فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: تميزت الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية منذ تأسيس "إسرائيل"، بوجود شخصيات سياسية مؤثرة، كان لها دور واضح في تشكيل وبلورة سياسة الدولة، وكاريزما عالية في تقوية أحزابها وتأمين حصة كبيرة لها من المقاعد في الانتخابات البرلمانية.
في مقدمة هؤلاء بن غوريون أول رئيس حكومة إسرائيلية، ومناحم بيجن أول رئيس حكومة من اليمين، وصولاً إلى بنيامين نتنياهو الذي يعتبره البعض آخر ملوك "إسرائيل" وآخر رئيس للحكومة قبل قدوم المخلص، حيث استطاع أن يقود الليكود "التكتل" إلى الانتصار في أربع جولات انتخابية، وأن يقترب من 10 سنوات في رئاسة الحكومة، وهي مدة زمنية لم يبلغها إلا بن غوريون. هذه الحقيقة دفعت العديد من النقاد إلى اتهام نتنياهو باتباع سياسة دكتاتورية للحفاظ على وجوده السياسي.
بنيامين نتنياهو... حياته السياسية
ولد بنيامين نتنياهو عام 1949 في مدينة تل أبيب، ولكنه عاش فترة صباه متنقلاً بين القدس والولايات المتحدة الأمريكية. وبعد أن أنهى دراسته المتوسطة، خدم بنيامين نتنياهو في جيش الاحتلال، حيث شارك في العديد من العمليات، لكنه لم يصل إلى مراتب متقدمة في الجيش وأنهى خدمته العسكرية عام 1972.
بعد أن أنهى خدمته في الجيش عاد نتنياهو إلى الولايات المتحدة حيث أنهى دراسة الماجستير في إدارة الأعمال ثم عمل في شركة خاصة، ثم أصبح سفيرًا لإسرائيل في الأمم المتحدة بين سنوات 1984- 1988. وقد تميز بالقدرة الإعلامية، واستطاع أن يقنع الأمم المتحدة بفتح وثائق تتعلق بجرائم الحرب النازية ضد اليهود.
في عام 1988 خاض نتنياهو انتخابات الكنيست على قائمة الليكود، وفي انتخابات عام 1992، وبعد هزيمة كتلة الليكود التي كان نتنياهو رقم 6 على قائمتها، استقال يتسحاق شامير من رئاسة حزب الليكود، واستطاع بنيامين نتنياهو الوصول إلى رئاسة الحزب، متفوقًا على كل من ديفيد ليفي وبيني بيجن وموشيه كتساف، وكانت النتائج مفاجئة لغالبية المراقبين، حيث لم يكن نتنياهو وقتها قد بلغ 43 من عمره، إضافة إلى أنه كان حديث عهد بالليكود.
وفي انتخابات رئاسة الحكومة عام 1996، والتي كانت تجري وقتها عبر الانتخاب المباشر من قبل الناخبين، استطاع بنيامين نتنياهو أن يتفوق على شمعون بيرس، رغم أن كل استطلاعات الرأي كانت ترجح فوز بيرس وبفارق 5% على الأقل، ورغم الدعم الواضح من قبل الرئيس الأمريكي بيل كلنتون لبيرس في تلك الانتخابات.
وبعد ثلاث سنوات هُزم نتنياهو في الانتخابات العامة عام 1999 أمام مرشح حزب العمل آنذاك إيهود باراك، مما دفعه لاعتزال السياسة حتى عام 2005، ليعود بعدها إلى حزب الليكود ويصبح وزيرًا للمالية، ثم يترشح لرئاسة الحزب عام 2005 ويتفوق على بقية المرشحين، ومنذ ذلك التاريخ حافظ على تفوقه في رئاسة حزب الليكود ولم يهزم في أي انتخابات داخلية. ورغم حلول الليكود في المركز الثاني في انتخابات عام 2009 إلا أن نتنياهو استطاع تشكيل الحكومة بعد أن دعمته أغلب الأحزاب، ليبقى رئيسًا للوزراء منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا.
وواجه نتنياهو انتقادات لاذعة بسبب نقص خبرته العسكرية والتي تمثلت بفشله في إدارة الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث شكل مجلسًا وزاريًا مصغرًا ذا خلفية عسكرية وأمنية ضعيفة، ليعلل المراقبون ذلك بأنه يرغب في مجلس يستطيع السيطرة عليه دون الاعتراض على قراراته. وقد ظهر شعور نتنياهو بالنقص بسبب قلة خبرته العسكرية عندما قام بنشر صور له على الفيسبوك ليؤكد على خبرته العسكرية، كرد على النقد الموجه إليه بعد استخدامه منظارًا عسكريًا بالطريقة الخاطئة، حيث انتشرت صورته على وسائل الإعلام في تشرين الأول 2010.
