في صفحتها الأولى، نشرت صحيفة القدس الفلسطينية، في عددها الصادر، أمس الثلاثاء، تهنئة للرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمدالله، مقدمة من وزير التربية والتعليم صبري صيدم، أما المناسبة، فهي فوز المعلمة حنان الحروب بلقب "أفضل معلم في العالم لعام 2016" إلى جانب الجائزة المالية وقدرها مليون دولار.
منذ مساء الأحد الماضي، إلى هذه اللحظة، ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي، تتناقل وتتبادل خبر فوز المربية حنان الحروب بهذا اللقب، من وسائل إعلام محلية وعربية ودولية وحتى من صحافة الأعداء، أو الإسرائيليين في رواية أخرى.
كل من المهنئين رأى في حنان نفسه، فالنساء اعتبرنه فوزًا للمرأة ونجاحًا لها، وحتى رجال كثيرون تبادلوا الخبر على أنه دليل انتصار المرأة رغم كل معيقات المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه، فيما رأى أبناء مخيمات في فوزها فوزًا لهم، إذ هي ابنة مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين (بيت لحم)، ومديرية تعليم محافظتي رام الله والبيرة رأت في نجاحها نجاحًا لهذه المديرية، حيث تدرس في إحدى المدارس التابعة لها، أما طلبة وخريجي/ات جامعة القدس المفتوحة، فاعتبروه أيضًا فوزًا لهم، لأن حنان كانت يومًا إحدى طالبات هذه الجامعة، التي تتعرض للتقليل من شأن منهجها التعليمي في أحاديث يومية عديدة، والفلسطينيون بشكل عام اعتبروه فوزًا لفلسطين، خاصة أن حنان أعربت عن هذا الشيء في خطابها، بتأكيدها على فلسطينيتها ورسالة المعلم الفلسطيني أساسًا ومرجعًا، كما أن عربًا اعتبروا فوزها نصرًا للعروبة، خصوصًا أنها نافست معلمين/ات من مختلف دول العالم، ونأتي أخيرًا للمعلمين/ات، وربما هم الفئة الأكثر حساسية، خاصّة أنهم ليسوا راضين جميعًا عن الاتفاق الذي أنهى إضرابهم بأمر من الرئيس عباس، وكانوا استمروا 30 يومًا في الإضراب والاعتصامات وحشد الرأي العام لصالح قضيتهم وتلبية حقوقهم المهضومة من قبل الحكومة من جهة واتحاد المعليمن من جهة أخرى، ورأوا في حنان إثباتًا وثباتًا على موقفهم بأنهم الفئة التي تعمل الكثير وتقابل بأقل مما تستحق.
لا داعي لإعادة سلسلة الأحداث والاعتصامات بالآلاف التي كانت تتمركز بجانب مبنى مجلس الوزراء في رام الله، حيث يكفينا استرجاع عشرات الصور والفيديوهات من الذاكرة، كما لا داعي لذكر تدخّلات الأطراف الرسمية بدءًا من الوزير صبري صيدم وانتهاءً برئيس الحكومة رام الحمدالله، التي كانت إما هروبًا من الباب الخلفي للقضية والمواربة حول مطالب المعلّمين، الذين تعرض العشرات منهم للتوقيف عند حواجز الأمن الفلسطيني لمنعهم من الوصول إلى مكان الاعتصام المركزي في يوم ثلاثاء لا يُنسى في تاريخ فلسطين، وتعرض بعضهم للاعتقال والمساءلة أيضًا لأنه طالب فقط بحقه في عيش كريم، وشعاره الوحيد الواضح #كرامة_المعلم، ولا داعي لذكر الاتهامات التي سيقت للمعلمين باعتبارهم يعبرون عن فئة سياسية لا اجتماعية، وغير ذلك مكن الأمور.
فقط ما يجدر ذكره وسؤاله، تكرار السؤال الذي حيّر الكثيرين في "فيسبوك" سابقًا، "من هو الشخص العبقري الذي يقف وراء فكرة حواجز الأمن في وجه المعلمين؟" ولكن بتصرّف "من هو العبقري صاحب فكرة التهنئة للرئيس ورئيس الوزراء بفوز حنان؟".
هذه التهنئة، كما رآها بعض الفيسبوكيين، لا تثير سوى "الضحك" ثم بعد قليل "الاشمئزاز" من المستوى الذي وصلت وتصل إليه قياداتنا "العتيدة"، التي وقفت قبل أكثر من أسبوع مثل الرجل الذي وقف "خلف عمر سليمان" واكتفت بهز الرأس والابتسام أمام قرار الرئيس بإنهاء الإضراب، نعم ربما هكذا تُقاس نجاحات وإنجازات الحكومة في تطوير المسيرة التعليمية!
ولا ننسى جميعًا أننا حين شاهدنا حنان وقرأنا عنها، أدركنا أن تجربتها شخصية بامتياز، لا تمثل إلا نفسها، واحتيالها على الأسى لتُنتج الأمل، وتُربّيه، ويترعرع في عيون الأطفال المعنّفين من ممارسات الاحتلال اليومية، الذين هم فخورون الآن بمعلمتهم وهي تكبر بهم وبابتساماتهم أمامها، حين يتخلّصون لحظة تلو أخرى في صفوفها، من مشاعر الحزن والإحباط.