم، لكنهم لم ينجحوا أبدًا في أن يغنوه أو يشغلوه عن وطنه الكبير، ليبقى مطاردًا للاحتلال لمدة ثلاث سنوات.

في تموز من عام 2002، اقتحمت قوات الاحتلال ليلًا محافظة سلفيت شمال الضفة المحتلة، ليهرع الشبان للتصدي للاقتحام وفي مقدمتهم منصور وهو ابن الثلاثينات الذي قضاهم في الاعتقال والاشتباك، حتى أصيب في الاشتباك الأخير في قدميه واعتقل على إثر هذه الليلة، لتتهمه قوات الاحتلال بلائحة اتهام أدت إلى الحكم عليه بالمؤبد مدى الحياة حتى تنظر سلطات الاحتلال إلى تخفيضها لثلاثين عامًا.

ذات يوم، كانت والدته تجمع إخوته حولها بعدما عادت من زيارته بسحن الرملة، لتروي لهم قصة عن منصور في صغره، وكيف تسلّمه للأقدار باطمئنان ورضا، وقالت: "بينما كان منصور رضيعًا صغيرًا لم يبلغ الشهرين مرض مرضًا شديدًا أوشكتُ أن أيأس من شفائه وأنا أنتقل به من مشفى لآخر ومن طبيب لآخر حتى اختلع قلبي عليه، لكنني في لحظة وبعد صلاتي حملتّه ودعوت الله ثم نذرت نذرًا وقلت يا الله، اللهم إني أسألك أن تشفيه وتعافيه وإني وهبته خالصًا لك من أجل الوطن، لقد وهبته فداءً للوطن".

من يومها، كانت كلما اعتقل تبكيه بحرقة ثم تبتسم، وتقول ها هو ذا يا الله يتحقق الدعاء دون سلطة مني، لقد كان لك منذ نذرته، لينتقل من اعتقاله الأول لإصابته ثم إلى إصابته الأخيرة في الاشتباكات المسلحة التي أدت إلى اعتقاله المؤبد وقضى منه حتى الآن 14 عامًا.

قبل 24 يومًا، فاض الألم بالأسير منصور موقدة وهو في زنزانته بسجن الرملة، إلا أن ثورته التي لا تهدأ جعلته يعلن عصيانه الذي بدأه بالاضراب الجزئي عن الطعام، ثم رفض تناول الأدوية، احتجاجًا على سياسة الاهتمال الطبي وأدوية المسكنات وأنه لا يُعطى الأدوية اللازمة لعلاجه، بالرغم من خطورة وضعه الصحي، حيث يعاني من الشلل الذي يمنعه من الحركة كما تُعلّق في بطنه أكياسًا لإخراج البول والبراز من داخله، ووضعه لا يسمح له بالاستمرار في الاضراب مطلقًا، مما يجعله في خطورة الموت، دفع عائلته للاعلان عن مؤتمر صحفي يوم الأحد المقبل وقوفًا على تفاصيل إضرابه وحياته.

الأسير منصور موقدة (48 عامًا) من محافظة سلفيت، هو عميد الأسرى المرضى بسجون الاحتلال، يطالب بالافراج عنه من سجون الظلام وهو الذي يعتقد بأنه لم يعد في عمره أكثر مما مضى، حتى قال مؤخرًا: "أعطوني أمل لخمس دقائق فقط أن أخرج من هنا أحتضن أمي وزوجتي وأولادي لحظة فقط ثم أموت، لا أريد شيئًا، لا أريد شيئًا بعدها".