الخليل – خاص قُدس الإخبارية: في زاوية الغرفة سرير بني اللون ما زال على نفس حاله منذ غيابها، وحقيبة مدرسية ما زالت مركونة بجانب السرير، تحتوي كتبا مدرسية وعلبة أقلام وألوان، لم تستخدم منذ أكثر من شهرين.
تلك كانت غرفة نوم ديما الواوي أصغر معتقلة في سجون الاحتلال، طفلة بعمر الورد المزروع في حديقة بيت عائلتها، عمرها عند اعتقالها (12 عاما)، تسكن في بلدة حلحول شمالي الخليل، وتدرس في مدرسة شهداء حلحول في الصف السابع.
اعتقلت ديما الواوي بالقرب من مستوطنة "كرمي تسور" المقامة على أراضي حلحول، وادعى جيش الاحتلال أنها خططت لتنفيذ عملية طعن في محيط المستوطنة، وأنها عثرت على سكين بين كتبها كانت تريد استخدامها لهذا الغرض.
مسكونة بالطفولة والأرض
تقول أم رشيد الواوي (47 عاما) والدة الأسيرة ديما واصفة طفلتها، "هي بنتي الوسطى والمدللة، طفولية ومرحة كثير، وبتحب تلعب، كل وقتها كان لعب، وأولاد الجيران والأقارب كانوا ييجوا علينا عشان يلعبوا معها، وهي اجتماعية كثير بالرغم من صغر سنها، الصغار والكبار بحبوها وبحبوا يحكوا معها".
تضيف، "ديما كانت تحب الأرض كثير، ومرات كانت تساعدني بزراعة الورد في حديقة البيت، أو كانت تروح معي على أرضنا ونزرع ونفلح، وكانت تحكي دائما: أنا بدي أصير مهندسة زراعية لما أكبر مثل أخوي عشان أهتم بالأرض".
تتابع الأم دون أن تستطيع إخفاء حزنها وقلقها، "ديما طفلة صغيرة كثير، لسا بتحتاج الحنان والأمان منا، وإذا في كلمة بتعني إنها أقل من طفلة ممكن أوصفها فيها كنت وصفتها، لإنها بنت بس بتحب الضحك واللعب". موضحة في الوقت ذاته أن ابنتها كانت تحفظ أسماء جميع شهداء الانتفاضة وكيفية استشهاد كل منهم.
وتوضح أم رشيد، "في أحد أيام إضراب الأسير محمد القيق قالت لي ديما: يما إذا استشهد محمد القيق مين رح يعتني في أولاده ويوخدهم رحلات ويجيبلهم ملابس العيد ويفرحهم.. كانت دايما حاملة هم الوطن بقلبها على الرغم من صغر سنها".
تعود بذاكرتها مسترجعة أياما تتمنى أن تعود قريبا، "دائما كانت الصبح تحب أنا أرتب شعرها وأقرأ على راسها قرآن، وكانت أول ما تصحى من نومها تحكيلي: يما شو حلمتي حلم بخصني؟".
أهون المصائب
وتبين والدة ديما أنها وقبل اعتقال طفلتها رأت حلما بأن أمرا جلل سيحدث لها تنال من بعده صدى كبيرا، وعندما روت الأم لابنتها الحلم أجابتها متسائلة: "يعني بدي استشهد؟!". قالت الأم، "لا.. يمكن بدك تدرسي تخصص منيح وتفيدي وطنك فيه".
وبين جملة وأخرى تحمد أم ديما الله وتشكره على أن طفلتها مازالت على قيد الحياة ولم تُعدم كما حدث مع عشرات الفلسطينيين في الأشهر الماضية، فرغم حجبها عنها خلف قضبان سجون الاحتلال، إلا أنها ترى أن الاعتقال "أهون المصائب". تسكت قليلا ثم تدعو: "الله يعين أهالي الشهداء ويصبرهم".
وعن الساعات الأخيرة قبل اعتقالها، توضح أم رشيد أن ذلك اليوم بدأ عاديا، سوى أن ديما استيقظت مبكرا ورتبت جميع غرف المنزل وارتدت ملابس المدرسة وخرجت، وحسب روايات زميلاتها في المدرسة فإن ديما حضرت إلى المدرسة وطلبت من المديرة أن تأذن لها بالعودة إلى البيت بسبب مرضها.
