شبكة قدس الإخبارية

"الصحة" في غزة تخالف القانون لجمع مستحقاتها المالية

مصطفى البنا

غزة – خاص قُدس الإخبارية: يحتار سكان قطاع غزة في وضعهم البائس بين الظروف القاسية التي أجبروا عليها بفعل الحصار المفروض عليهم منذ 10 سنوات، وبين الإجراءات التي تتخذها الحكومة في غزة والتي أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا في حياة المواطنين بل ودافعًا لكثيرٍ منهم للهجرة حينًا أو الانتحار حينًا آخر.

فالأربعيني محمد عبد الرحمن غزال أحرق نفسه داخل مستشفى شهداء الأقصى بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وذلك في الرابع من نيسان الجاري، وسبب ذلك كان احتجاز بطاقة هويته الشخصية منذ العام 2014 لضمان سداده لفاتورة العلاج الذي تلقاه في المستشفى والتي لم يدفعها.

غزال لم يكن الشخص الوحيد الذي تم حجز بطاقته الشخصية على ذات الخلفية، بل إن هذا الأسلوب أصبح سياسة معتمدة لدى وزارة الصحة بغزة، ما دفع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، لمخاطبة وكيل وزارة الصحة في غزة يوسف أبو الريش؛ ودعوته لوقف الإجراءات غير القانونية التي تقوم بها بعض مستشفيات الوزارة، باحتجاز الأوراق الثبوتية الخاصة بسكان القطاع كبطاقة الهوية وجواز السفر، لحين استيفاء القيمة المالية التي يتلقونها بدون وجود تأمين صحيٍ ساري المفعول.

وأكدت الهيئة أن "ظاهرة احتجاز المؤسسات الرسمية لأسباب متعلقة بالحصول على المستحقات المالية" انتهاكٌ للقانون الأساسي والتشريعات النافذة، علاوةً على كونه مخالفٌ للاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين.

مدير الهيئة المستقلة جميل سرحان أكد لـ قُدس الإخبارية، أنهم ما زالوا ينتظرون ردًا رسميًا من وزارة الصحة في غزة على المخاطبة التي توجهوا بها، مشيرًا إلى أن رد الوزارة سيحدد طبيعة التحركات التي ستقوم بها الهيئة بعد ذلك.

لكن وعلى الرغم من إقرار وزارة الصحة في غزة بحدوث مثل هذا الإجراء، إلا أنها قللت من أهمية كونه انتهاكًا قانونيًا أو احتجازًا إجباريًا للوثائق الثبوتية للمواطنين، معتبرةً إياه إجراءً طبيعيا إلى حين سداد المريض للتكاليف المالية المستحقة عليه من تلقي العلاج.

وردت الوزارة على لسان مدير عام ديوان الوزير ماهر شاميّة، بأنها تعيد الأوراق الثبوتية فورًا لكل من يجلب تأمينه الصحي بعد تلقيه العلاج، لافتًا إلى أن وزارته تتعامل مع من لا يملكون تأمينًا صحيًا ولا يستطيعون دفع المستحق المالي عبر "لجنة البحث الاجتماعي" التي تقوم بدورها بالبحث في وضع المريض المادي، وتخفيض المبلغ المستحق.

وكشف شاميّة في حوارٍ مع قدس الإخبارية أن حجم التخفيض المالي عن المرضى الذين لم يدفعوا تكاليف العلاج وصل إلى 28 مليون شيكل في عام 2015، مضيفًا أن مرضى حوادث الطرق كان التعامل معهم عن طريق "الصندوق الوطني لحوادث الطرق" لكن العمل به توقف منذ الانقسام.

ويؤكد أن الإجراء لا يمكن وصفه بالاحتجاز "ومن لا يريد حجز هويته فليتقدم بدفع فاتورة العلاج الذي يحصل عليه وهذا هو الأصل"، متسائلًا "ماذا تفعل وزارة الصحة لضمان حقّها المالي في رسوم العلاج هذه؟!".

أما المستشار والخبير القانوني عبد الكريم شبير فيؤكد من جانبه صحة توضيحات "ديوان المظالم"، مشددا على عدم جواز احتجاز أي أوراق ثبوتية لأي شخص، لأن هذه الأوراق تسهل إتمام جميع معاملاته الشخصية، مبينا أن احتجازها يتم لدواعٍ أمنية وبأمرٍ قانونيٍ وقضائي، وفي هذه الحالة أيضًا يكون الاحتجاز من أجل إتمام المعاملة فقط ويتم استردادها بعد ذلك فورًا.

وتابع شبير أن هذا الإجراء إن حصل في أي وزارةٍ أو مؤسسة رسمية فهو مخالفة قانونية واضحة، لافتًا إلى أن طرق استيفاء الأموال معروفةٌ حسب القانون، "فإن كان لوزارة الصحة مستحقات لدى أي مريضٍ أو مصاب فعليها التحاكم للقضاء من أجل الحصول على الحق المالي لا أن تحتجز المستندات القانونية الخاصة بالمواطنين".

وتنص المادة 47 من قانون الأحوال المدنية الثاني الصادر لعام 1999، على "جواز حجز بطاقة الهوية لأي شخص كان"، فيما ذهبت المادة رقم 50 من القانون ذاته إلى أن "صلاحيات الجهات الرسمية لا تتعدى الاطلاع والتأكد من شخصية صاحب بطاقة الهوية".

وتضاف قضية احتجاز الأوراق الرسمية للمرضى لحين دفع المستحقات المالية لوزارة الصحة، إلى سجلٍ من الإجراءات التي تفرضها الجهات الرسمية في غزة على المواطنين من أجل رفع حجم إيراداتها المالية التي تسد بها رمق عجزها المالي في ظل حالة الإغلاق المستمرة.