على أعتاب تموز، كانت الأجواء تنذر برائحة الحرب، أسدل الليل ستاره وعم السكون المكان عدا صوت كلاب تنبح فلا تدري ما هو مصيرها، في أرض زراعية على الحدود الشرقية لقطاع غزة يسكنها أبو "أحمد"، كانت تلك الأرض بوابة لتقدم أليات جنود الاحتلال.
بدأ الغبار يزاد كثافة في الأرض الزراعية الكبيرة .. أصوات الأليات تقترب أكثر .. الخوف بدأ يتسلل إلى قلب أم أحمد وهي تهمس في أذن زوجها: "يا أبو أحمد يلا نطلع من الدار كأنه في حرب"، لم يدرك الزوج حقيقة ما يجري فرد مطمئنا لها: "اليهود كعادتهم هيك بزعجونا بالليل ما فش حرب ولا أي شيء" تلك الكلمات حملت نوعا من الطمأنينة لأم أحمد ممزوجة بالخوف والقلق على حد سواء.
وبعد ساعة من هذا الحوار العائلي بدأت أصوات الآليات تقترب أكثر من المنزل، كذلك بدأت أصوات القذائف تنطلق .. هرعت أم أحمد تتفقد أطفالها وأبو أحمد لا يزال نائما، بدأت نبضات قلبها تضطرب، وقفت عند أسفل باب البيت فالأصوات توقفت .. لكن دقات سريعة تطرق الباب.. أحدهم قال: "افتح الباب .. افتح الباب !
- من أنتم وماذا تريدون !
- افتح الباب نحن الجيش الإسرائيلي نريد السيطرة على المنزل!
انتهى الحوار، خفتت الأصوات في الخارج، صرخت أم أحمد على زوجها :" قوم اليهود على الباب بدهم يسيطروا على البيت"، لم يصدق أبو أحمد ما سمع، فهو صاحب المنزل الذي دمره الاحتلال من قبل واعتقله عدة سنوات..
- علينا أن نتجمع كلنا في غرفة واحدة .
- لا، لن افتح لهم الباب هذه المرة عشان يكسروا البيت مرة ثانية ...
الحوار مشتعل داخل البيت، أم أحمد تراجع ذكرياتها المريرة مع أبو أحمد قائلة: " ألا تذكر ما فعلوه بالبيت وما فعلوه بنا وبأطفالنا في المرة السابقة"، يتفهم الأب ما يجري .. " إن لم نفتح لهم سيكسرون الباب وتزاد المعاملة قسوة".
وعلى بعد نصف كيلو متر من المكان، مجموعة مقاومة مكونة من سبعة مقاتلين تسكن بين الأشجار في خندق أسفل الأرض ينتظرون لحظة الهجوم على هذه القوة الإسرائيلية القادمة للمكان، أبو مجاهد قائد المجموعة يحذر رفاقه بصمت.
- إياكم وإصدار أي صوت يكشف مكاننا ..
- لا تقلق سنلتزم ونتحلى بالصبر إلى أبعد الحدود لأننا ننتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر ..
وبالعودة إلى تفاصيل النقاش الدائر بين أم أحمد وزوجها فقرر جميعهم النزول، وفتحوا باب البيت معا، الضابط الإسرائيلي يشير إلى الأب بالتقدم نحو، حتى أصبحت النظرات متقاربة يحدق في عينيه ..
- لماذا تأخرتم في فتح الباب ..
- لم نتأخر ولكن كنا نحاول ايقاظ الأطفال دون أن نشعرهم بوجودكم حتى لا يخافوا
- اصمت، عليكم بتسليم كافة أجهزة الاتصال وعدم مغادرة الغرفة التي سنجلسكم بها
- لكن لماذا؟ نحن أصحاب البيت ..!
- طالما البيت تحت سيطرتنا ستلتزمون بتعليماتنا وإلا سوف نرسلكم للسجن.
انتهى الحوار بين الطرفين، الجنود اعتلوا سطح المنزل المكون من طابقين والذي يقع على تلة مرتفعة، انتشروا في كافة ارجاء المنزل واخذوا يبعثرون كل شيء فيه، بعد ان كان مرتبا، أما العائلة المكونة من الزوجين وستة أطفال نصفهم ذكور حجزت في غرفة بمعزل عن العالم كأنهم في سجن داخل منزلهم.
كانت المجموعة المقاومة ترقب ما يجري داخل البيت، أحد القناصة يخبر قائده: "أرى جنديين على سطح المنزل استطيع قتلهما "، ضحك القائد: "لا داعي للتسرع نريد انجاز شيء أكبر .. إن اطلقنا النار سيكتشف امرنا وتقصفنا الطائرات التي تحوم في المكان.
في داخل البيت، اجتماع بين ضابطين في الجيش الإسرائيلي يناقشان أمر العائلة الفلسطينية بقتلها أم لا ..
- علينا قتلهم كما فعلنا بالعائلة السابقة فهم يشكلون خطرا علينا ..
- لا، سنستخدمهم كدروع بشرية كي لا نتعرض لهجوم مباغت..
