في العامين الأخيرين، كانت فترة عيد الفصح اليهودي فترة تصعيد في المواجهات ضدّ الاحتلال وخاصة في مدينة القدس والمسجد الأقصى. وعادة ما كانت تعلن أيام النفير إلى الأقصى في هذه الفترة، وينضم خلالها أهالي الداخل المحتل للمرابطة على أبواب المسجد وداخله.
في هذا الأسبوع، لا نشهد مثل هذه المواجهات ولا هذا الحضور المرابط لا كماً ولا نوعاً. لقد شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي قبضتها الأمنية على المدينة وأهلها، مما جعل وجود أي مواجهة فعلية داخل الأقصى أو أي رباط داخل الجامع القبلي خطوة غير واردة من قبل المقدسيين أنفسهم، نظراً لقلة الأعداد وحجم المحاصرة الإسرائيلية.
ببساطة، كما يقول أهل القدس "مضلش شباب في البلد"، لقد اعتقل العشرات من الشّباب الناشط في مدينة القدس، وخاصة أولئك الذين سبق لهم أن اعتقلوا وحوكموا لدى الاحتلال حول تهم تتعلق بالدفاع والرباط في المسجد الأقصى. أما من لم يناله حظّ الاعتقال، فقد تم ابعاده عن الأقصى أو عن البلدة القديمة.
كانت الأخبار الإسرائيلية تقول إن المشروع الأردني – الإسرائيلي- الأمريكي بتركيب الكاميرات في ساحات المسجد الأقصى سيسارع بتنفيذه قبل حلول عيد الفصح اليهودي، فيما يبدو سعياً إسرائيلياً حثيثاً لتوظيفها ضمن منظومة أمنية إسرائيلية شاملة خلال اقتحامات عيد الفصح اليهودي، وهو العيد الذي ترتفع فيه أعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد، وبالتّالي تتتعاظم أهمية "المراقبة الإسرائيلية".
إلا أن الحكومة الأردنية أعلنت عن تراجعها عن هذا المشروع، ومن المؤكد أن الفلسطينيين بالقدس شعروا بارتياح بالغ لهذا التراجع. لكن المنظومة الأمنية الإسرائيلية ما زالت مسلطة على رقابهم. وقد عملت هذه المنظومة الأمنية خلال شهر آذار ومع بداية شهر نيسان الجاري على تقييد ومحاصرة أي وجود فلسطيني عربي في محيط الأقصى.
عدا عن حظر الحركة الإسلامية الشمالية وتداعيات ذلك على مسيرة البيارق التي كان تسيّر الفلسطينيين من قرى الداخل إلى المسجد الأقصى، فقد قامت شرطة الاحتلال كذلك بملاحقة الحركة الإسلامية الجنوبية وهددت بعض نشطائها وخاصة من طلاب الجامعات بسبب تسييرهم حافلات إلى المسجد الأقصى. وهذا ما نرى آثاره اليوم، فلا وجود لأي دعوة لأيام نفير، ولم تصدر سوى دعوة من الشيخ رائد صلاح لحماية المسجد الأقصى، لم يتم تداولها بالقدر الكافي حتى.
أما على صعيد مدينة القدس، فقد تجرأت قوات الاحتلال أكثر فأكثر على نساء المسجد الأقصى والمبعدات عنه، وقامت باعتقال العديد منهن والاعتداء عليهن بالضّرب، كما حصل مع هنادي الحلواني.
ومع بداية شهر نيسان، وقبيل بدء الأعياد اليهودية، شنت قوات الاحتلال حملة واسعة على المبعدات عن المسجد الأقصى، فتم اعتقال 8 نساء، أفرج عنهن بعد ساعات مع أوامر بالإبعاد عن المسجد الأقصى لفترات تتراوح بين 4 إلى 6 شهور، مع أنهن مبعدات أصلا بتعليمات من الشرطة، منذ شهر آب 2015، وتندرج أسماؤهن ضمن ما اصطلح على تسميته بـ"القائمة الذهبية".
وقبلهن تم اعتقال سحر النتشة، إحدى المبعدات عن المسجد الأقصى، وبعد 10 أيام من الاعتقال أفرج عنها للحبس المنزلي الكامل، ومنعت من استخدام الأجهزة الخلوية والحواسيب والانترنت. أما هنادي الحلواني وخديجة خويص، فقد اعطيتا أمراً بالابعاد عن البلدة القديمة للقدس لمدة 6 شهور. وهكذا لم يعد هناك أي وجود فلسطيني نسائي- كما اعتدنا – شمالي المسجد الأقصى في منطقة باب حطة، حيث اعتادت النساء المبعدات عن الأقصى الجلوس وتلاوة القرآن.
