حلحول - قُدس الإخبارية: “روحوا واتركوني، خلص أنا ما في مني فايدة، بس انتو إذا ضليتو رح يعتقلوكم الجيش"، تلك كانت آخر كلمات الشهيد حسن البو (22 عاما) لأصدقائه الذين كانوا برفقته أثناء مطاردة جيش الاحتلال لهم خلال مواجهات في منطقة جسر حلحول شمالي مدينة الخليل.
بعد إصراره على موقفه ومع اقتراب الجنود كثيرا انسحب أصدقاؤه، لينطق الشهادتين ويرتقي بهدوء، كما يؤكد شهود عيان حضروا اللحظات الأخيرة لاستشهاده.
دمه ينزف حتى في ثلاجة الموتى
تعود والدة الشهيد حسن البو بذاكرتها إلى الوراء قليلاً وتستذكر أيام حسن الأخيرة، ثم توضح أن ابنها يدرس الحقوق في جامعة القدس، ويستأجر سكنا قريبا من جامعته نظرا لبعد المسافة بين أبو ديس حيث مقر الجامعة وحلحول حيث تقيم عائلته، مضيفة، أن حسن يعود إلى البيت كل يوم أربعاء عصرا، ثم يعود صباح السبت الذي يليه إلى مقاعد الدراسة.
وتقول أم حسن، إن ابنها عاد إلى البيت يوم الأربعاء كما جرت العادة، وكان قد طلب من والدته أن تطبخ "ورق عنب" الذي يحبه، ويوم الخميس طلب طبق "الدجاج المحشي"، ويوم الجمعة طلب "الكبسة" التي منعه عنها رصاص جنود الاحتلال.
وتضيف والدته، "استيقظ حسن صباح يوم الجمعة واستحم واستعد للصلاة وذهب، وعند عودته غسل سيارة والده العمومية، وعاد إلى البيت وسألني: شو صار في الكبسة، بدي إياها حارة وبتحرق"، ثم خرج.
وتبين أم حسن، أنها حضرت الطعام الذي طلبه وانتظرته ليعود لكنه تأخر؛ فهاتفه والده ليجيبه حسن: خمس دقايق وبكون عندك.. تأخر حسن، فعاود والده الاتصال به، فرد حسن قائلا: "بس ثواني وبكون في البيت".
وحسب شهود عيان فإن جنود الاحتلال في تلك الثواني كانوا يلاحقون حسن قرب منطقة جسر حلحول، وبعد وقت قصيرا جدا من انتهاء الاتصال اخترقت ثلاث رصاصات جسد حسن، أصابت الأولى قدمه، والثانية ظهره، والثالثة قلبه، وفقا لما أكدت مصادر طبية.
ويوضح الشهود، أن جنود الاحتلال وصلوا لحسن بعد انسحاب من كانوا معه بناء على طلبه، فحاولوا رفعه ونقله معهم إلى ثلاجاتهم كما فعلوا مع بقية الشهداء لكنهم لم يستطيعوا ذلك، قبل أن يحضر طاقم الإسعاف الفلسطيني ويجد أن جثمان حسن خفيف الوزن كما الريشة، لينقله المسعفون إلى الإسعاف ثم إلى مستوصف حلحول الطبي.
كانت عائلة حسن تنتظر انقضاء الدقائق الخمسة التي وعدهم حسن بأن يعود خلالها، آنذاك اخترقت أصوات صرخات قادمة من بعيد صمت انتظار العائلة، "يا أم حسن .. حسن اتصاوب". نزل هذا الخبر على العائلة كالصاعقة بل أشد، فخرجت أم حسن حافية القدمين لا تدري سبيلها، إلا أن قدميها قادتاها إلى مستوصف حلحول الطبي، في تلك اللحظات كانت أم حسن متأكدة بأن ابنها قد استشهد، كما تقول.
نقل حسن إلى مستشفى الأهلي في مدينة الخليل، وهناك أعلن الطبيب عن استشهاده، بعد إجراء عدة محاولات لإنعاش قلبه لكنها باءت بالفشل. تقول أم الشهيد، "حين أعلنوا عن استشهاد حسن، رفعت يداي وتوجهت إلى الله بالدعاء، يا رب تصبرني .. يا رب تصبرني".
بات حسن ليلته تلك في المستشفى شهيدا بانتظار اليوم التالي لتشييعه إلى مثواه الأخير، لكن والدته وجدت نفسها غير قادرة على تركه وحيدا، فتوجهت إلى المستشفى لزيارته في ثلاجة الموتى عند الساعة الخامسة فجرا.
تقول أم حسن، "عندما رأيته كان مسجى ودمه مازال ينزف، وعينيه مسبلتين كالنائم إلا من نصف غمضة، فقلت له: يلا يما اليوم السبت والساعة 5 لازم تقوم عشان تروح على الجامعة، هيني جهزت أغراضك، يلا يما".
أحست الأم أن دمعة كانت تحبسها عين حسن تحررت منهما ومشت على خده عندما نطقت بكلماتها تلك.
شُيِّع حسن في "عرس شهادة" جاب شوارع حلحول انطلاقا من منزله بعد إلقاء نظرة الوداع عليه، ثم إلى مسجد حلحول الكبير، وصولا إلى "روضته" في مقبرة بحلحول.
محامٍ ومناضل
لم تكن تتوقع أم حسن أن تشهد اليوم الذي تودع فيه نجلها فجأة بلا عودة ولا وعد بلقاء آخر، تقول، "هو الشاب الحنون والكريم والمعطاء والشجاع، عرف في حلحول بأنه الشاب المؤدب الخلوق والضحوك، وبين أسرة جامعة القدس باجتهاده وحبه للآخرين وبسيرته الحسنة".
وتذكر أم حسن أيضا أن ابنها كان ضحوكا يحب المزاح وترديد النكات، كما كان يكابد لتحقيق حلمه بأن يصبح محاميا يتولى قضايا هامة وحساسة. تقطع الدموع حديث الأم عن ابنها، لكنها ما تلبث أن تمسحها وتقول، "ما رح أبكي، حسن ما كان يحب يشوف دموعي".
وتضيف، "عندما استشهد مهند حلبي، جاء حسن إلي وقال: يما قتلوا صاحبي، مهند كان بعز علي كثير، قتلوه بدم بارد، الله يقهرهم زي ما قهروني". منذ ذلك الحين أحست والدته بازدياد حقده وغضبه على الاحتلال.
تتابع والفخر يعلو جبينها، "ابني حسن كان دائما يشارك في المهرجانات والفعاليات الوطنية سواء في حلحول أو الخليل أو أبو ديس، وكان يشارك أيضا في مواجهات حلحول وجامعة أبو ديس، فعند دخول الجيش إلى حرم جامعة القدس، كان يقول للطلاب ليثير حميتهم: اللي بحب تنكشف أخته على هدول اليهود، يضل قاعد".
وتستعين أم حسن، بالصلاة والعبادات وسيرة حسن الطيبة على كل لسان، لتصبّر روحها على فراقه، وهي تعد الآن كتابا حول حياة الشهيد وصفاته وخصاله، ليخفف عنها ألم الفراق الذي يدمي القلب.