وتقول إنها تلقت نبأ اعتقال ابنتها من معلماتها في المدرسة، حيث زارتها عدد منهن في المنزل وأبلغنها بالحدث. تعلق، "نزل الخبر علي كالصاعقة، ما كنت قادرة أوقف على رجلي لما اعرفت".
في اليوم ذاته؛ تلقت أم ديما بلاغا للحضور إلى مركز شرطة الاحتلال في مدينة الخليل للتحقيق معها، وفي اليوم التالي توجهت مع زوجها إلى محكمة الاحتلال في معسكر وسجن "عوفر" المقام غرب رام الله لحضور أول جلسة محاكمة مع طفلتهما، حيث حكم القاضي الإسرائيلي بإعادة التحقيق بوجود والديها لعدم قانونية التحقيق في غيابهما.
"لما وصلنا لمركز تحقيق الشرطة بالخليل، ودخلنا لغرفة التحقيق أجت ديما، ويا ويل قلبي على بنتي، كانت بترجف من البرد، لإنه درجة الحرارة كانت كثير منخفضة بالخليل، وكانت لابسة بس بلوزة، حتى مريول المدرسة كانوا الشرطة ماخدينه منها، كان منظرها بكسر القلب، كل ما أتذكرها بصير أرجف"، تقول والدة ديما.
وتضيف، بأن محكمة الاحتلال قدمت عرضاً بالإبقاء على ديما في ما يسمى بـ"البيت الآمن" خلال جلسة المحاكمة الثالثة، لكن العائلة والمحامي رفضا العرض، ثم عُقدت جلسة رابعة وأخيرة حكم خلالها على ديما بالسجن لأربعة أشهر ونصف، مع إلزام العائلة بدفع كفالة قيمتها 8 آلاف شيكل، إضافة للسجن لخمس سنوات مع وقف التنفيذ.
عذابات أصغر أسيرة
وتعتبر ديما أصغر أسيرة في سجون الاحتلال، لكن خلف هذه الكلمات القصيرة عذابات ترويها الطفلة لمحامية نادي الأسير حنان الخطيب قائلة، "مسكوني الجنود ووقفوني وقالولي طلعي السكينة وبطحوني على الأرض ودعسوا على ظهري برجليهم، كان عددهم كثير كثير، كلبشوني وعصبوا عيني واخدوني على التحقيق، الجنود كانوا يتمسخروا علي ويصوروني بتلفوناتهم".
وتضيف ديما، "حققوا معي في مستوطنة "كريات اربع" حيث كان حوالي ستة محققين، صيحوا علي كثير، هددوني وحكولي رح نقتلك، سبوا علي وكانوا يضحكوا علي كمان، كانوا يخوفوني ويقولولي بدنا ندفنك وانت عايشة، والمجندة شلحتني كل ملابسي".
وتبين أنها نُقلت بعد ذلك لسجن "هشارون" ووضعت في العزل الانفرادي لعدم وجود متسع لها في السجن كما أُبلغت في ذلك الحين، وبقيت في العزل يوما قالت إنها أحست خلالها بالخوف الشديد لوجود ديدان ونمل وصراصير في الزنزانة، قبل أن تنقل إلى المحكمة ومنها إلى السجن مع الأسيرات الفلسطينيات.
وعن براءة وكبرياء ديما تقول والدتها، إنها وخلال محاكمتها في "عوفر" كانت تعبث بالسلاسل الحديدية التي تقيد قدميها، وتقف مستندة إلى القضبان الحديدية لترى جميع الحضور في قاعة المحكمة، كأنها لا تأبه لحكم القاضي الذي نطق بالحكم في تلك الجلسة.
وتعرب ديما من داخل سجن "هشارون" المقام قرب مدينة "تل أبيب" عن اشتياقها الشديد لصديقاتها ومدرستها، لكن ما يخفف عنها الآن أنها إلى جوار أسيرات فلسطينيات اعتقلن على خلفية وطنية، تقول دايما إنهن يعتنين بها كثيرا كونها أصغرهن سنا.
قبل أيام وصلت عائلة ديما رسالة من طفلتها عن طريق الصليب الأحمر، طمأنتهم فيها عن صحتها وأكدت لهم أنها بخير وتحتاج لدعائهم، وختمتها قائلة: "أعلم أن السجن لا يغلق بابه على أحد".