بيت لحم – خاص قُدس الإخبارية: عروس فلسطينية ارتدت البدلة العسكرية بدلاً من فستان الزفاف، وخُضِّبت بالدم بدلاً من حناء العروس، لم تطلب مهرها أموالاً ولا ذهبا؛ بل أرادته تحرير الأقصى. كان حلم عريسها تأسيس حياة زوجية مستقرة، لكن حلمها اقتصر على الشهادة وتقديم روحها فداء فلسطين الوطن.
هي آيات محمد الأخرس من مواليد شباط/1985؛ هجر جدها من قريته الأصلية قطرة قضاء الرملة المحتلة، لتولد هي في مخيم الدهيشة للاجئين جنوب بيت لحم.
تصف والدة آيات ابنتها الفدائية بأنها المحبوبة من الجميع، والمُحافِظَةُ في أخلاقها ودينها، والمجتهدة في دروسها، مشيرة في الوقت ذاته إلى تعلقها الشديد بالشهداء والجرحى والأسرى، وإصرارها على زيارتهم وأهلهم باستمرار.
وتكمل، "كانت دائما ما تستغرب وضعنا الحالي الذي نعيش فيه من حصار وشهداء وعذابات، كانت تردد دائما: ليش احنا هيك عايشين؟ ليش ما في النا دولة مستقلة؟ ليش الأقصى مغتصب؟ ليش وليش وليش؟!".
آيات كغيرها من أبناء فلسطين وبناتها؛ وجدت نفسها فجأة تُطرد من أوهام السلام الدائم إلى حقيقة الاحتلال المستمر بأشكال مختلفة؛ ليكون الاجتياح الكبير للضفة الغربية عام 2002 واحدا من أشكال بطش هذا الاحتلال.
فمخيم الدهيشة في بيت لحم الذي عُرف دائما بأنه معقل للمقاومة والمقاومين؛ طاله مثل غيره من المخيمات والقرى والمدن نصيب من الحصار والاعتقالات والقتل والمصابين، وقد كان لذلك كله أثره العميق في نفس آيات، ليحول طموح الفتاة صاحبة الـ 17 عاما حينها من فستان الزفاف إلى ثوب الشهادة، فقررت الالتحاق بركب الاستشهاديات واختارت طريقها من خلال كتائب شهداء الأقصى؛ لتكون ثاني فتاة فلسطينية تفجر نفسها خلال الانتفاضة الثانية.
صباح يوم الجمعة 29/آذار/2002؛ استيقظت آيات مبكراً لتصلي الفجر وتقرأ القرآن، ثم تتجه إلى مدرستها لحضور البرنامج التعويضي لطلاب الثانوية العامة (التوجيهي) الذي أقرته مديرة المدرسة، بعد تعطل الدوام بسبب الحصار الإسرائيلي الذي فرض على مخيم الدهيشة.
عُرفت آيات بحرصها على دروسها وتعليمها حتى في اليوم الأخير لها، لتوصل رسالة لزميلاتها ولكل من يعرفها بضرورة العلم والتعلم، حيث أوصت زميلتها "هيفاء" بضرورة مواصلة التعليم، مهما ألمّ بها من ظروف ومصاعب.
وتقول هيفاء مستذكرة أياما لم تغب عن بالها، "كانت آيات تحتفظ بكافة صور الشهداء في مقعدها الدراسي، وكتبت عليه أيضاً العديد من الشعارات التي تمجد الشهداء وأهاليهم، وتبين فضل الشهادة والاستشهاد، ولكن لم يدر ببالي أنها ستقدم على عمل بطولي كهذا، فقد كانت دائما تحرص على أن تحصد أعلى الدرجات في المدرسة، في سبيل النجاح آخر العام والحصول على معدل ممتاز".
أما سلام شقيقة آيات التي تصغر بعدة سنوات وتبلغ اليوم (26 عاما) فتقول، "كانت آيات بالنسبة لي أكثر من مجرد أخت، فهي الصديقة المقربة إلي ومخبأ أسراري".
وتضيف، "قبل استشهادها بيوم واحد كنا سويّا في بيت لحم، فقالت لي: تعالي نتصور كم صورة لأني يمكن استشهد.. لكني لم آخذ كلامها على محمل الجد، واعتقدت أنها تمازحني فقط، وصدمت في اليوم التالي عندما وصلني خبر استشهادها بعد تنفيذها عملية استشهادية في القدس".
وتقول والدة آيات، "ودعتني آيات وقالت لي: يما ادعيلي، اليوم مهم كثير بالنسبة الي. دعوت الله أن يوفقها ويرضى عنها، ثم خرجَت من البيت مطمئنة القلب برضاي عنها". والحديث هنا عن يوم الجمعة ذاته الذي غادرت فيه آيات منزلها لليوم التعويضي في مدرستها.
وتضيف، "بعد عدة ساعات ومع انتهاء التعويض المدرسي عادت شقيقتها سماح بدونها، وتسارعت دقات قلبي، لعلمي بالأوضاع الأمنية الصعبة التي يعيشها المخيم، ولكن آيات أطالت الغياب ولم تعد".
طالت الساعات بانتظار رجوع آيات فيما الأم لا تعرف الهدوء والاطمئنان، فأخذت تسأل عنها في بيوت الأقارب والصديقات لكن دون أن تجد لها أثرا، وبحدود الساعة 11:30 بدأت الأخبار بالورود حول عملية استشهادية في القدس، ومنفذتها فتاة من مخيم الدهيشة.
تكمل الأم: "جاء اسماعيل الأخ الأكبر لآيات وأغلق التلفاز فقلت له: يما خليه عشان نشوف مين عملت العملية، لو كانت آيات أنا رح أتحمل الخبر". لم يجب إسماعيل ومشى خطوتين فقط ثم سقط على الأرض مغشياً عليه.
اختنقت كلمات أم آيات بدموعها ثم تابعت، "أيقنت أن آيات منفذة العملية، وأنها الآن عروس لفلسطين، ولن تعود إلى البيت إلا بكفن، لأنها كانت مصممة على أن تنتقم للشهيدين عيسى فرح وسائد عيد اللذين استشهدا إثر قصف صاروخي لمنزلهما المجاور لنا".
استشهدت آيات بعد تنفيذها لعملية استشهادية في متجر بمدينة القدس المحتلة، أدت لمقتل ثلاثة مستوطنين وإصابة العشرات حسب اعتراف الاحتلال، وقد تبنت كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح العملية.
واحتجزت قوات الاحتلال جثمان الشهيدة آيات في مقابر الأرقام مدة (12 عاماً)؛ مع المئات من الشهداء الفلسطينيين من ضمنهم الشهيدة دلال المغربي، وبعد محاولات عديدة قررت قوات الاحتلال الإفراج عن جثمانها يوم الأحد (2/شباط/2014)، لتشيع في جنازة مهيبة من بيتها وسط مخيم الدهيشة إلى مثواها الأخير في مقبرة الشهداء.