- كما تريد سأعمم على الجنود بعدم الاقتراب من غرفتهم.
استمر الحال على ما هو لمدة يومين كاملين، شعر جنود الاحتلال بتعب شديد وأخذ النعاس يغشاهم، وبدون أن يشعروا بدأ النوم يتسلل إليهم واحدا تلو الأخر حتى نامت جميع الفرقة المحتلة دون أن يدروا.
" انهضوا .. انهضوا "هكذا أيقظ قائد أفراد المجموعة المقاومة رفاقه .. الفرصة قد حانت .. الجميع يحمل سلاحه سنشن هجوما مباغتا على المنزل، وعلى الفور جهز المقاتلون أنفسهم بشكل كامل، وقبل الخروج أبو مجاهد يعظهم ..
- عليكم بالحذر الشديد وعدم إصدار أي صوت
- هل سننقسم إلى مجموعتين؟
- نعم، أربعة سينطلقون إلى خلف المنزل .. وأنا ومجموعتي سنواجه العدو من الأمام.
تقدمت المجموعة المقاومة الأولى حتى وصلت خلف المنزل تحديدا عند الغرفة التي يوجد بها أبو أحمد وعائلته، سمع أحد أفراد المجموعة صوت طفل يبكي، لا يعرف ماذا يفعل أيتقدم بحسب الخطة أم ينسحب.
الخوف على حياة العائلة بدأ يتسلل إلى قلبه قائلا: "علينا أن نقف هنا حتى نرى ماذا سيفعل أبو مجاهد ونتبعهم، لأنه كان يعتقد أن العائلة غادرت المكان سابقا"، ثم يتابع : "ان اقتحمنا المنزل اياكم واطلاق النار تجاه هذه الغرفة".
وعلى الجهة الثانية، تتقدم مجموعة قائد المقاومة بتأن حتى وصلت باب المنزل كي تستعد للصعود إلى الطابق الثاني، والمجموعة الاولى تقتحم الطابق الأول.
التقت المجموعتان عند باب المنزل، أبو مجاهد يأمر المقاتلين بهدوء : "سندخل الأن الباب معا وننطلق النار ونقتل الجميع ".
على الفور اقتحمت المجموعة المقاومة باب المنزل، جنود الاحتلال توقظهم أصوات الرصاص التي تنطلق في كل مكان داخل البيت.
أم أحمد تحتضن أطفالها وتسأل زوجها .. ماذا يجري في بيتنا؟ من أين أصوات اطلاق النار؟، بخوف ورعشة في قلبه يجيبها أبو أحمد :"لا بد أنهم يعدمون أناسًا من الخارج".
أصوات اطلاق النار مازالت تنطلق داخل المنزل، مرت ربع ساعة ثم هدأت أصوات اطلاق النار، أبو أحمد يسمع أصوات أقدام تنزل من درج المنزل إلى أسفل البيت حتى توقفت عند باب الغرفة، يد تطرق الباب.
- من أنتم؟
- افتح الباب نحن مقاومون قتلنا جنود الاحتلال!
- الله أكبر الله أكبر.
بعد تلك الصيحات خرجت العائلة تنظر إلى دماء جنود الاحتلال تنتشر في المكان، قائد المجموعة يتحدث بصوت مرتفع هيا اخرجوا بسرعة .. سيكتشف أمرنا أن تأخرنا.
الجميع بدأ يخرج من المنزل يبتعدون عن المكان، وعلى الفور وصلت تعزيزات عسكرية وصلت من الجيش الإسرائيلي عشرات الآليات، تعلوهم طائرات أف 16 وهيلوكبتر واستطلاع، بدأت الدبابات تنتشر وتطلق القذائف بشكل هستيري.
"سيكتشفون أمرنا سنموت جميعا" لم تعرف أم أحمد ماذا تقول مع هول ما ترى، أبو مجاهد يصرخ في الجميع: " لا أحد يتحدث اقتربنا من عين النفق .. اسرعوا الأن"
قذيفة سقطت على مشارف عين النفق، حتى عزلت الجميع عن النزول فيه..
وقف الجميع لا يستطيعون التحرك، ينظرون إلى بعضهم البعض وكأنهم سيتسلمون، لكن قائد المجموعة أصر على الاستمرار
- سأتقدم وارفع الغبار عن عين النفق
- رعاك الله ..
تقدم أبو مجاهد، حتى سقطت قذيفة بجواره، صاح الجميع .. " أبو مجــــاااااااهد "، ولحسن حظهم لم تنفجر القنبلة بذاك المقاوم الذي كانت ترافقه دعوات العائلة ورفاقه، حتى وصل إلى عين النفق وأزال الأتربة، ونزلت العائلة برفقة باقي أفراد المجموعة المقاومة لتضمن الأمان داخل النفق، بعد أن قتلت جميع أفراد جيش الاحتلال، وأسرت اثنين شاهدتهما العائلة داخل النفق الذي عاشت تفاصيل صعبة داخله
- هذه القصة أدبية خيالية تحاكي الواقع