شبكة قدس الإخبارية

عماد البرغوثي.. جبل من الإنجازات العالمية أكاديميا وفي فيزياء الفضاء

ديالا الريماوي

رام الله - خاص قُدس الإخبارية: بعد (26 عاما) من البحث وجمع المعلومات والدراسة، استطاع البروفيسور عماد أحمد البرغوثي إنهاء سلسلة بحثية في مجال فيزياء الفضاء، تناول فيها دراسة سلوك أيونات الهيدورجين والأكسجين في فضاء الأرض على ارتفاعات مختلفة، تلك السلسلة البحثية تم نشرها في أهم المجلات العلمية العالمية، ليحقق البرغوثي إنجازا جديدا يضاف إلى قائمة الإنجازات.

عماد البرغوثي (53 عاما) من قرية بيت ريما شمال غرب رام الله، درس حتى الأول ثانوي في مدرسة بني زيد الثانوية للبنين "بشير البرغوثي حاليا"، ثم انتقل للدراسة في مدرسة الأمير حسن في بيرزيت، ومنها إلى مدرسة سيدة البشارة للروم الكاثوليك برام الله.

وبعد إنهاء المرحلة الثانوية بالفرع العلمي بنجاح انتقل البرغوثي إلى الجامعة الأردنية، والتحق بكلية العلوم قسم الفيزياء حصل على درجة البكالوريوس عام 1985، ليلتحق بعدها مباشرة ببرنامج الماجستير لدراسة الفيزياء النووية بنفس الجامعة، وتخرج عام 1988 بعد مناقشة رسالة "تفاعلات الاقتلاع العنقودية النووية".

بعد ذلك قرر البرغوثي إكمال دراسته والحصول على درجة الدكتوراه، فتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتحق بجامعة ولاية يوتا الرسمية، وقرر دراسة فيزياء الفضاء وكانت رسالة البحث دراسة سلوك أيونات الهيدروجين والأكسجين في فضاء الأرض، لينهي دراسته عام 1994.

وفي عام 1989 بدأ إعداد مشروعه الجديد، وهو عبارة عن دراسة سلوك أيونات الهيدروجين والأكسجين في الفضاء على ارتفاعات مختلفة من سطح الأرض تتراوح من 2000 كم فوق سطح الأرض إلى 100 ألف كم، وهذه المنطقة تعتبر مهمة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء، وكان ذلك البحث مقدمة السلسلة البحثية.

وعن سبب اختياره لهذا البحث، قال البرغوثي لـ قُدس الإخبارية، "عندما ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وجدت أن أكثر موضوع حيوي وفيه مجال للإبداع والبحث العلمي والدعم هو فيزياء الفضاء، إذ كان توجهي في البداية نحو الفيزياء النووية، ولكن هناك صعوبة بالغة في الحصول على منحة في هذا المجال".

وأضاف أن كلا من، وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" ووزارة الطاقة، وزارة الدفاع الأمريكية، والمؤسسة الوطنية للبحث العلمي، قدمت الدعم والمساعدة له في مجال دراسته لفيزياء الفضاء.

ويشرح البرغوثي أهمية هذا البحث، مبينا، "إذا أردنا أن نرسل قمرا صناعيا حتى يدور حول كوكب الأرض على ارتفاع 40 ألف كم من سطح الأرض مثلا، فإنه يجب أن يتم تصنيع هذا القمر الصناعي أو المركبة الفضائية بما يتناسب مع البيئة الفضائية".

12417827_827822957343829_3654338630217510567_n

وأوضح أنه يجب قبل أن يتم إطلاق القمر الصناعي أن نعرف ما هي مكونات هذا الفضاء، ودرجة الحرارة، المجال الكهربائي، والمغناطيسي، الأيونات التي تكوّن هذا الفضاء، كثافتها وسرعتها، وكيف تتفاعل مع بعضها، وبالتالي دراسة المنطقة التي سيتم إطلاق القمر الصناعي فيها ضرورية قبل تصنيعه.

