شبكة قدس الإخبارية

فادي الفروخ.. اغتسل برائحة المسك ثم روى الزيتون بدمه

ساري جرادات

30 عاما مفروشة بالامل، ومزروعة بكل انواع الحنين والشوق للعيش بوطن خال من الاحتلال، كي تصحو الطفلة فاطمة من غير ان تشاهد جدارا واستيطانا وقيدا وخيمة. غادر مسرعا باحثا عن عالم لنا في زمن يضج بالهزائم والموبقات، رحل جسدا وبقي محفورا في ذاكرة رفاقه ومحبيه بطلا وعنوانا للرد.

في بلدة سعير "أم الشهداء" قضاء الخليل، تفتحت عينا فادي الفروخ على اصوات قرع باب بيته من قبل جنود الاحتلال لحظة اعتقال والده ابان الانتفاضة الاولى، كبر على مقاومة كل اشكال الظلم والتنكيل والتعذيب الذي يتعرض له شعبه، وبدأ قصة مقارعته للمحتل مند نعومة احلامه واظفاره.

زواج فادي وإنجابه لطفلة لم يمنعه من مقارعة الاحتلال، فمنذ اندلاع الانتفاضة إخرج الشهيد فادي (30 عاما) ما بجعبته من عزم وارادة لمواجهة المحتل، شارك  في المسيرات والفعاليات المنددة بارهاب العدو ومناصرة غزة واهلها، وكان بارعا بإلقاء الزجاجات الحارقة تجاه سيارات المستوطنين ورشقها بحجارة السجيل على الطريقة الفلسطينية الفذة.

يحدثنا علاء جرادات صديق الشهيد فادي عن صديقه قائلا، "ذهبنا على سيارات المستوطنين على الشارع الالتفافي رقم 60، وحين وصلنا نقطة الاشتباك همس الشهيد فادي لنا كمين كمين، حيث تفاجأنا باختباء جنود الاحتلال لنا في الموقع، فانسحبنا بهدوء كي لا يشعروا بنا، ثم وصلنا الى منطقة آمنة وبدأنا نسال انفسنا كيف استطعنا ان نهرب من جيش مدرب ومجهز بكل انواع القتل والبطش دون ان يشعروا بنا على الرغم من انتظارهم لنا".

ما ان وصل خبر نية الاحتلال تسليم جثمان الشهيد رائد جرادات حتى جهز الشهيد فادي نفسه وانطلق برفقة الاصدقاء واهالي البلدة نحو مستشفى عالية الحكومي في مدينة الخليل لاستقبال الشهيد، الشهيد فادي كان حاضرا في التسليم والتشييع والوداع الأخير للشهيد، حيث شرح الشهيد للشهيد القادم عن معنى ان تكون شهيدا فسارع للثأر.

حنت بلدة الشهداء سعير شهيدها رائد بتراب فلسطين، وراحت تتحضر لعرس شهيدها فادي، فالأخير انطلق نحو المدخل الشمالي لبلدته متسلحا بايمانه بعدالة قضيته وحتمية انتصاره، معلنا مواجهة بينه وبين الجنود المدججين بكل انواع القتل والموت، فانتصر على رصاصهم وخوذاتهم وغادر نحو المجد مسرعا حاملا صحيفته بيمينه.

توقفت الانفاس بالاجساد، الصغيرة فاطمة (20 يوما) تبكي بصورة هستيرية غير عادية، تعزف من بكائها الحانا غير قابلة للوصف اوالقياس، تخرج من حنجرتها صرخات تنادي والدها بلغة لا يفهما أحد، حتى جاء خبر استشهاد والدها بعد برهة من الوقت.

تروي والدة الشهيد اللحظات الاولى ما بعد استشهاد نجلها بالقول، "الحمد لله الذي انزل عليه جبال من الصبر والعزيمة، ابني لبى نداء القدس ومقدساتها وحرائرها، ونحن نعيش في زمن الانتصارات بكل أشكالها ومعانيها، وجودنا على هده الارض مقاومة".

60 يوما والجثمان محتجز في ثلاجات الاحتلال، والد الشهيد فادي صرح لوكالات الاعلام قبل استلام جثمان ابنه بايام انه لو بقي بالثلاجة مئة عام اخرى فلن نجعل الاحتلال يملي شروطه علينا، لان الشهداء اعظم واطهر من كل ما نعلم وما لا نعلم.

وتتحدث منى شقيقة الشهيد عن جثمان الشهيد بعد ستين يوما في الثلاجات، "كان دمه ينزف يروي زيتون فلسطين، لست وحدي من شاهد عيناه تتحرك، الجموع الحاضرة شاهدت هدا ايضا، ثمة شعور لا يمكن وصفه بالمطلق لكن الدنيا باكملها لن تستطيع محو تلك اللحظات من عمري".

ويقول والد الشهيد، "فادي ترك لنا فاطمة بصوتها ووجنتيها الصغيرتين ووجها البشوش تنسينا الآم الحياة ومخاض الفقدان وحسرة الفقدان، فاطمة اجمل شيء في حياتي كونها وصية الشهيد التي جاءت من صلبه، فادي لم يمت.. فادي حي يرزق عند ربه".

يتابع، "لم افكر في شيء سوى كيف سأخبر ابني الاسير ربيع باستشهاد شقيقه، حاولت ان ادير ظهري للامر لكنني كنت افشل نفسي، بعد عدة محاولات علق خط الهاتف واستمعت لهتاف الاسرى القادم من سجن بئر السبع وهم يرددون بالروح بالدم نفديك يا شهيد، حينها تأكدت اننا شعب لن يهزم".

يذكر أهالي سعير الشهيد فادي في أفراحهم وفي مختلف المناسبات الوطنية والاجتماعية، يذكره أطفال حارته وشيوخها، "نقش اسم فلسطين باسمه، اسم على مسمى كونه مشى للارض الطاهرة بعد ان اغتسل برائحة المسك التي تملا شوارع بلدته وعبير الشهداء الذين لم يموتوا ابدا".