شبكة قدس الإخبارية

حين أسقط الرصاص إسراء وعبدالرحمن عن سلم أحلامهما

ديالا الريماوي

رام الله – خاص قُدس الإخبارية: عندما يقتل الحب في مهده، وتتحول الأحلام أوهاما، وتبقى الذكريات ذخيرة وحيدة لأحد العاشقين فيما يغيب الآخر قسرا، فإنك تستطيع أن تجد بسهولة بصمة لكيان اسمه "إسرائيل".

عبد الرحمن البرغوثي من عابود، وإسراء البرغوثي من دير غسانه، عاشقان رسما أحلامهما سوية، وباشرا ببناء مستقبل يجمعهما في منزل واحد، وانتظار على أحر من الجمر ليوم ستزف به إسراء لفتاها، مرتدية فستانها الأبيض ليركبا معا أمواج الحياة ويرتقيان سلم أحلامهما درجة تلو أخرى، قبل أن تسقطهما سبع رصاصات معا قبل الدرجة الأولى!

ولد عبد الرحمن وجيه البرغوثي في حزيران/1988 بالكويت، ليكون الابن الأصغر في عائلته التي ضمت إلى جانبه أربعة أشقاء (شابين وفتاتين) بالإضافة لوالديهما، قبل أن تنتقل العائلة إثر حرب الخليج الثانية إلى عمان ثم تقرر الاستقرار في فلسطين بعد خمس سنوات.

في قرية عابود شمال غرب رام الله، كبُر عبد الرحمن وبدأ بتكوين أصدقاء جدد، فكان ذلك الشاب الاجتماعي المحبوب، الأنيق، المحب للحياة، الحنون مع جميع أفراد عائلته، المدلل.

تقول شقيقة الشهيد، هبة البرغوثي لـ قُدس الإخبارية، "بالنسبة لنا عبد الرحمن لم يكبر، كان مدللا والأقرب لنا جميعا، بقيت تصرفات طفولية لا سيما مع أمي، إذ كان ينام في حضنها، يمازحها ويحاول استفزازها في بعض الأحيان".

عبد الرحمن مثل أي شاب أخر، كان يحلم بالاستقرار والزواج، ولتحقيق هذا الحلم عمل في أكثر من وظيفة، كانت آخرها في مجلس قروي عابود، وهو بطبيعته كان يحب أن يخوض التجربة ويتعلم أي شيء، كما تقول شقيقته.

لكن تشديدات الاحتلال على الفلسطينيين وإرهاقه لحالتهم الاقتصادية، دفع عبدالرحمن للتكفير في الهجرة إلى الولايات المتحدة بحثا عن عمل، لكن الرفض كان الجواب الذي تلقاه حينها، فكان أمامه خيار الهجرة إلى كندا، لكنه هذه المرة أراد أن يقدم معاملة الهجرة له ولمن ستكون زوجته.

الحب: عبد الرحمن وإسراء

بتاريخ (6/شباط) من العام الجاري، عقد عبد الرحمن قرانه على إسراء البرغوثي (20 عاما) من قرية دير غسانه، لتشاركه آماله وحياته، أحبها وكان غيورا عليها، كان يريد أن يجعلها سعيدة، كما تقول إسراء، وقد قرر العروسان الزواج بتاريخ (29/تشرين أول) بعد عودة والديه من الولايات المتحدة، لكن لظروف معينة لم يحضر الوالدان وتأجل الزفاف.

بعد أيام على تأجيل الزفاف، وتحديدا يوم الخميس (3/كانون أول) الجاري، قرر عبد الرحمن وإسراء قضاء "يوم من العمر"، فكان وجهتهما لتحقيق هذا الهدف رام الله، دون ان يعلما أن رحلتهما هذه ستكون الأخيرة معا.

16_30_55

في اليوم التالي (الجمعة)، زار عبدالرحمن شقيقته هبة الوحيدة التي مازالت تقيم في فلسطين وتحديدا في عابود، شاركها وعائلتها وجبة الفطور وأخبرها أنه سيخرج لقاء غرض ما، تقول هبة، "ربما أراد أن يشارك في التحضير لزفاف أحد الشبان في قريتهم، وأثناء عودته استوقفه حاجز نصبه عدد من الجنود على مدخل عابود".

يقول شاهد عيان لـ قُدس الإخبارية، إن جنديا طلب من عبد الرحمن هويته، نفذ أوامره وناوله إياها، تمعن فيها الجندي وبعد أن أرجعها لعبد الرحمن ضربه على وجهه.

ويضيف، أن عبدالرحمن رد على الجندي مستخدما الوسيلة الوحيدة المتوفرة لديه وهي يديه، فدفع الجندي وأسقطه أرضا، قبل أن يتلقى رصاصة أولى من الجندي نفسه تبعها سبع رصاصات من جندي آخر، مؤكدا، أن عبدالرحمن دافع عن نفسها بيديه ولم يحمل أي سلاح كما زعم الإعلام الإسرائيلي.

ويوضح الشاهد، أن جنود الاحتلال تراجعوا خوفا من ردة فعل الشبان المتواجدين عند الحاجز، فيما تقدم أحد الشبان لعبدالرحمن ليجد الرصاص قد مزق جسده ويده اليمنى حيث يضع ذبلته، فيما نجح الشبان لاحقا وبمساعدة طواقم الهلال الأحمر في نقل جثمان الشهيد لمستشفى سلفيت ومنع احتجازه كما حدث بعد عمليات إعدام سابقة.

في تلك اللحظة، كانت إسراء تنتظر مكالمة خطيبتها على أحر من الجمر، فقد كان يحدثها عبر الهاتف ثم أنهى المكالمة واعدا بالاتصال مجددا بعد تجاوز الحاجز، لكن وبعد مرور 15 دقيقة دون معاودة الاتصال، أحست إسراء بالخوف فاتصلت بعبدالرحمن، ليرد صوت غريب قائلا، "صاحب هذا الهاتف استشهد".

ظلت إسراء تحاول جاهدة تكذيب ما سمعت، قالت لنفسها "ربما أراد عبد الرحمن أن يمازحني، فجعل شخص أخر يرد على اتصالي"، وتضيف، "بقيت ممسكة هاتفي منتظرة اتصاله وسماع صوته من جديد، حلّ الليل ولم يتصل، والأخبار العاجلة تتوارد على المحطات الفضائية، الأسم ذاته على الشاشة، لكن مع ذلك لم أصدق ما تشاهده عيناي".

وتتابع، "قلت في نفسي سيعاود الاتصال بي الآن، يستحيل أن يتركني في منتصف الطريق لوحدي، كل أحلامنا وآمالنا بأن نعيش في بيت واحد وننجب ابننا علي تنهيها رصاصة"، غير أن إيمان إسراء لم يكن كافيا ليلغي حقيقة رحيل عبدالرحمن قسرا.

كابوس تتمنى عائلته أن تستيقظ منه، لترى مجددا عبد الرحمن على قيد الحياة، لكن غيابه عنهم يرغمهم على تذكر عبارة "استشهد عبد الرحمن"، فتقول هبة شقيقة عبد الرحمن، "مازلت أنتظر اتصاله، لأسمع صوته وأراه أمامي".