وأشار البرغوثي إلى أنه استطاع من خلال تتبعه لسلوك أيونات الهيدروجين والأكسجين من ارتفاع 2000-100 ألف كم من سطح الأرض استنتاج خصائص البيئة الفضائية، والتي تمثل المعلومات الضرورية لتكنولوجيا الفضاء، وشركات تصنيع الأدوات الفضائية.

وفي هذه السلسة البحثية المكونة من 40 بحثا، تطرف البرغوثي في إحدى البحوث إلى دراسة "ما الذي يؤثر على سلوك الأيونات"، ليتوصل إلى نتيجة مفاداها بأن الجاذبية الأرضية هي التي تؤثر، لأن الأيونات لها كتلة وبالتالي تنجذب نحو الأرض، وتتأثر بالمجال المغناطيسي، هذا البحث نشر في أرقى المجلات العالمية.

1009921_827822854010506_1441245155888061888_n

وفي دراسة أخرى تطرق إلى الأيونات باعتبارها جسيمات مشحونة فإنها تتفاعل نتيجة وجود تصادمات كهربائية، وفي دراسة ثالثة بحث موضوع الأيونات التي تتأثر بوجود أمواج كهرومغناطيسية في فضاء الأرض، إذ استمر الباحث في دراسة هذا السلوك وفي كل بحث جديد كان يدخل متغيرا جديدا حتى انتهت كل المتغيرات التي تؤثر على سلوك هذه الأيونات.

"نموذج البرغوثي" يتفوق 

في عام 2008، استطاع البرغوثي أن يبني نموذجا أطلق عليه اسم "نموذج البرغوثي" لدراسة سلوك أيونات الهيدروجين والأكسجين في فضاء الأرض.

وتبين أن النتائج التي حصل عليها خلال دراسته للنموذج اتفقت تماماً مع النتائج التجريبية والمشاهدات بشكل رقمي وكمي عند ارتفاع ( 24 ألف كيلوميتر) من سطح الأرض وفوق منطقة الشفق القطبي (الحلقة الخضراء)، وبشكل كيفيّ مع ارتفاعات متعددة، حيث تفوقت نتائج هذا النموذج على نتائج النموذج الأمريكي (MIT) والألماني (Max Planck).

واستمر الباحث في دراسته على ارتفاعات أكثر، إذ قام بمقارنة نتائج النموذج الحاسوبية مع نتائج وقياسات العديد من المركبات الفضائية منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن.

هذه المركبات الفضائية تحركت في فضاء الأرض على ارتفاعات مختلفة واستطاع البرغوثي الحصول على قياسات سرعة الأيونات، والطاقة الحركية مع هذه الأيونات، درجة الحرارة، المجال الكهربائي، طول الأمواج الكهرومغناطيسي، مقدار المجال الكهربائي والمغناطيسي لهذه الأمواج.

وقال البرغوثي إن المجتمع العلمي قبل هذا النموذج، وفي المستقبل إذا أراد معرفة خاصية من خصائص الفضاء فما عليه إلا أن يقوم بتشغيل نموذج البرغوثي للحصول على المعلومة التي يريد".

وبعد أن ظهرت نتائج "نموذج البرغوثي" عام 2008، قام معهد فيزياء الفضاء السويدي بدعوة البروفيسور البرغوثي، وتم الاتفاق على بناء مشروع مشترك بين السويد وفلسطين، وبدعم من مجلس البحث العلمي السويدي.

نجاح وإنجاز

56 بحثا هي مجموع ما نشره البرغوثي منذ بدء مسيرته العلمية، منها 40 بحثا في مجال فيزياء الفضاء تم نشرها في أرقى المجلات المجلات العالمية العلمية المرموقة والمتخصصة في فيزياء الفضاء، وكلها كانت عبارة عن نتائج جديدة معترف بها عالميا، وتم تحكيمها من قبل الأقران في نفس التخص، كما نشر  16 بحثا في موضوع الثقافة العلمية، التربية والإسلام، العلم، والتراث الفلكي، والفلك.

