القدس بشكل عام ثكنة عسكرية ....وأحياناً تجد بكل جانب جندي جندي، ناهيك عن الدوريات الراجلة والحواجز الثابتة والطيارة ووحدات المستعربين ورجال الضريبة بمختلف مسمياتهم وشرطة السير؛ ولكن كل ذلك يعتبر نقطة في بحر من الحشود التي تجدها في منطقة باب العامود- بوابة دمشق الشهيرة- المدخل الرئيس للبلدة القديمة.
تلك البوابة التي في ساحتها وعلى درجاتها نفذت أكثر من عملية طعن بحق جنود الإحتلال، وأقيمت فيها الكثير من الفعاليات الوطنية الإحتجاجية، ضد سياسات وإجراءات الإحتلال وممارساته القمعية بحق أهلنا وشعبنا ومقدساتنا سواء في مدينة القدس أو في الضفة والقطاع.
الإحتلال نصب الحواجز الحديدية في الساحة، وأبراج المراقبة وعشرات الكاميرات للمراقبة، وقطع الأشجار تحت حجج وذرائع أنها تحجب الرؤيا عن جنوده وشرطته ضد من يستهدفونهم بعملية طعن أو إلقاء زجاجة حارقة أو إطلاق نار أو ضرب حجارة من الشبان الفلسطينيين، وكذلك كثف الإحتلال من وجوده الأمني والعسكري والإستخباري والمخابراتي في تلك المنطقة، وهذا الوجود المكثف ليس فقط من أجل التنغيص على الأهالي بالقدس في كل مناحي وشوؤن حياتهم،ومنع وصولهم هم وأهلنا في الداخل المحتل 48، للبلدة القديمة والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة
لقد أصبح منطقة ممنوع الجلوس فيها او على درجاتها، حيث يجري تحرير مخالفة لكل من يجلس هناك يشرب القهوة أو حتى يدخن أو يمارس هواية التمعن في حركة الناس والبلد بمئات الشواقل، والأخطر من ذلك بان كل الشبان والفتيات الفلسطينيات أصبحوا قنابل موقوته أو مشروع منفذ لعملية طعن لجنود الإحتلال ومستوطنيه، فأي حركة كإخراج اليد من الجيب أو مجرد فتح طالب مدرسة لحقيبته المدرسية معرض لإطلاق النار عليه والإعدام الميداني،والسكينة جاهزة لكي توضع جنبه،والتصريح المفبرك والروتيني عن شرطة الإحتلال جاهز ومعد سلفاً.
"تم تحييد شاب أو فتاة فلسطيني/ة حاول/ت طعن جندي/جنود، أو شرطي أو شرطة من حرس الحدود، والتحييد المقصود هنا القيام بإعدامه ميدانياً، ولعل الجميع شاهد كيف تمت عملية الإعدام الميداني للشهيد محمد أبو خلف في ساحة باب العامود، فرغم استشهاده استمر جنود الإحتلال بإطلاق النار على جسده المسجى، لتخترقه أكثر من خمسين رصاصة.
الإحتلال المربكة حكومته، وهذا المجتمع الإسرائيلي الداخل في أزمة عميقة وحالة من الهوس والهستيريا، والتي وصلت تصور جنود الإحتلال ومستوطنيه، بأن ظل الواحد منهم يحمل سكيناً، يدركان تماماً بأن هذه الإنتفاضة الشعبية، رغم كل أشكال العقوبات والقمع التي اتبعوها من أجل وأدها وإطفاء جذوتها لم تفلح في تحقيق هذا الهدف، وأنهم بقيامهم بعمليات التفتيش المذلة والمهينة للشباب والفتيات بطريقة ماسة بالأخلاق والكرامة الإنسانية والخادشة للحياء والمستفزة لكل من له كرامة أو نخوة، قد يستطيعون من خلالها أن يكسروا إرادة هؤلاء الشبان والفتيات، ويبثون الذعر والخوف في قلوبهم
كما يخيل إليهم أن هذه الأساليب الهمجية والوحشية، قد تدفع بأهاليهم للضغط عليهم، من أجل عدم الذهاب إلى منطقة بوابة دمشق، أو الدخول للبلدة القديمة، المستهدفة هي الأخرى بمثل هذه العقوبات والجرائم، من خلال إعاقة وتقييد وصول الناس اليها، وبما يشل الحركة التجارية والإقتصادية في البلدة القديمة، ويدفع بالتجار إلى هجرتها ونقل مركز حياتهم إلى خارج مدينة القدس، فالهدف هنا هو تطهير عرقي وتفريغ البلدة القديمة، بما يمكن من تنفيذ مخططات تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً توطئة لإقامة الهيكل المزعوم مكانه.
