شبكة قدس الإخبارية

حكاية "السلطة البوليسية" والمعلمين!

أحمد يوسف

حتى منتصف ليلة الأربعاء؛ كنت غير قادر على تحديد موقفي كمواطن وصحفي من حراك المعلمين المحتجين على الاتحاد العام للمعلمين والحكومة، فغياب قيادة محددة وممثلين ومتحدثين وكذلك الاختلاف المحدود بين طبيعة الخطوات الاحتجاجية كان يشير إلى أن "الطاسة ضائعة"، وأن الطلاب والحركة التعليمية سيدفعون ثمنا باهظا لخلاف تبدو معالمه غير واضحة.. لكن كان هذا حتى منتصف الليلة الماضية فقط.

فقبيل منتصف الليل، بدأت الأنباء تصدر تباعا عن اعتقالات واستدعاءات في صفوف المعلمين بمختلف محافظات الضفة، بدا الأمر مريبا بحق، وتبين مع حلول الصباح أن ما حدث ليلا كان فاتحة لحملة واسعة ضد المعلمين، عنوانها "القمع". ومنذ الصباح اسأل نفسي: "ما شأن الأجهزة الأمنية؟!".

كصحفيين اعتدنا دائما على أن يكون للأجهزة الأمنية حضورها القمعي عند أغلب محاولات التعبير عن الرأي والنقد من قبلنا، وحتى الآن ما زلنا نسأل: "ما شأن الأجهزة الأمنية؟!".. لكن حتى في هذه الحالة يبدو الأمر طبيعيا عندما نتحدث عن الأمر هنا في بلد عربي، لكن ما لا يجب أن يكون طبيعيا أو يمر بشكل طبيعي هو هذا الاعتداء على المعلمين، على غرار ما حدث سابقا مع نقابة الموظفين الحكوميين، عندما تم تمرير الأمر على أنه قانوني، بحق النقابة التي مازال حتى الآن الخلاف على شرعية وجودها قائما.

لكن في حالة المعلمين فالأمر يختلف، هنا لا يصح أن يتم "ترويض" المعلمين الخارجين على الاتحاد بهذه الطريقة، لا يجوز أن يهان معلم ويعتقل لأنه قال "لا" للاتحاد الذي يفترض أنه يمثله، أو للاتفاق الموقع بين الحكومة وهذا الاتحاد. نذكر هنا أن حملة الأمن في صفوف المعلمين جاءت تزامنا مع إعلان هيئة الكتل البرلمانية عن تدخلها لدى جميع الأطراف لإنهاء الأزمة، ما يعني أن حملة الأمن تمثل صفعة لهذه الكتل أيضا.

ثم ما الذي أرادته الأجهزة الأمنية من حملة تطال عشرات المعلمين من أصل آلاف المعلمين المحتجين؟؟ تخويف البقية مثلا؟! قد يكون كافيا أن نشير هنا إلى عدد من المعلمين الذين تقدموا باستقالاتهم من عضوية الاتحاد اليوم ردا على هذه الحملة، ما يعني أن رقعة الاحتجاج تتزايد لا تنحسر.

أو أنها أرادت مثلا قمع الحراك بالسيطرة على من تظن أنهم يحركونه؟! سيكفي هنا أن أشير إلى أننا كصحفيين وجدنا صعوبة في الوصول إلى من يدعي أنه يمثل المعلمين المضربين ويتحدث باسمهم، إذن فالحراك هنا ليس مقيدا بأشخاص، ولا مسيسا كما قالت الحكومة في اجتماعها أمس.. الحراك جاء عفويا والمطلوب السيطرة عليه بإنهاء أصل المشكلة التي تمس الجهاز الأكثر أهمية في البلاد، والذي يؤثر المساس به على الشريحة الأوسع، كوننا نتحدث هنا عن المعلمين والطلاب معا.

يجب أن نتذكر أيضا أن أحد ملامح الخطورة الشديدة في حملة الأجهزة الأمنية الأخيرة، أنها تجعل التطاول على المعلمين والتنكيل بهم أمرا طبيعيا، فسواء تعرض المعلمون المعتقلون للتنكيل خلال اعتقالهم أو لم يتعرضوا، فإن مجرد اعتقال معلم تحت جنح الظلام والزج به في السجن يمثل إهانة لمكانة المعلم وصورته أمام عائلته وطلابه والمجتمع بأكمله، خاصة أن هذا يحدث في وقت تدعو فيه مؤسسات دولية دولة الاحتلال لإنهاء الاعتقالات الليلية التي تنفذها بحق الفلسطينيين!

ومرة أخرى نسأل: "ما شأن الأجهزة الأمنية؟!".. لقد هددت الحكومة بمعاقبة المعلمين المحتجين من خلال رواتبهم، وخطوة مثل هذه كانت ستدفعنا للتوقف طويلا والتساؤل عن جدوى ذلك وعن نتائجه السلبية، لكن حينها قد تجد الحكومة على الأقل من يبرر خطوتها هذه أو يجد لها مخرجا من الناحية القانونية. أما الآن؛ فكيف للحكومة أن تبرر هذا الاعتداء الخطير على المعلمين والقانون معا؟! ألم تسأل نفسها كيف للمعلم أن يتحدث بعد الآن لطلابه عن الحرية؟! الحضارة؟! الثقافة؟! الحوار؟! الوطن؟!.

على الأغلب؛ ستفشل المحاولة في قمع المعلمين وحراكهم، لكن حتى لو نجحت.. هل يسر الحكومة أن يكون المعلم مقموعا؟! أذكر أن مسؤولا في وزارة التربية أجابني في حوار صحفي عن سؤال حول منع الضرب في المدارس قائلا: "نحن نريد جيلا يقاد ولا يساق".. جميل جدا! لكن ماذا عن المعلم؟! هل تريدون معلما يُساق؟!.