لم تناقش الملفات العقائدية الكبرى في القرون الوسطى قواعد استخدام القوة العسكرية إلا في عقيدة رمبام (وهو الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة). وبالمقابل، فإنه خلال العقود الأخيرة، ومنذ إقامة "دولة الاحتلال والجيش الإسرائيلي"؛ استثمرت جهود فكرية كثيرة في وسط صانعي الفكر والعقيدة اليهودية-الأرثوذكسية في “إسرائيل” كمحاولة لمليء الفراغ وتكوين “هلخاه” (التعاليم الدينية) لــ “الجيش والحرب".
يهدف هذا المقال لعرض كافة استراتيجيات التحليل المتبناة على يد كتاب مختلفين في تعبيرهم عن “الآراء التوراتية” فيما يتعلق بالحرب ومعانيها.
وفي هذا السياق يمكن التمييز بين أربعة توجهات مركزية:
- تقوم العقيدة الدينية بتفعيل اعتبارات “فوق-دينية”-منذ أيام التلمود، مما منحها منصبًا خاصًا لتحديد اعتبارات عامة قد تتجاوز التعليمات الدينية القائمة. وتؤثر الاعتبارات الـ “فوق دينية” المتشابهة على القوانين الدينية فيما يتعلق بــ “التصرف الشخصي والعام في أوقات الحرب".
- الحرب بوصفها وضعاً “اعتيادياً”: يعتمد هذا التوجه على الفرضية التي تنص بأنه في المواضيع المتعلقة بالحرب؛ يمكن تطبيق عدّة قواعد دينية التي تطوّرت على مدار العقود في سياقات مختلفة. هذه الطريقة هي الأكثر قبولًا في آدب “الهلخاه” الذي يبحث دومًا عن قاسم مشترك بين أوضاع متوازية لكن غير متشابهة ويبرر تطبيق قواعد تطورت في سياق معين على سياق آخر مختلف عنه.
- الحرب بوصفها وضعاً “خاصاً”: يختلف كليًا التوجه الذي يتعامل مع الحرب على أنها وضع خاص؛ ولذلك بحسب هذا التوجه تعتبر الحرب حدثاً له خواص دينية غير اعتيادية. وبما أن حالات الحرب تسمح-ووفق بعض المفسرين-تفرض القتل والمخاطرة، فإنها أيضًا تسمح بإباحة بعض الممنوعات بشكل مؤقت. وعلى سبيل المثال، السماح بالقتال في يوم السبت لا ينبع من اعتبارات “إنقاذ الأرواح” إنما من الأخذ بعين الاعتبار الطابع الخاص للمواجهة المسلحة. وقياساً على ذلك، تعطي هذه الرؤية في نسختها المتطرّفة؛ قاعدة للنظر إلى حروب “إسرائيل” على أنها تلبية لأوامر دينية مستقلة، وليست تعبيراً عن الدفاع عن النفس أو حرب مقدسة.
- تبنّي قواعد خارجية عن الهلخاة: يعترف هذا التوجّه بأن الهلخاه التقليدية تنقصها القواعد المطلوبة من أجل توفير حلول لجميع التحديات التي تقف أمام الجندي العصري. وفق هذا التوجه، تبدو الهلخاه تمارين فكرية-لا يهم مدى روعتها-غير قادرة على ملء الفراغ الذي يحدث نتيجة لآلاف السنين من القطيعة التي لم يتم التعامل خلالها مع مواضيع عسكرية. الحل المعروض حسب روّاد هذا التوجه هو تبني قرارات خبراء عسكريين في حالات معينة، بما فيهم الخبراء غير اليهود.
وهنا يذكر أنه في هذه الأيام يُستخدم هذا التوجه كثيرًا، ويُقحم عادات دولية داخل الأطر العقائدية التي تُلزم المحارب اليهودي.
ومن الجدير بالذكر أن التعامل بين التوجهات الأربعة لم ينته. فعلى ضوء الزيادة التي طرأت في عدد مرتدي “الكيبا” (القلنسوة) المخيّطة في صفوف وحدات قتالية وفي أدوار قيادية بالجيش الاسرائيلي، نرى أن نتائج هذا التعامل قد تؤثر كثيرًا على التصرف العسكري لدولة “إسرائيل” في المستقبل.
هذا المقال مترجم بتصرف وقد نشر سابقا على موقع "العساس"