شبكة قدس الإخبارية

عندما تقف أوسلو في وجه العاصفة

إياد الرفاعي

ثمان أيام مرت طويلة على قيادة المنظومة الامنية للاحتلال، نشأت ملحم (29 عامًا) ابن بلدة عرعرة في وادي عارة شمالي الأراضي المحتلة عام 1948، أنزل ستار الليل على "تل أبيب" عاصمة الأمن الإسرائيلي كما يزعم الاحتلال، إلا أنها مدينة تعرف الفلسطيني المقاوم جيدًا، فنشأت لم يكن أول من غشّى "تل أبيب" بالخوف، بل خلال حرب الأيام الثمان على قطاع غزة عام 2012، عرفت هذه المدينة جيدًا المقاومان أحمد موسى ومحمد عاضي، المسؤولين عن زرع عبوة ناسفة داخل إحدى الحافلات، مما أسفر عن إصابة 20 إسرائيليًا وقتها.

والتاريخ لا ينسى من سبقهم بالمقاومة في شوارع "تل أبيب" إلا أن السنوات العجاف التي لحقت إنتفاضة الأقصى، أبعدت عن ذهننا قليلًا فكرة إمكانية هز كيان الاحتلال من داخل قلبه، من "تل أبيب".

هذه السنوات نجحت أيضًا بتسويق فكرة موت أوسلو، أوسلو الخطيئة العظمى التي لن يغفرها أي فلسطيني حر لقيادة سقطت أوراقها أمام أول مواجهة مع قوات الاحتلال، فهذا المشهد ليس بعيدًا عما حصل قبل أيام عندما منعت الأجهزة الأمنية نشطاء ينتمون لحركة فتح، ذات الحركة المتحكمة بالسلطة في الضفة المحتل، من الوصول إلى نقاط التماس مع قوات الاحتلال لإحياء ذكرى إنطلاقة الحركة.

عندما تقف أوسلو في وجه العاصفة، يتحتم على أبناء العاصفة العودة خطوة للوراء، لأنهم دائما ما وصفوا أنفسهم بالرصاصة الأولى، والصف الأول من كل مواجهة مع الاحتلال، خطوة واحدة للوراء لتعود فتح للصف الأول، فأحيانًا التقدم أكثر مما يجب عن الصف الأول قد يجعلك تنفصل عن بقية المسيرة، بالحقيقة فتح لم تنفصل عن بقية المسيرة، بينما المسيرة ككل قد إنفصلت عن بعضها، بسبب حالة الإنقسام الفلسطيني الذي تجلت ملامحه عام 2007، ولا نقول هو وليد ذات العام، لأن اي متتبع لتاريخ القضية الفلسطينية سيجدها حافلة بالإنقسامات، وهذا ما يصفه البعض بأنه أمر صحي.

وحسب مفهوم الاختلاف السياسي لدى الباحث الألماني اليهودي في علم الإجتماع الدكتور هربرت ماركيوز، فالاختلاف السياسي في المجتمعات المعاصرة، يعتمد إزالة الفوارق بين القوى المتناقضة في المجتمع، كما يبدو من خلال طرح المسائل على المستوى القومي كمصالح مشتركة بين الطبقات بينما هي في حقيقتها مصالح فئة معينة من الناس، وكذلك التواطؤ بين الطبقة العاملة و رأس المال، والأمثلة كثيرة عن المتـناقصات والمتعارضات التي جرى التوفيق بينها.

وهذا ما حصل في الحالة الفلسطينية عندما جمعت فتح بين الثورة والسلطة، ونجحت بتحقيق إنجازاتٍ على الصعيدين، إلا أنها وصلت اليوم لمرحلة التضارب التام بين السلطة والثورة، فهذا عنصر مكافحة الشغب المنتمي على الأغلب لحركة فتح، يقف اليوم متصديًا لأحد مناصري الحركة المحتفين بذكرى إنطلاقتها، ضمن مسيرة ثورية متجهة إلى حاجز عسكري إسرائيلي لمواجهة جنود الاحتلال المتواجدين عليه.

وهنا أيضا أحد كوادر الشبيبة الطلابية الفتحاوية، ينشر بيانًا ينعى فيه الشهيد نشات ملحم، في الوقت الذي شطبت وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية، اسم الشهيد من ضمن قائمة الشهداء، وتبريرها أن الشهيد لا يعتبر ضمن نطاق مسؤوليتها، فهو من فلسطيني الأراضي المحتلة عام 48.

لذلك يستوجب عليك ايها الفلسطيني أن تبقى غارقًا في هذه التجاذبات المتضاربة، دافعًا ثمن اتفاقية وقعت باسمك، يوهمك البعض أنها انتهت، بينما في حقيقة الامر هي باقية وتتجدد، ضمن عقيدة راسخة لاستنزاف كل ما هو فلسطيني.