مخيم قلنديا – خاص قُدس الإخبارية: قائمة من أسماء الشهداء كتبها باللون الأبيض على مرآته ليراها كلما فتح خزانة ملابسه، وكلما وقف أمامها صباحا ليصفف شعره ويعدل ياقة قميصه، وبين هذه الأسماء كتب اسمه!
وحتى يبقى الشهداء حاضرون معه كيفما استدار، علق حسين أبو غوش (17 عاما) صورهم على جدران غرفته وخزانته، كما علق صورة كبيرة لمجموعة شهداء وسط منزله الكائن في مخيم قلنديا، وألصق صور أخرى على بابه وفي الطريق إليه.
واليوم تجد صورة حسين معلقة بجانب صور الشهداء الذين كان قريبا منهم، وأصبح الآن أقرب بعد ارتقائه شهيدا وصديقه ابراهيم علان إثر تنفيذها عملية طعن بتاريخ 25/كانون ثاني الماضي في مستوطنة "بيت حورون" المقامة غرب رام الله.
ميس أبو غوش شقيقة حسين والأقرب عليه، كانت آخر من رآه قبل استشهاده، حيث أوصاها أن توقظه باكرا في ذلك اليوم، لكنه استيقظ قبل أن توقظه وعاتبها على تأخيرها، فكما أخبر العائلة أنه ورغم الأجواء الباردة سيذهب لصيد النيص برفقة صديقة ابراهيم في قرية بيت عور، "تأخر في العودة للمنزل، فبدأنا بالاتصال عليه إلا أن هاتفه كان مغلقا، ليبث خبر استشهاده بعد قليل على التلفاز"، تقول ميس لـ قُدس الإخبارية.
لطالما راود العائلة حدس بأن مكروها ما سيحل بنجلها حسين على يد الاحتلال، خاصة أنه أصيب إصابتان إحداهما كانت خطيرة خلال مشاركته في التصدي لاقتحامات المخيم، إضافة لتهديدات مخابرات الاحتلال والاستدعاءات المتكررة له، وملاحقته بمكالمات تهديد بشكل دائم، تقول ميس "كان حسين شجاعا جدا، لا يقبل الذل ولا يقبل أن يهينه أحد، كما كانت تستفزه الأخبار التي تتحدث عن اعتداءات الاحتلال واقتحاماتهم".
وتضيف ميس، "كنا نرى الحزن في عينيه، فهو يريد فعل شيء لكنه غير قادر، كان يبكي الشهداء، وخاصة صديقه الشهيد ليث الشوعاني وأحمد جحاجحة". حالة من الحداد والحزن كان يفرضها حسين على أسرته بعد اعلان استشهاد أحد من المخيم، تتابع ميس، "كان يفرض علينا أن نعيش حزن أهالي الشهداء".
لم يكمل حسين تعليمه المدرسي، وتوجه إلى التدريب المهني حيث تعلم تصليح الأجهزة الالكترونية، ثم تدرب لدى أحد أصدقائه في صالون للحلاقة، وتسلم إدارته بعد اعتقال صديقه.
"كان كريما وحنونا مع الكل، كان يحب الأطفال ويحب أن يطعمهم"، تقول ميس، فاستشهاده أحزن أطفال عائلته وحيه في المخيم، وهو ما تلمسه لدى دخولك بيته حيث تستقبلك مجموعة من الطفلات يحملن صور الشهيد بقلادة في أعناقهن، تقول إحداهن، "كنا نحبه وهو يحبنا كمان، كان يلاعبنا في الثلج، وفي العيد يعطينا عيدية".
قبل يومين من استشهاده أحضر حسين مفاجأة لأشقائه، كانت عبارة عن كيس كبير من الحلوى، "أيقظني وأخبرني عن مفاجأة ركضت لغرفته، لأجد كيس كبير من الشوكلاتا، أكلنا وانبسطنا سوى"، لتكون المرة الأخيرة التي تحتضن ميس شقيقها وتقبله.
عام واحد يفصل حسين عن شقيقته ميس، وقد جمعتهما طفولة مليئة بالشقاوة والخلافات، وما إن نضجا حتى أصبحا الأقرب لبعضهما، "كان يزورني في غرفتي، نشرب شاي سوى ونفضفض لبعضنا، كان أحيانا يعود متأخرا للبيت فأنتظره لأفتح له الباب، وأسخن له الطعام، ثم يوصيني بان أكوي ملابسه وأوقظه باكرا".
بنطلون وكوفية ورثهما حسين عن أحد الشهداء هما كل ما بقي في خزانة ملابسه، فيما لم تجد ميس باقي ملابس شقيقها وأغراضه الخاصة، حيث كان حريصا دائما على إهدائها لأصدقائه، وكان حريصا أكثر قبل استشهاده على توزيع ما بقي لديه.
"معظم ملابسه عندي، كانت أذهب لأسهر عنده وعندما أشعر بالبرد يعطيني أحد قمصانه"، يقول حمودة الشوعاني صديق الشهيدة.
"منذ الصف الأول حتى اليوم، وأنا حسين صديقان لا نفترق، كان يحبه جميع أهالي المخيم كما كان محترما وقلبه طيب جدا فلم يكن يرفض طلبا لأي واحد"، يضيف حمودة الذي ما زال يعاني من صدمة استشهاد شقيقه ليث الشوعاني في تشرين ثاني الماضي.
ويتابع، "كان متأثرا جدا لاستشهاد ليث، كان معظم حديثه عن ليث كان يقول دائما اشتقت لليث وأريد أن أراه هو والشهيد محمود عدوان وحمزة أبو الهيجا وأذهب عندهم، لكننا لم نأخذ كلامه على محمل الجد ولم نتوقع أن ينفذ عملية".
لم يكن حسين يرفض طلبا لأحد، فرغم عمره الصغير إلا أنه عرف في المخيم بحبه لمساعدة الجميع، فيقول عبدالله علقم أحد أصدقائه، "كان قلبه أبيض وكبير، لم يكن يقول لا لأحد، كنت أتدرب معه حلاقة كان يسمحلي لي بأخذ عدة من الصالون واستخدام الصالون في التدريب.. حسين كان أفضل صديق عندي".
قبل أيام من استشهاده أعلن حسين مسامحته لأصدقائه وجيرانه في الديون التي أعطاهم إياها، ويبين صديقه محمد أبو حديد أنه كان يحلق لمعظم الشباب ويسامحهم بأجر الحلاقة، "فلم يهدف يوما لجمع المال" كما يقول صديقه.
"كان وسيبقى بطل بنظرنا"، يقول أصدقاء الشهيد حسين الذي اعتبروه قدوة لهم في حياته لما رأوا منه من أخلاق وكرم، إضافة لروحه الوطنية وتمسكه بالمقاومة، ليصبح الآن الشهيد الحي في قلوبهم وفي أزقة مخيمهم الذي ما زالت جدرانه تحتوي على شعارات خطها وتركها وصية لأبناء جيله والأجيال القادمة.