رام الله – خاص قُدس الإخبارية: تفوح رائحة القرفة معلنة حضور مولودة جديدة لمنزل الأسير أحمد حامد، فقد أطلت "بُشرى" على العائلة، وملأت المنزل الهادئ باللونين الزهري والأبيض إيذانا بانكسار اللون القاتم الذي سيطر عليه منذ اعتقال صاحبه.
ففي بلدة سلواد شرق رام الله، تقدم الأسر التي ترزق بمولود جديد مشروب القرفة المزين بالجوز للمهنئين، وتبقى رائحته تعبق المكان؛ إلا أن هذه الرائحة لم تنبعث في منزل الأسير أحمد سابقا سوى مرة واحدة إثر قدوم براء، وها هي الآن تملأ زواياه للمرة الثانية بعد نجاحه في تهريب نطفة من داخل سجون الاحتلال.
أحمد داوود حامد اعتقل عام 2003، تاركا خلفة زوجته ايناس حامد وطفله براء الذي كان يبلغ حينها أربعة أشهر فقط، ثم حكم عليه الاحتلال بالسجن لثلاثة مؤبدات بعد تثبيت اتهامه بالمشاركة في خلية من بلدة سلواد نفذت عمليات عسكرية ضد جنود الاحتلال.
(12 عاما) مريرا مرت على الأسرة الصغيرة التي كابدت ظلم الاحتلال واعتداءاته المتواصلة عليها، قبل أن تكبر بعضو جديد يوم الأحد (7/شباط)، "وهبنا الله مولودة جديدة عن طريق النطف المهربة أسميناها بُشرى عسى أن تكون بشرى طيبة للأسرى في سجون الاحتلال"، تقول ايناس لـ قُدس الإخبارية.
فمنذ إعلان الأسرى عن مشروع تحديهم الجديد للاحتلال بتهريب النطف، بدأت الفكرة تراود الأسير أحمد وزوجته. وتقول ايناس، "أحمد كان مصمما على أن يرزق بطفل جديد إلى جانب براء، فيما كان اتخاذ القرار بالنسبة لي صعبا وبحاجة لتفكير ودراسة، فالقرار ليس بالسهل، هو صعب جدا .. لكن تحديا للاحتلال وإرضاءً لزوجي، قررت أن نكمل هذه الخطوة لنضيف لمسة جديدة على حياتنا".
وكان للأسير أحمد محاولة سابقة في تهريب النطقة لهذا الهدف لكن لم يكتب لها النجاح، غير أنه أعاد الكرة بعد أشهر قليلة، وبدأت بعد ذلك ايناس في خوض التجربة وحيدة.. تجربة زراعة النطفة، ثم الحمل لتسعة أشهر، فالولادة، وتعلق، "مراحل الزراعة، وتلقي العلاج وأخذ الادوية ومراجعة الأطباء كان أمرا صعبا".
وتضيف ايناس، "المرأة في هذه المرحلة تكون نفسيتها في حالة صعبة وبحاجة لزوج يقف معها ويدعمها، إلا أن زوجة الأسير تكون هي المشجعة لزوجها وعائلتها، وتسعى لاقناع المجتمع المحيط وهي ذاتها تحاول الاقتناع بهذه الفكرة"، مؤكدة أن دعم عائلتها وعائلة زوجها هو ما خفف عنها وشجعها على الاستمرار.
وتتابع، "كنت متخوفة من نظرة المجتمع، وخاصة أن بلدة سلواد هي بلدة محافظة، وهذه المرة الأولى لأسير من البلدة يقوم بتهريب النطف .. إلا أن أهالي البلدة كانوا مشجعين منذ نجاح الحمل، وشعرت أنهم سعيدين أكثر مني".
وبدأت ايناس بمحاولات اقناع نجلها براء بتقبل حضور شقيق جديد، "براء كان يقول لي دائما، أنا تربيت بدون أب فلا أريد أن يأتي طفل جديد ويتربى أيضا بدون أبي ... هذه الكلمة كانت دائما توقفني وتجعلني أفكر أكثر، فبراء هو من خاض التجربة". لكن براء تقبل وجود شقيقته منذ حضورها للحياة، كما بات يتحمل المسؤولية، ويشعر أن تغيرا جميلا حصل للعائلة.
وعن شهور الحمل التسعة وكيف مرت بها، تقول ايناس، "مراحل الحمل بدون وجود الزوج صعب جدا، ومسؤولية اتخاذ أي قرار أيضا صعب... اختيار المشفى المناسب، شراء تجهيزات المولود الجديد كلها كانت على عاتقي، كان يجب أن أقوم بدور الأم والأب حتى آخر لحظة".
"تجربتي في انجاب براء، كانت مختلفة تماما عن هذه التجربة، لم أشعر بها ومرت بسرعة، فأنا وزوجي كنا نتقاسم المسؤولية"، تضيف ايناس التي لم يكتف الاحتلال باعتقال زوجها فقط، بل حرمها من الزيارة واكتفى بمنحها تصريحا لزيارة يتيمة في العام.
وتبين ايناس، أنها تتواصل مع زوجها أحمد عبر الرسائل والمحامين، وتؤكد صعوبة ذلك بعد أن كانت سابقا قد اعتادت على زيارته مرة كل أسبوعين وهو ما كانت تعتبره حينها "نصف فرج" وهي تحرم منه اليوم، وتضيف، "بعد الولادة، أتمنى كثيرا لو أستطيع إخباره كل التفاصيل وكل المعلومات، ليكون مدركا وعلى علم بها جميعها".
قدوم بُشرى قلب حياة الأسرة وغير من نفسيتها، فتروي ايناس أنها تشعر بأجواء من الاحتفالات حولها بحضور المهنئين واحتفالهم، "بشرى أعطتنا الأمل والتفاؤل.. فالأسير الذي يستطيع تهريب نطفة ثم يرزق بطفلة يستطيع نيل حريته قريبا".
وتوضح ايناس، أن الأسر لم يوقف حياة زوجها أحمد يوما ولا يثبته حضور بشرى فقط، بل ما حصل عليها من شهادات دراسية رغم اعتقاله، مبينة، أنه التحق بكلية الأمة ودرس فقه الدعاء ثم التحق بها مجددا ودرس خدمة اجتماعية، ليحصل على درجة الدبلوم في تخصصين.
ويسعى أحمد حامد لاستثمار كل دقيقة من وقته داخل السجون، فلم يتكف بدرجات الدبلوم التي نالها، فقد التحق حديثا بجامعة القدس المفتوحة لدراسة بكالوريس الخدمة الاجتماعية، كما التحق بجامعة الأقصى في غزة لدراسة تخصص التاريخ، وتقول ايناس، "يسعى الأسير أحمد ليكون متميزا بين الأسرى، يحرص على إعطاء دورات للأسرى، كما هو أيضا يشارك بالدورات التي ينظمها الأسرى الآخرين".
بُشرى وبراء لن يكملا حياتهما دون والديهما، فالأمل لا يبارح ايناس بأن زوجها ورغم حكم الاحتلال الصعب سينال قريبا حريته وسيشاطرها مجددا مسؤولية ومتعة تربية طفليهما.. تقول ايناس، "ثقتنا بالمقاومة عالية جدا، ونعلم أن الأسرى سيتحررون يوما ما، فكل هذه الأرقام والاحكام التي يضعها الاحتلال لأسرنا، ليست سوى بدفاترهم".