المشروع الصهيوني منذ الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين واقامة اول مستوطنة على أرضها "زخرون يعقوبي" جنوب حيفا على أراضي قرية زمارين، والصراع معه محتدم على الأرض باعتبارها جوهر الصراع. ولذلك سعى الإحتلال الى احتلال شعبنا واقتلاعه وإحلال المستوطنين مكانه مستخدماً كل الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية. وكذلك القوانين والتشريعات العنصرية، وفي مقدمتها قانون املاك الغائبين لعام 1953 وقانون استملاك الأراضي لعام 1935 (قانون الحرام).
الصراع بلغ ذروته مع نكبة عام 1948، حيث شرد اكثر من 800 ألف فلسطيني، طردوا وهجروا قسراً عن أرضهم، بفعل ما ارتكبته المنظمات الصهيونية بحقهم من جرائم ومذابح، وتدمير اكثر من 531 قرية فلسطينية.
ومنذ تلك النكبة ونكبات شعبنا متواصلة بأشكال مختلفة، حيث جرى ويجري طرد وترحيل وتهجير شعبنا الفلسطيني، عبر سنّ الكثير من القوانين والتشريعات الصهيونية العنصرية، التي تستهدف وجوده وأرضه وكل مكونات هذا الوجود من هوية وتاريخ وتراث وثقافة...الخ.
وقد سعى الاحتلال لكي يهود منطقة الجليل للقضاء على الأغلبية الفلسطينية فيها، عبر مصادرة 21 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، ضمن ما عرف بسياسة "تطوير الجليل" اي تهويد الجليل، وما عرف بمشروع العنصري "أريه كنج"، فكانت انتفاضة يوم الأرض الخالد في الثلاثين من آذار /1976، والتي سقط فيها ستة شهداء من ابناء شعبنا ومئات الجرحى، بمثابة رسالة للعدو الصهيوني بان شعبنا لن يخضع للترهيب والقمع والتنكيل، وسيدفع الدم من اجل حماية ارضه والدفاع عن وجوده وبقائهعليها.
ومنذ ذلك التاريخ؛ وشعبنا يجترح المعجزات والتضحيات في الدفاع عن أرضه عبر معركة وصراع وجودي مع الاحتلال، الذي سعى بكل السبل والوسائل من اجل اقتلاعه بالطرق المشروعة وغير المشروعة، فقد نظر لشعبنا بأنه بمثابة السرطان الذي يجب اقتلاعه.
والتطهير العرقي والطرد والاقتلاع لم يكن مقتصراً على شعبنا في الجذر الفلسطيني، بل كان يطال القدس بشكل خاص، ولم تكن الضفة الغربية بمعزل عن التهويد.
والاحتلال نظر للنقب كمنطقة استراتيجية تشكل أكثر من 50% من مساحة فلسطين، وبالتالي سيطرة العرب عليها سيشكل خطراً ديمغرافيا على دولة الاحتلال، فسعى الى حصر سكان النقب وبئر السبع في تجمعات محددة، للحد من سيطرتهم على الأرض، ارضهم التي اعتبرها العدو أراضي دولة.
ومن هنا كان ما يسمى بمشروع "برافر" التهويدي، الذي يهدد باقتلاع وطرد اكثر من أربعين الفاً من سكان النقب العرب، والاستيلاء على ما مساحته 800 ألف دونم من اراضي شعبنا هناك، وحصرهم في مساحه لا تزيد عن 1% من أراضيهم.
رداً على هذا المشروع التهويدي التهجيري، انتفضت جماهير شعبنا في كل فلسطين التاريخية، وقالت بأن مشروع "برافر" لن يمر ولن تكون هناك نكبة ثانية لهذا الشعب. جماهير شعبنا خرجت في مسيرات ومظاهرات ضد مشروع "برافر" التهودي على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخة، أجبرت الاحتلال على التراجع عن هذا المشروع بشكل مؤقت، حيث تجري مداولات بين أقطاب حكومة اليمين الصهيوني الحالية من اجل إعادة طرحه من جديد.
وما قامت به جماهير شعبنا الفلسطيني من مسيرات واحتجاجات ويوم غضب على مشروع "برافر" التهويدي، شكل علامة فارقة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، وهذا كان بمثابة رسالة الى كل المستعمرين الصهاينة، بأن ارض اباءنا واجدادنا لن تكون غير عربية، وهي ليست كما يدعي ويقول المستعمر العنصري ليبرمان وزير خارجية دولة الاحتلال السابق وزعيم حزب "بيتنا" القادم من روسيا، ليقول لنا بان ما جرى هو تعدي على اراضي دولة "اسرائيل"، فسكان النقب العرب موجودين فيها قبل قيام دولة الاحتلال.
ومخططات الاستيطان والتهويد ليست مقتصرة على الجليل والنقب، بل نرى بان هناك "تسونامي" استيطاني يطال مدينة القدس، حيث الاف الوحدات الاستيطانية أقيمت في القدس على أراض فلسطينية جرى مصادرتها والاستيلاء عليها، والمخطط الصهيوني 2020 يريد ان يغرق القدس بعشرات ألآلاف الوحدات الاستيطانية؛ ويحسم مصيرها كمدينة "يهودية" وينزع عنها الطابع العربي.
ويجري الحديث الان عن البناء في المنطقة المسماة (E1) شرق مدينة القدس، وبما يربط مستوطنات "معاليه ادوميم" و"ميشور" ادوميم" بالقدس، ويحيط القدس العربية إحاطة السوار بالمعصم، ويعزلها ديمغرافيا وجغرافياً عن محيطها الفلسطيني، ناهيك عن البؤر الإستيطانية التي يجري زرعها في قلب الأحياء العربية.
والضفة الغربية ليست بمعزل عن المخططات الاستيطانية والتهويدية، حيث الآف الوحدات الاستيطانية تقام هناك، من اجل خلق دولة للمستوطنين داخل الدولة، بحيث يتحول الفلسطينيون الى جزر معزولة في محيط "اسرائيلي" واسع، وتتعالى الكثير من الأصوات اليمنية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية الداعية الى سن وفرض القانون الإسرائيلي على منطقة (C)، والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وبما يلغي أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
الحرب والصراع مع المحتل على الأرض سيبقى جوهر الصراع، فهذا المحتل يريد نفينا وإقصاءنا وعدم الاعتراف بوجودنا، وهذا يتطلب منا اولاً وعاشراً استمرار الصمود والبقاء والثبات على أرضنا، وتكثيف حمايتها واستصلاحها وزرعها ليس فقط بالأشجار. بل بإقامة المزيد من الوحدات والمشاريع الإسكانية عليها، فأساس صمود الإنسان الفلسطيني على أرضه بالبناء فوقها، وكذلك لا بد من توفير مقومات الصمود لهذا الشعب من خلال البحث عن كل وسائل الدعم المادية من القطاع الخاص ورأس المال الفلسطيني المغترب، ورأس المال العربي والإسلامي المهدور والموظف في تدمير البلدان العربية وقتل أبنائها.