القدس المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: على أملِ اللقاء، خرج علاء أبو جمل من المنزل بعد أن وعد والدته بأن يُحضر لها عند عودته (فلفل وليمون) كما طلبت لإتمام “كبس الزيتون”، لكن لم يكن قد مر على خروجه 10 دقائق حتى أحست بأن “صخرة” حطت على قلبها، وفي الجهة الأخرى اخترقت جسد نجلها عدة رصاصات ليغيب دون عودة حتى اليوم.
استشهد صائما
في الثالث عشر من شهر تشرين الأول، غادر علاء منزله صباحا إلى عمله كما اعتاد، حيث كان يعمل في تركيب خطوط الهواتف في بلدتي عناتا وشعفاط، وبعد أن اتصلت والدته به عدة مرات عاودها باتصال ليسمع ما تريد، فكان أن سمع دعاءها له بالرضا والتساهيل"، دون أن تعلم أن كلماتها هذه آخر ما ستقوله له، حيث ورد اسم ابنها في خبر عاجل على وسائل الإعلام.
وتقول عبير أبو جمل شقيقة الشهيد علاء، "كنت في عملي ورأيت أن البلدة أصبحت تتخبط، وتأتي إليها قوات من الاحتلال، اتصلت بعائلتي أسالهم عن ما يحصل، وقالو لي إنهم لا يعلمون، فتحت موقع فيسبوك بحثا عن الجواب فكانت تلك اللحظة الصادمة التي أوقفت عقلي عن التفكير".
وتضيف عبير لـ قُدس الإخبارية، أن صورة شقيقها علاء كانت أول ما وجدته في وجها عند فتح فيسبوك، لم تكن ملامحه واضحة أول الأمر فاتصلت به للتأكد وحسم الأمر، لكن جميع اتصالاتها كانت بلا إجابة، "رد يا علاء، صرخ بوجهي، احكيلي انك بالشغل بس رد علي" لكن دون مجيب.
اتصلت عبير بوالدها على أمل الحصول على إجابة حاسمة، قالت له إن ما يظهر في الصورة رأس علاء وجسده الذي تحفظ معالمهما جيدا، وحذاءه أيضا، لكن والدها رفض تصديق ذلك، حتى دقت العاشرة والنصف صباحا وجاء الخبر اليقين بأن علاء ارتقى شهيدا.
وأدت العملية التي نفذها علاء لمصرع مستوطن وإصابة عدد آخر، قبل أن يعلن لاحقا عن مقتل أحد المصابين متأثرا بجراحه، حيث يؤكد أصدقاء علاء أن صديقهم كان صائما يوم استشهاده، وقد أحضر لهم الإفطار صباحا وغادر قائلا لهم إنه سيعود، لكن ذلك لم يتحقق حتى هذه اللحظة.
أشبه بالملائكة
وعلاء (33 عاما) أب لثلاثة أبناء أكبرهم خطاب (10 سنوات) ثم عبدالله (7 سنوات) ثم عمر (5 سنوات)، تعلم علاء هندسة الالكترونيات في كلية "اورت" بالقدس، وعمل في هذا المجال مع شركة "بيزك".
وكان علاء لاعبا هاويا لكرة القدم في صغره، ومتابعا مهتما للدوري الأسباني لكرة القدم وعاشقا لنادي برشلونة على وجه التحديد، وهو ما دفعه للسفر إلى ذلك البلد، بالإضافة لسفره للسياحة في اليونان والأردن ثم السعودية لأداء العمرة.
وتقول عبير، إن شقيقها كان هادئا وملتزما بدينه ولم يُسجل له شجار مع أحد طوال حياته، وهو الأصغر بين أشقائه (4 بنات و3 أولاد)، ومحبوبا لهم جميعا، كما اعتاد تحمل مسؤولية العائلة حتى بعد زواجه، حيث اعتاد التردد على المنزل لإحضار ما ينقصه.
