الخليل – خاص قُدس الإخبارية: أصل الحكاية صرخة وموقف، صرخة الشهيدة دانيا ارشيد على أبواب الحرم الإبراهيمي الشريف وموقف تبناه الشهيد رائد جرادات (تخيلها أختك). فالشهيد رائد مثلما رسم مسار خلوده الأبدي رسم خط سير الحكاية والارتباط بالمصائر والأقدار مع الشهيدة دانيا.
بالتزامن مع نخوة صقر الخليل الشهيد رائد جرادات (22 عاما) كان والد الشهيدة دانيا جهاد ارشيد (16 عاما) قد تبلور لديه الربط في المصير، فكان حاضراً في مهرجان الشهيد رائد، وفي مراسم تسليم الجثمان ثم التشييع، وحاضراً لعرس الشهداء وحاضرا أكثر في الموقف الشجاع.
الشهيد رائد لم يكن يعرف دانيا؛ كما أن دانيا لم تلتق رائد ابداً، لكن المشهد كان استثنائياً بامتياز، درامياً، عاطفياً، وجدانياً، ومقاوماً لفكرة زرع الموت والحزن في نفوس الفلسطينيين، فقد استشهد رائد بين زخات الرصاصات حاملا نيشان التضحية والفداء ومؤكدا الأمل لشعبه بأن يوم الانتصار قادم وأكيد.
بطل المشهد رائد ويشاركه البطولة معنوياً والد الشهيدة دانيا بالموافقة الفورية وما تلاها من حمل ذوي الشهيدين "جرادات" و"ارشيد" على الأكتاف والهتاف والتكبير من الجموع الحاضرة لهذا الاستثناء، مع ان الامر لم يكن مرتباً معه سلفاً، "وهنا المعنى لان تكون فلسطينياً مؤمناً بقضية هي اعدل من العدل وأحق من الحق"، هذا ما قاله خليل جرادات مخرج فكرة خطبة الشهداء.
الشهيد رائد، الطالب المتميز في جامعة القدس المفتوحة قسم المحاسبة في مدينة الخليل، يدرس نهاراً ويساعد أشقاءه ووالده في محجرهم ليلا، تعرفه حارات وأزقة سعير جيدا، كونه احد ابرز رياضيي رياضة بناء الأجسام، ويناديه أصدقاؤه بـ"أبو عبير".
شقيق الشهيد التوأم نضال جرادات، بدأ حديثه عن "توأم روحه" كما وصفه قائلاً، "رائد اغلى انسان على قلبي، مش ممكن أتخيل الحياة والدار والمحجر بدونه، بس الحمد لله، فداءا للأقصى وحرائره نحتسبه عند الله شهيداً، وفلسطين لن تتحرر إلا بالمقاومة".
ويضيف نضال، "كنت دائماً أشعر بوجع أخي، فعندما يؤلمني شيء ما في جسدي أسأله إن كان يؤلمه شيء، فكان يتألم لألمي ويضحك لفرحي، وقبل شهرين من استشهاد توأم روحي مرضت ونمت في المستشفى لمدة أسبوعين وكان لا يغادر سريري ابدا، وشعر بنفس الآلام التي ألمت بي".
وعن يوم البطولة ووضع حد لارهاب جندي احتلالي قال نضال، "كنت في العمل صباح يوم استشهاده، شعرت بأربع وخزات في صدري اوجعتني كثيرا، فشعرت أن مكروهاً ما أصاب أخي، وجاء خبر إصابة أحد الشبان على مدخل قريتنا، فصرخت هذا رائد هذا رائد".
أما والدة الشهيد فبدأت حديثها بالقول، "لايزال رائد يعيش بيننا، أحدثه صباح مساء، أزوره في مرقده الأخير دائما، اسلم عليه واقرأ له ما تيسر من القران واخبره بفخري وشوقي وحنيني له، الله يرضى عليك يما ويرحم روحك الطاهرة".
تتابع، "عاد رائد من المحجر صباح الاثنين (26/10/2015) اغتسل ولبس أجمل ثيابه، وسألني: "حلوة لبستي يما ؟" فأجبته: "القالب غالب يما"، قبّل يدي وجبيني وخرج، وحين شاهدت صورته عرفته على الفور، سيبقى محفورا في قلبي للأبد انه ابني الحنون الطيب الكريم".
كان الشهيد رائد نداً عنيدا في مواجهة المحتل ودوما في المقدمة، ذهب ليلقي زجاجة حارقة، وحين لم يجد قطعة قماش ليسد بها عنق الزجاجة وضع "الجراب" الذي كان يرتديه فيها والقاها وانسحب بسلام، وبعد شهرين اعتقل ومكث في التحقيق ثمانية أيام، ولم تستطع مخابرات الاحتلال أن تنتزع منه اعترافاً واحداً.
الدكتور خليل الطروة احد افراد الطاقم الطبي الذي اشرف على معاينة جثمان الشهيد قال، "درجة حرارة الثلاجة التي حفظ فيها الجثمان اكثر من 70 درجة تحت الصفر، اتفقنا مع والدته ان تقبل فقط جبينه دون ان ترى وجهه، وحين لمست رأسه نزف دمه كأنه أصيب الآن مع رائحة جميلة جدا".
يضيف، "لا يوجد أي تفسير علمي لنزف الدم والرائحة، ليست رائحة جثث او اموات، رائحة غير قابلة للوصف والقياس، فأخذت امه من دمه النازف ووضعت على وجهها منه، وحين عدت لمنزلي نمت بملابس العمل لأبقي رائحة الشهيد تلفني، فقط هي كرامة من الله للشهيد".
تجدر الإشارة إلى أن إدارة فيسبوك أغلقت حساب الشهيد على موقعها بعد آلاف الزيارات ممن أرادوا التعرف على رائد العاشق الذي اعتاد كتابة الخواطر والشعر، ثم كانت رائحة دمائه أجمل قصيدة كتبها.