تفيد الاوضاع التي تمر بها السلطة الان عن وجود صراع عالي الوتيرة بين اجنحة فتح المتصارعة، فقد وصل ابو مازن الى اخر مراحله في رئاسة السلطة، ولقبل اشهر قريبة كان الحديث عن نائب لابو مازن الا ان الصراع الان انتقل الى مستوى اخر، الصراع الان هو على خليفة ابو مازن.
واي متابع للشأن السياسي يستطيع ان يدرك ان ابو مازن فقد الغطاء الامريكي والعربي باكلمه، ووصل مشروعه الى انسداد حقيقي ولا امل ابدا في ضخ اي فرصة اخرى فيه، لذلك ايضا فقد القبول الإسرائيلي له ليتحول الى ايقونة شر عند الاحتلال، في محاولة من الاحتلال الدخول من جديد في مارثون تنازلي جديد يقوده شخص اخر يبدأ من حيث انتهى ابو مازن في تنازله.
الصراع بين اجنحة فتح ليس جديدا على الحركة، لكن وتيرة الصراع ولغته تنبئ بمرحلة جديدة وصلت فيه التوترات حد الاعداد بين تلك الاجنحة لما يشبه الصدام المسلح.
في مثل هذا الظرف ولمحاولة تجنب الصدام الداخلي للحركة والسلطة كان من الضروري حل التناقضات الداخلية عبر ايجاد تناقض جامع يشعر كل تلك الاجنحة بالتهديد، لذلك ارتفع منسوب العداء للاحزاب الاخرى ولشخصيات فلسطينية مستقلة، واخذ التحريض مستويات مرتفعة جدا.
كل ذلك الصراع فعليا لا يهم الاحتلال ابدا ما دام ان قواعد اللعبة لذلك الصراع مفهومة ومقبولة له، وما دام ان التنافس يقوم على من يستطيع ان يقنع الاحتلال وامريكا واوروبا بأنه الاقدر على القيام بالدور الوظيفي للسلطة، وان كان هناك قلق من تحول الصراع هذا الى صراع مسلح بين اجنحة السلطة لانه سيخفف من القبضة الامنية للسلطة على المجتمع الفلسطيني، لتأتي عملية امجد السكري لتقول ان هناك تناقضا رئيسيا لا بد من مواجهته ويتفّه كل تلك الصراعات.
في ظل هذا الظرف المعقد نفذ الشهيد البطل امجد السكري عمليته، ولا نريد ان نغرق في رمزية مكان العملية وما تشكله في الوعي الفلسطيني بقدر ما اننا نريد فهم ابعاد العملية البطولية للشهيد امجد السكري.
لم يكن امجد هو اول عناصر الاجهزة الامنية في هذه الانتفاضة الذي يقوم بعملية عسكرية ضد الاحتلال، فقد سبقه ابطال في هذه الانتفاضة ممن لم يعطوا الدنية في شرفهم العسكري وصانوا الامانة .
كان سؤال الاحتلال مع نهاية انتفاضة الاقصى هو كيف بالامكان الاعتماد على عناصر الاجهزة الامنية الفلسطينية في حماية أمن الاحتلال، ولم يكن السؤال حول الاجهزة بل حول العناصر، فموقف الاجهزة الرسمي (باستثناء جهاز قوات 17) كان يرفض العمل العسكري ولم ينخرط في الانتفاضة، الا ان عناصر الاجهزة وباعداد كبيرة انخرطوا مع شعبهم في الانتفاضة ليقدموا الشهداء والاسرى ويذيقوا الاحتلال ويلات وويلات.
كان جواب هذا السؤال عبر الخطة التي وضعها دايتون في اعادة تشكيل الاجهزة، حيث تم ابعاد عدد كبير من الضباط عنها ممن لهم تاريخ عسكري ونضالي سابق عبر سياسة رعاها فياض، كان السياسة لابعاد هؤلاء ممن لا يأمن العدو جانبهم هي فتح مجال التقاعد براتب تقاعدي كامل، ليتقاعد عدد كبير جدا من ذوي الخبرة العسكرية وممن يحملون حمولة ايديولوجية لها زخمها، وومن يحملون ذاكرة مشبعة بمواقف البطولة والتضحية من المعارك المتتالية في ساحات المواجهة المختلفة.
وكان الرهان على خلق "فلسطيني جديد" ينتمي للمؤسسة العسكرية صُقل وعيه بما يناسب سياسات "بناء الامة" في الخطة الاميركية، وليتم عبر هذا اعادة تأويل عدد كبير من المصطلحات والمفاهيم، وترافق ايضا مع مفهوم "الاحترافية" التي سعوا الى زرعها في وعي هؤلاء العناصر ليفقدوا العسكرية الفلسطينية الثورية اهم عناصرها، الا وهي الجانب السياسي في الشخصية العسكرية، لانه من المفروض ان يكون العسكري في اي ثورة يحمل حمولة ايديولوجية وانخراط بالشأن السياسي قادر على تعويض الفرق في القوة بينه وبين عدوه. لتبدأ بعد هذه الخطوة تسمع خطاب الاجهزة التي تقول "نحن لا نتدخل بالسياسة"، ليصبح الثائر مثل أي عسكري نظامي اخر في هذا العالم، كذلك تم العمل على اعادة صياغة العقيدة العسكرية الفلسطينية وما لم يستطيعوا الغاءه قاموا بتأويله، وقد كان من شروط هذه العملية لاي منتمي جديد للاجهزة ان لا يكون يحمل تاريخ نضالي سابق.
في ظل كل هذه العملية من القصف الذهني المتتالي خرج بعض منتسبي الاجهزة ممن رفضوا هذا، ليكون دليلاً على مناعة اي منظومة، ولتحمل دلالة مهمة اخرى، الا وهي ان اي اداة قمع تحمل في داخلها بذور ثورية ستدفع بالناس الى التمرد.
لم تكن رصاصات امجد لتخترق فقط اجساد جنود العدو فقط، بل جاءت لتستقر ايضا في رأس عملية التنسيق الامني ومشروع دايتون، لتلحق برصاصات سبقتها الى هناك وبرصاصات ستلحقها ايضا.
اليوم امجد يخرق قواعد واصول الصراع بين اطراف السلطة الفلسطينية، وسيتم انكاره واتهامه باتهامات ما انزل الله بها من سلطان، لكن كل هذا لقتل النموذج امام عناصر اخرين في الاجهزة، ولمحاولة اثبات قيادة الاجهزة للاحتلال انهم ما زالوا قادرين على القيام بدورهم الوظيفي وان هذا نموذج شاذ يمكن احتواؤه .