مما لا شك فيه أن "إسرائيل" لن تتجه للتفاوض مع حركة حماس حول جنودها الأسرى في قطاع غزة قبل استنفاذ الوسائل الاستخبارية والأمنية الأخرى بما في ذلك العمليات الخاطفة أو العسكرية المحدودة أو العمليات الخاصة ذات التأثير العالي.
السلوك الإسرائيلي السابق في التعامل مع قضية الجندي جلعاد شاليط يشير إلى أن "إسرائيل" تحاول دائماً استنفاد الوقت واستخدام كافة الوسائل الممكنة سواء عبر جمع المعلومات الاستخبارية أو تنفيذ عمليات عسكرية أو اختطاف قيادات عسكرية لها علاقة بملف الجنود.
هذا السلوك طبيعي من الناحية السياسية لدى القيادة الإسرائيلية ممثلة برئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" الذي لا يمكنه أن يدفع الثمن المطلوب قبل تجريب جميع الأوراق الأخرى، بما يعطيه مبررا مقبولاً أمام الائتلاف الحكومي أولاً ومن ثم المجتمع الاسرائيلي لكيلا يظهر مجددا بصورة المنصاع تحت ضغط حماس، وليخفف السخط الداخلي عليه بعد تحميله مسئولية تدهور الأوضاع الأمنية التي جاءت نتيجة الافراج عن مئات الأسرى في صفقة الجندي جلعاد شاليط.
ومن أبرز الوسائل التي تفكر فيها "إسرائيل" حالياً -وهي تفقد أربعة جنود في قطاع غزة- تنفيذ عمليات اختطاف لقيادات عسكرية وسياسية لها علاقة بملف الجنود الأسرى في قطاع غزة وقد جربته سابقاً بهدف الحصول على معلومات عن الجنود والوصول لحل عسكري أو أمني يفقد حركة حماس قيمة هؤلاء الجنود.
في السابق استخدمت "إسرائيل" هذا الأسلوب في اختطاف "مهاوش القاضي" -أحد عناصر كتائب القسام الذي اعتقدتأن له علاقة بأسر الجندي "جلعاد شاليط"- في أيلول 2007 وذلك بعد عام من أسر شاليط حيث نصبت له قوة خاصة في حدودية شرق رفح كميناً أثناء عودته لمنزله.
مغامرة عبر البحر
ربما تختلف طبيعة العمليات الخاصة لقوات الاحتلال في قطاع غزة هذه المرة فالمناطق الحدودية الشرقية بات تركيز المقاومة عليها كبير وذهاب قيادات للمرور من خلالها شبه معدوم، وعليه ربما يفكر الجيش بعمليات خاصة تأتي عبر الشريط البحري.
شارع البحر الذي يعتبر متنفسا للمواطنين في قطاع غزة وطريقاً آمنا لدى الفلسطينيين ربما يفكر فيه الجيش الإسرائيلي ليكون مسرحاً لأحد عملياته الخاصة ضد أحد قيادات المقاومة باعتباره ثاني أكبر شارع يصل شمال قطاع غزة بجنوبه.
نجاح قوة خاصة من الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عملية اختطاف لقيادي ستكون ضربة كبيرة للمقاومة من جهة، وبمثابة ورقة "جوكر" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قضية الجنود الأسرى في قطاع غزة من جهة أخرى، فهو سيظهر نفسه بأنه صادق ويعمل بكل جد لإعادة الجنود المفقودين في القطاع.
ومن جهة أخرى بهذه العملية سيجد نتنياهو نفسه في فسحة من الوقت أمام المجتمع الإسرائيلي ما يعطيه القوة ليتجاوز جميع الضغوطات في هذا الملف لعدة سنوات وربما يؤجله لرئيس الوزراء الذي سيخلفه.
من سينفذ؟!
لأجل مثل هذه العمليات أصدر رئيس هيئة الأركان غادي ايزنكوت مطلع العام الجاري قراراً بدمج الوحدات الخاصة الإسرائيلية في لواء واحد بهدف تحسين الاستخدام المشترك للوحدات الخاصة في حالة الطوارئ، وتعزيز سلاح المشاة، والقوات الخاصة وفرق رأس الحربة.
عبر اللواء الجديد جرى دمج أربع وحدات هي وحدة ماجلان ودوفدفان وايغور وريموت، واختصت وحدة ماجلان في عمليات تدمير الأهداف النوعية في عمق الميدان القتالي وإنتاج المعلومات الاستخبارية، بينما وحدة ودوفدفان المشهورة "بوحدة المستعربين" عملت خلال الفترة الماضية في الضفة المحتلة ولديها خبرة في عمليات الاختطاف المركبة.
فيما كانت تتبع وحدة إيغوز للواء غولاني وهدفها الأساسي هو حرب العصابات، أما وحدة ريمون فهي وحدة مختارة داخل لواء جفعاتي تعمل في منطقة الجنوب وتختص بالقتال الصحراوي.
ويقود هذا اللواء الخاص العقيد "دافيد زيني"، وهو ضابط قسم العمليات في قيادة المنطقة الوسطى، الذي عمل كقائد كتيبة 51 في سلسلة من العمليات في قطاع غزة، وحل محل قائد اللواء غسان عليان عندما اصيب الأخير في حي الشجاعية.
وهناك وحدات خاصة إسرائيلية أخرى ربما يكون لها دور كبير في أي عملية تكون عبر البحر أبرزها وحدة شيطيت 13 وهي الوحدة البحرية الخاصة الإسرائيلية.
من الواضح أن رئيس هيئة الأركان غادي "ايزنكوت" يسير بشكل جدي لتطبيق العقيدة الجديدة للجيش الإسرائيلي وهو لا يريد الوصول للحرب حالياً على أيٍ من الجبهات مع تفعيل الحالة الاعتيادية للجيش التي تركز على مواصلة العمليات السرية الخفية أو العلنية لإضعاف قوة الخصوم ومنعهم من امتلاك قوة تقلب الموازين العسكرية أو تمنع الجيش الإسرائيلي من تحقيق الانتصار خلال الحرب المقبلة.
في المقابل مثل هذه المغامرة الإسرائيلية إن نجحت قد تقود لإشعال جبهة غزة فأوراق اللعبة هذه المرة ربما تكون تغيرت، وقد تكون الشرارة التي تدفع المقاومة لدخول معركة جديدة مع "إسرائيل" أو تنفيذ عملية خاطفة هدفها كسر صورة النصر الاسرائيلية بجلب مزيد من الأسرى الإسرائيليين بعملية عبر الأنفاق ما سيجعل "إسرائيل" في مأزق جديد.