عقب حصول البرغوثي على شهادة الدكتوراه عمل في وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، ثم غادر إلى الأردن وعمل في جامعة آل البيت، حيث قام بتأسيس معهد للدراسات العليا في الفلك والفضاء، وبعد خمس سنوات انتقل للعمل في السعودية كمستشار في وزارة المعارف، وفي عام 2000 عاد البرغوثي إلى فلسطين.

عيّن البرغوثي في جامعة القدس، وفي عام 2002 تمت ترقيته إلى أستاذ مشارك، وبعد أربع سنوات حصل البرغوثي على درجة البروفيسور، وتقدم في العام الماضي بطلب لإدارة الجامعة للحصول على رتبة علمية جديدة وهي "أستاذ متميز"، إذ ما زال الطلب قيد الدراسة.

وحصل البرغوثي على العديد من الجوائز، منها جائزة عن أفضل بحث علمي ألقي في مؤتمر بولاية كولورادو، وفي عام 2008 حصل على جائزة فلسطين الدولية للتميز والإبداع، كما حصل على جائزة من اتحاد الفلك وعلوم الفضاء العربي عام 2009 وتم تكريمه في الخرطوم.

العقول الفلسطينية مستهدفة

في السادس من كانون الأول العام الماضي، كان من المفترض أن يشارك البرغوثي في مؤتمر عالمي بإمارة الشارقة، بعد أن دعي مع 100 شخصية عالمية لحضور المؤتمر، لكن أثناء مغادرته الضفة الغربية اعتقلته قوات الاحتلال، وأمضى في سجن "عوفر" شهرين تحت بند الاعتقال الإداري.

وقال البرغوثي، إنه كان من الممكن أن يستمر الاحتلال باعتقاله لولا الضغوط التي مورست على سلطات الاحتلال للإفراج عنه، إذ وجه العديد من علماء العالم رسائل قاسية تطالب بالإفراج عنه.

كما بعثت العديد من وكالات الفضاء العالمية سواء الأوروبية والأمريكية رسائل وصلت حد التهديد بقطع العلاقات الأكاديمية مع المؤسسات الإسرائيلية ما لم يتم الإفراج عن البرغوثي.

وأوضح أن الاحتلال يستهدف العقول الفلسطينية في الدرجة الأولى، و"خير دليل على ذلك ما نشهده من إغلاقات واقتحامات للجامعات الفلسطينية، واعتقال الطلبة الجامعيين، ومنع العلماء من السفر".

مشروع جديد

أما عن المشروع المقبل الذي سيبدأ بإعداده ودراسته بعد أن اكتمل بناء السلسلة البحثية، فقد صرّح البرغوثي لـ قُدس الإخبارية عن نيته إعداد بحث لدراسة ظاهرة قديمة جديدة في الرياح الشمسية، إذ تم اكتشاف ظاهرة توزيعات ثنائية القمة في الرياح، وذلك في السبعينيات من القرن الماضي.

وأوضح أن هذه الظاهرة هي عبارة عن أيونات قادمة من الشمس باتجاه الأرض، وحتى الآن لم يستطع أحد أن يفسر سبب وكيفية ظهور هذه التوزيعات ثنائية القمة.

وقال البرغوثي، إنه بعد تعرف المجتمع العلمي على العديد من الأبحاث التي أنجزها ونشرها في موضوع فيزياء الفضاء، قدم له إرشادات ونصائح، إذ أنه بناء على التشكيل العلمي الذي يتمتع به البرغوثي يستطيع بذلك إنجاز البحث وتفسير هذه الظاهرة التي تتشكل في الرياح الشمسية.