عدا عن ذلك، اعتقلت قوات الاحتلال أكثر من 20 فلسطينياً بعضهم من كبار السن ممن اعتادوا التواجد في المسجد الأقصى وتلاوة القرآن وتعلم أحكام التجويد، وسلمتهم أوامر بالإبعاد عن المسجد الأقصى. بالإضافة إلى العشرات من شباب البلدة القديمة، منهم من أبعد عن القدس، ومنهم من أبعد عن البلدة القديمة، ومنهم من أبعد عن المسجد الأقصى، ومنهم محمد الشلبي الذي أفرج عنه قبل حوالي شهر من الاعتقال الإداري، اعتقل مرة أخرى وصدر بحقه حكم بالاعتقال الإداري حتى الأول من أيار، أي 10 أيام فقط، هي فترة أعياد الفصح اليهودي.
هكذا إذن تبدو الساحة المقدسية وقد خلت ممن "يعكر صفو العيد اليهودي"، كما قالها أحد ضباط شرطة الاحتلال لأحد شباب الحارات المحاذية للمسجد الأقصى مهدداً: "إذا بتخربوا علينا عيدنا، بنخرب عليكم عيدكم"، ويقصد به شهر رمضان المبارك. وفعلاً، اقتحمت أعداد متزايدة من المستوطنين المسجد الأقصى بدءاً من الأحد الماضي وحتى صباح اليوم الخميس، وهي زيادة متوقعة بسبب الأعياد.
إضافة إلى ذلك، فقد شهد يوما الثلاثاء والأربعاء بالذات توتراً بسبب قيام بعض المستوطنين بأداء صلوات تلمودية في ساحات المسجد الأقصى. أخرجت شرطة الاحتلال هؤلاء، وبنفس الوقت، لم تدع الأمر بدون إصدار المزيد من الابعادات، فقد اعتقلت 3 من حراس وموظفي دائرة الأوقاف وأصدرت بحقهم أوامر الإبعاد عن الأقصى، هذا عدا عن المصابين برضوض نتيجة اعتداء قوات الاحتلال عليهم بعد محاولتهم منع المستوطنين الصّلاة.
ينتهي عيد الفصح اليهودي يوم السبت القادم، وينتهي اليوم الخميس تصعيد الاقتحامات المترافقة مع هذا العيد. مرّ الأسبوع بنوع من "راحة البال" لدى شرطة الاحتلال، أعداد أقل من المعتاد من الفلسطينيين في محيط الأقصى وداخله، أعداد أكبر من المستوطنين، وسيطرة أمنية لم تلجأ فيها إلى القنابل أو الاقتحامات الواسعة كما كان يجري مسبقاً.
لاحظنا كذلك أن شرطة الاحتلال عادت خطوة واحدة إلى الوراء، وذلك على ما يبدو وفقاً للتفاهمات الإسرائيلية – الأردنية، ولم تلجأ هذا العيد اليهودي إلى تقييد الفلسطينيين عمرياً في الدخول إلى الأقصى.
في المقابل، يخشى أن يفهم ذلك أنه تراجع ما عن تنفيذ مخططات التقسيم الزمني والمكاني بين المسلمين واليهود، وهو ليس كذلك. لقد عاد الاحتلال خطوة واحدة فقط إلى الوراء ولكنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن اعتقل وضرب وأبعد الكثيرين. وفي حال سنحت له الفرصة مجدداً فإنه ماضٍ في مخطط التقسيم.
عوّدتنا القدس أن القبضة الحديدية الأمنية لا تفت من عزمها. صحيح أن هذه القبضة اشتدت وتصاعدت وتجرأت أكثر فأكثر على أهل القدس، لكنها لم تأت بجديد. اعتقال، إبعاد، تهديد، كلها أمور مجربة ومعروفة لدى شباب البلد الذين ما زال بعضهم رغم التضحيات الكبيرة مستعدين للمزيد.. ولكنهم يدركون أن المواجهة مع الاحتلال والدفاع عن الأقصى في وجه المخططات الإسرائيلية لا تنتهي بجولة واحدة، ولا يحدد معالمها أو سقفها عيد يهودي واحد.