في القدس نحن أمام حرب شاملة تشن علينا تشترك فيها كل أجهزة الإحتلال ومستوياته وأذرعه وطواقمه المدنية والعسكرية والأمنية، يضاف لهم مجموعات المستوطنين وجمعياتهم التوراتية والتلمودية والتهودية بمسمياتها المختلفة، العنوان والهدف واحد الطرد والترحيل القسري والإقتلاع.
لكن كل هذه العقوبات الجماعية والقرارات والتشريعات والقوانين العنصرية، والمشبعة بالحقد والكراهية لكل ما هو فلسطيني، والتي تتم أغلبها وفق قوانين الطوارىء البريطانية، فشلت في تحقيق هذه الأهداف؛ ولذلك بدأت حكومة الإحتلال ومراكز بحثها القومي والتفكير الإستراتيجي، والعديد من المركبات والمكونات الحزبية والسياسية، بمن فيهم قادة أمنيين وعسكريين وسياسيين سابقين، في البحث عن خيارات من شأنها تخليصهم من أكبر عدد ممكن من السكان المقدسيين، عبر خطط ومشاريع الإنفصال آحادية الجانب بمعزل عن أهل المدينة وقيادتهم السياسية، خطط ومشاريع جوبه بالفرض من قوى اليمين المتطرف، لأن ذلك يعني تقسيم للقدس، وكيف تقسم من أسموها عاصمتهم الأبدية، فهذه هزيمة وتنازل مجاني لـ"الإرهابيين" قوى المقاومة الفلسطينية.
ولكن، تواصل الإنتفاضة الشعبية وتصاعدها وتطورها وإمتداد تأثيراتها ومفاعيلها لكل الجغرافيا الفلسطينية، جعل قادة الإحتلال يعيدون حساباتهم، فها هو حزب العمل الصهيوني بقيادة هرتسوغ يقر خطة الإنفصال آحادي الجانب عن الفلسطينيين، بما في ذلك فلسطيني القدس، وكذلك الوزير وعضو الكنيست السابق حاييم رمون، ومعه عدد من القادة الأمنيين والعسكريين والسياسيين السابقين، مثل مائير شطريت وعامي إيلون واريه عميت وغيرهم، طرحوا ما يسمى بخطة "إنقاذ يهودية القدس" عبر التخلي عن 28 قرية مقدسية، وبما يغير بشكل جوهري في الواقع الديمغرافي، بحيث تصبح نسبة وجود العرب فقط 12% بدلاً من 38%، وهذه الخطة والوصفة، لا تعني الإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، أو الإنسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، بل هي خطة تقوم على أساس التطهير العرقي وتهويد المدينة وأسرلتها، ومنع تحول القدس إلى مدينة ذات أغلبية فلسطينية، وكذلك عدم تحول دولة الإحتلال إلى دولة ثنائية القومية.
كلما أمعن المحتل في قمع شعبنا وفي سياسة إذلاله والتنكر لحقوقه، وكلما زاد من عقوباته الجماعية وعمليات الإعدام الميداني، كلما صب النار على الزيت، وتصاعد لهيب الإنتفاضة، فالحلول الأمنية والرهان على أن العربي فقط يخضع بالقوة، أو أن تحسين شروط وظروف حياته الإقتصادية كفيلة بأن تجعله يهدأ لا أظن أنها ستنجح، فهذا اللهيب الإنتفاضي يتصاعد ويتجذر، ويقول للمحتل أن الحل فقط يكمن بالإعتراف بحقوق شعبنا، وتمكينه من العيش بحرية وكرامة كباقي الشعوب بعيداً عن المحتل الذي عليه أن يرحل.