الإمساك بكامل الخيوط داخل الليكود
يسعى بنيامين نتنياهو إلى السيطرة الدائمة على كل مفاصل حزب الليكود، من خلال العديد من الوسائل والأدوات، وقد وجهت له اتهامات بالقضاء على الديمقراطية داخل الحزب. فقد قام نتنياهو بالعديد من الخطوات المصيرية خلافًا لرأي الأغلبية، متسلحًا بأنه المرشح الأفضل لليكود في ظل فقدان البديل، مثلما قام بالتحالف مع حزب إسرائيل بيتنا "إسرائيل بيتينو"، والنزول في قائمة مشتركة في انتخابات 2013، حيث اعتبرت هذه الخطوة خدمة لمصالح نتنياهو وليس لمصلحة الحزب.
كذلك عمل بنيامين نتنياهو على تقديم الشخصيات وفق رغباته الخاصة ووفق ما يتناسب مع طموحاته في السيطرة على الحزب. فبعد إبعاد العديد من الأقطاب البارزة، والتي كان لها شعبية مرتفعة داخل الحزب، كجدعون ساعر الذي استقال من الحياة السياسية بعد أن توصل لقناعة أن نتنياهو سينغص عليه حياته، توصل بنيامين نتنياهو لاتفاق مع قطب بارز وهو إسرائيل كاتس، من أجل تقوية تيار الرجلين داخل الحزب وإجراء تعيينات لمقربيهما.
إضافة إلى ذلك، عمل نتنياهو، وخلافًا لقواعد الحزب، على تحديد مواعيد الانتخابات الداخلية بما يضمن له الاستمرار في رئاسة الحزب مثلما حدث في نهاية عام 2015. فبالرغم من أن بنيامين نتنياهو استطاع إبعاد أغلب منافسيه الأقوياء من المشهد الليكودي، إلا أنه كان يشعر دائمًا بالقلق والخوف المستمر على موقعه في رئاسة الحزب، وهذا ما يفسر تقديمه موعد الانتخابات الداخلية للحزب كلما شعر بنصف أو ربع تحرك، مما يفسح المجال لأن ينافس نفسه داخل الحزب مبعدًا أي مرشح ذي حظوظ من التنافس.
لقد واجه نتنياهو اتهامات قوية من داخل الحزب بأنه قدم الانتخابات خوفًا من مواجهة مرشحين أقوياء كجدعون ساعر يستعدون للمنافسة في المستقبل القريب.
التعامل الحكومي واستغلال انعدام الخيارات
على المستوى الحكومي، واجه بنيامين نتنياهو الكثير من الاتهامات، وفي مقدمتها سعيه لأن يسيّر الحكومة وفق رغباته الشخصية، وبما يضمن له إقرار ما يريد من قرارات، حتى لو تطلب الأمر إمساكه ببعض الوزارات مؤقتًا، كما حدث في مسألة تغيير قوانين تعيين القضاة، والمصادقة على صفقة الغاز التي تحتاج إلى مصادقة وزير الاقتصاد حينها أريه درعي، والذي انتقل من وزارة الاقتصاد بسبب رفضه التوقيع على صفقة الغاز، وبذلك يفسح المجال أمام نتنياهو للمصادقة على القرارات بصفته وزيرًا مؤقتًا للاقتصاد، ولتكن هذه الفرصة الوحيدة من أجل أن تمر الصفقة في ظل رفض الغالبية لها.
وهكذا واجه نتنياهو دعوى أمام محكمة الاحتلال العليا بأنه يخالف القوانين الأساسية، كونه يمسك بأربع وزارات إضافة إلى رئاسة الحكومة.
إضافة إلى ذلك، أقر نتنياهو بعض الإجراءات التي تتعلق بجلسات الحكومة، أظهرت أنه يتعامل كالمعلم مع تلاميذه، فقد قلص فترة كلام كل وزير في البداية إلى ثلاث دقائق وبعدها إلى دقيقة واحدة، ليواجه تهمًا بأنه لا يريد الاستماع لوجهات نظر مخالفة (ايخانار، 2015).