والدة علاء تتذكر ابنها الأقرب لقلبها كما تقول، والذي لم يغضبها يوما أو يسبب لها أي حزن، واعتادت أن تأكل الفاكهة من يديه، فدائما ماكان يُلزمها بتذوق الفاكهة من يديه قبل أن يأكلها هو، كما أنه شديد الارتباط بها ودائم الاتصال بها وأول من يسأل عنه عند دخوله المنزل.
[caption id="attachment_83304" align="alignnone" width="255"] والدة الشهيد علاء أبو جمل[/caption]ويحصل أبناء علاء على مساحة واسعة من حياته، وقد اعتاد اصطحابهم كل جمعة للصلاة في المسجد الأقصى، وهو الذي علمهم الوضوء بنفسه مثل ما علمهم كثيرا من تعاليم الدين، وكان يؤمهم باستمرار في كل صلاة.
"وينتا بدهم يسلمونا اياه بكفي 96 يوم، انا بنامش الليل وانا بفكر"، هذه الجملة لا تفارق خطاب ابن العشر سنوات، فيما يردد عبدالله، "مقهورين، متى رح نستلم ابونا"، كما يسأل دائما عن سيارة والده، وهو الذي كان متعلقا به يطارده عند ذهابه للعمل ثم يتسلق سيارته.
الأيام الأخيرة
قبل أسبوع من تنفيذ عمليته؛ هدمت قوات الاحتلال منزل الشهيد غسان ابن عم علاء، الذي كان قد نفذ العام الماضي عملية طعن مع ابن عمه الآخر عدي، وفي ذلك اليوم اعتدى جنود الاحتلال بالضرب على علاء بعد محاولته التصدي لهم، متسببين بكسور في عظام صدره، أخفاها الشهيد عن العائلة حتى اكتشفت ذلك من صور الأشعة التي عثرت عليها لاحقا.
أما ليلة استشهاده؛ فتروي عبير أن علاء سهر مع العائلة في تلك الليلة، شاهد التلفاز وتابع نشرات الأخبار بعد أن طلب ابريقا من اليانسون، دون أن تعلم العائلة أن هذه الجلسة هي الأخيرة، وكذلك شراب اليانسون، وأن ابنها سيكون أحد الأسماء البارزة في هذه الرواية.
وكما هدمت منزل غسان، عادت قوات الاحتلال لارتكاب الجريمة ذاتها في منزل الشهيد علاء، فكانت شعارات تمجيد الشهيد قد ملأت جدرانه، وتقول عبير، "أردنا بهذه الشعارات توديع جدران المنزل الي كان يحضن علاء لسنين، الشعارات تركت بصمة قبل وضع الاسمنت المسلح، وهاي الشعارات تحدي للاحتلال ورسالة انه اهل الشهيد ما راح يركعو مهما عملو ومهما صار".
وتضيف، "هذه الكتابات كانت رسالة لعلاء على الرغم من تواجده في ثلاجات الاحتلال ولكنه لا زال في القلب يرانا ويسمعنا ويبهج قلبه بها .. الحجر مش اغلى من ابننا، روح علاء راحت ومش مهم يروح الحجر".
100 يوم مرت على استشهاد علاء، ومازالت قوات الاحتلال تختطف جثمانه وتخفيه في ثلاجاتها بدرجات متدنية جدا كما أثبتت عمليات التشريح التي أجريت لجثامين الشهداء الذين أفرج الاحتلال عن جثامينهم في الأسابيع الماضية، فيما يوازي تجمد هذه الجثامين تجمد قلوب ذوي الشهداء وهم ينتظرون.
ويقول محامي مؤسسة الضمير محمد محمود، إن سلطات الاحتلال لم تلغ القرار الصادر سابقا بتسليم جثامين شهداء القدس لكنها تماطل في تنفيذه، مضيفا، أن مخابرات الاحتلال لم تحدد حتى الآن شروط تسليم هذه الجثامين.
تجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال مازالت تحتجز جثامين 9 شهداء من القدس بالإضافة لجثمان الشهيد علاء، وهم من جبل المكبر، وبيت حنينا، والقدس القديمة، والعيسوية، وسلوان، أقدمهم الشهيد ثائر عبد السلام أبو غزالة.