الخليل – خاص قُدس الإخبارية: كانت كلزار دائما ما تؤجل اختيار تخصصها في الجامعة عند سؤالها عنه، وتقول لأمها: "لسا يا إمي، لبعدين بفكر".. لكنها فكرت بمنحى وطريق آخر، وهو طريق الشهادة المزين بالدماء الزكية إلى الجنة.
كلزار العويوي (17 عاما) من الخليل، لم يمنعها جسدها الضعيف والنحيل الذي لم يكن يمكنها من رفع الأشياء الثقيلة في البيت، أو طفولتها التي ما زالت تعيشها وتعبر عنها برسوماتها الطفولية، أو عدم معرفتها بالطريق المؤدي إلى الحرم الإبراهيمي، كما لم تمنعها حواجز الاحتلال المنتشرة بأرجاء البلدة القديمة من الوصول إلى محيط الحرم الإبراهيمي ومحاولة تنفيذ عملية طعن هناك.
واستشهدت كلزار يوم السبت (13/شباط/2016) قرب الحرم الإبراهيمي، حيث أكد شهود عيان أن جنود الاحتلال لم يحاولوا إطلاقا السيطرة على الفتاة واعتقالها، بل عمدوا فورا إلى قتلها وتركها دون علاج، لتكون واحدة من 41 طفلا وطفلة (تحت سن 18 عاما) استشهدوا خلال الانتفاضة التي انطلقت مطلع تشرين أول الماضي، أغلبهم تم إعدامهم بدم بارد.
وتقول شقيقتها التوأم النوار، "كلزار كانت بجسم نحيل وضعيف، صحيح احنا توأم بس هي ما بتشبهني، كانت أقصر وأضعف مني، حتى إنها ما كانت تقدر ترفع طاولة صغيرة أو تحمل كرتونة مليانة أشياء".
ويعزز الأب عبدالحليم العويوي حديث ابنته النوار مبديا استغرابه من أن تكون كلزار استطاعت تنفيذ عملية بالفعل، ويقول، "أنا حتى الآن مش عارف كيف نفذت بنتي العملية وكيف مسكت السكينة، بس متأكد إنه ربنا أعطاها قوة كبيرة وصلتها لمحيط الحرم الإبراهيمي، وقوة كمان لتقدر تمسك السكين وتطعن فيها".
ورغم أن كلزار كتبت في وصيتها مطالبة أمها أن لاتحزن لاستشهادها، إلا أنها لم تستطع إلا البكاء على ابنتها المدللة خلال حديثها عنها، حيث قالت، "كلزار بنت طيبة كتير، رقيقة، محبوبة من الجميع، عمرها ما آذت حدا أو زعلته، ملتزمة جدا بصلاتها وصيامها وقيامها لليل وقراءة القرآن والأدعية، ملتزمة جدا بمواعيدها، عمرها ما تأخرت عن البيت دقيقة وحدة، قد ما احكيلك مش رح أقدر اوصفلك قديش كانت بنت مميزة بكل مجالات حياتها، بالبيت كانت المدللة والمحبوبة، وبالمدرسة كانت البنت الهادئة المتفوقة والخلوقة".
الساعات الأخيرة قبيل استشهاد كلزار لم تحمل أي إشارات إلى أن أمرا غير اعتيادي تنوي الابنة الهادئة على فعله، تقول النوار، "قبل بيوم من استشهادها درسنا أنا وياها كل دراستنا، ويوم السبت كان عندنا تعويض بالمدرسة، هي صحيت صلت الفجر وراجعت دروسها".
فيما تقول أمها، إن كلزار استيقظت مثل أي يوم، ساعدت والدها في أعمال المنزل وقالت، "يما بدي أتحمم وأروح على المدرسة، وسألتني عن أبوها لإنها كانت بدها تودعه متل ما ودعتني".
بعد انتهاء دوامها المدرسي تأخرت كلزار وسبقت وصولها للمنزل أخبار حول ارتقاء شهيدة قرب الحرم الإبراهيمي، أحست الأم بالقلق على ابنتها التي لم تتأخر يوماً في حياتها عن العودة لمنزلها، تدريجيا وصل الخبر للعائلة حيث تعرفت أمها عليها من خلال صورتها على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل ورود اتصال هاتفي لوالدها يؤكد أن ابنته هي الشهيدة التي ارتقت قبل دقائق.
تقول والدتها، "استقبلت خبر استشهاد بنتي بالصبر، ودعوت الله أن يحتسبها شهيدة". فيما يقول والدها، "بعد استلام جثمانها لاحظت أنها أحكمت من لباسها عليها، فقد ثبتت ملابسها وحجابها بشكل جيد لمنع جيد الاحتلال من تعريتها"، مضيفا، "أصريت أن تبيت ليلتها في منزلها بين عائلتها، لتكون ليلتها الأخيرة في منزلها شهيدة".
صباح يوم التشييع زينت كلزار بالورود الملونة على وجهها، وحملت أمها نعشها أثناء تشييعها إلى مثواها الأخير أسوة بوالدة الشهيد عامر أبو عيشة كما تقول، مضيفة، "أنا زوجت أربعة أبناء واعتبرت كلزار عروسة وزينتها بالورد وحملتها وفرحت بعرسها متل فرحي بأعراس أبنائي".