على صعيد آخر، صنفت المنظمات الحقوقية، اليسارية تحديدًا، بنيامين نتنياهو بالدكتاتوري في "إسرائيل"، وذلك بعد اقتراح قانون يقضي بعدم إعفاء المنظمات والجمعيات التي تتابع تصرفات الجيش وتدعو للمقاطعة من الضريبة.
تسلط نتنياهو الأبرز كان في ساحة تشكيل الائتلافات وعدم الالتزام بالاتفاق الائتلافي مع العديد من الأحزاب، مستغلاً عدم وجود خيارات أمام شركائه الائتلافيين. فعند تشكيل حكومته الثالثة عام 2013، توصل بنيامين نتنياهو إلى اتفاق واضح مع حزب يوجد مستقبل "يش عتيد"، يقضي بمنح زعيمه يائير لبيد وزارة المالية، وتمكينه من تنفيذ برنامجه الاجتماعي، ثم يكتشف لبيد بعدها أنه وقع في الفخ، فلم يستطع الرجل تحقيق وعوداته، خاصة 0% ضريبة لسكن الأزواج الشابة. فرغم المصادقة عليها من اللجان المعنية، والاتفاق عليها سابقًا بين زعيمي الحزبين، إلا أن نتنياهو رفضها في آخر لحظة.
ولم يسلم موشيه كحلون زعيم حزب كلنا "كولانو" من غدر نتنياهو، فبعد تشكيل الحكومة عام 2015، واتفاق زعيمي الحزبين على تنفيذ وعود كحلون الانتخابية بعدم رفع الضرائب وتحقيق برنامج اجتماعي، سقط كحلون وفق تعبير الكثيرين في الفخ، ووجد نفسه ملزمًا برفع الضرائب. وبعد استطلاعات الرأي التي أظهرت شعور المواطن الإسرائيلي بالإحباط، وتوقعت خسارة كحلون نصف مقاعده في أي انتخابات جديدة، بدا واضحًا شعور كحلون بالإحباط. وسقط كذلك كحلون في فخ نتنياهو فيما يتعلق بصفقة الغاز، مظهرًا ندمًا واعتذارًا على تخييبه أمل الكثيرين.
ختامًا، يدرك بنيامين نتنياهو أنه الخيار الأفضل لليكود حاليًا، حيث أنه المرشح الأبرز يمينيًا، والذي يستطيع أن يقود الليكود لأكبر عدد ممكن من المقاعد، إضافة إلى قدرته على إقناع الأحزاب اليمينية الأخرى بدخول أي حكومة ائتلافية بقيادة الليكود، من هنا استغل بنيامين نتنياهو حاجة الليكود الماسة لوجوده رئيسًا للحزب، فعمل كل ما بوسعه من أجل الإطاحة بالأقطاب الليكودية البارزة، كجدعون ساعر وموشيه كحلون، لينفرد بالزعامة وحيدًا دون وجود شخصيات كاريزمية قد تؤثر في قراراته.
على المستوى الحكومي، تفاوت تعامل بنيامين نتنياهو مع شركائه، ما بين فرض كامل إرادته على بعضها والخضوع للبعض الآخر. فقد دفع نتنياهو بعض شركائه كحزب كلنا "كولانو" وحزب البيت اليهودي "هبايت هيهودي" إلى الاستسلام لأغلب قراراته، وإن كان بعضها خلافًا للاتفاق الائتلافي، وبطريقة ابتزازية واضحة.
لقد تمكن نتنياهو من تحقيق ذلك لعدة أسباب، منها إدراك نتنياهو، وبناء على استطلاعات الرأي، أن تلك الأحزاب تعي أن انهيار الائتلاف الحكومي ليس في صالحها، إضافة إلى إدراك تلك الأحزاب أن نتنياهو استطاع من خلال سياسته أن يظهر كل مكامن الضعف فيها، كذلك قناعة تلك الأحزاب أن الخيار اليميني لن يكون إلا بوجود الليكود ونتنياهو.
وعلى النقيض من ذلك، لم يستطع نتنياهو أن يفرض مواقفه على الأحزاب الدينية "الحريديم"، حيث أن تلك الأحزاب لا تخشى من فض الائتلاف الحكومي بسبب شعورها بازدياد شعبيتها، واستعدادها للمشاركة في حكومات غير يمينية، وهذا ما استدعى تسيبي ليفني زعيمة حزب الحركة "هتنوعا"، وأفيجدور ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، إلى اتهام نتنياهو بأنه خضع للأحزاب الدينية في عدم نقاش التزام عناصرها بالخدمة العسكرية الإجبارية.
إعداد: عماد أبو عواد - تحرير: عمر أبو عرقوب