شبكة قدس الإخبارية

حملات اعمار المنازل..قيمٌ ساميةٌ ورسائلُ في العمق

عبدالقادر عقل
 

تابع المواطنون الفلسطينيون باهتمام بالغٍ الحملات الشعبية لإعادة إعمار منازل العائلات التي فجّرها وهدمها الاحتلال بحجة تنفيذ أبنائها عملياتٍ فدائية، والحقيقة أن هذه المسألة تستحق ليس فقط المتابعة بل الوقوف على كافة تفاصيلها، ونسج الخيوط لتتشكل في أذهاننا قيمٌ ساميةٌ ولندرك معانٍ راقية مختلفة الأبعاد.

الحملات تُبرز قيمًا يكاد يفتقدها الشعب بكل صراحة، خاصة في ظل السنين القليلة الماضية، لأسباب عدة أبرزها الانقسام وتراجع دور عددٍ كبيرٍ من المؤسسات الاجتماعية والأهلية، إضافةً لتعقيدات الحياة المتصاعدة وبالتالي مضاعفة الأعباء والتكاليف على المواطن الفلسطيني، هذه الحملات أعادت روح التكافل الاجتماعي والتراحم والتلاحم بين أطياف الشعب على كافة الأصعدة، عائلياً، جغرافياً، وشبابياً.

ليس الجميع قادراً على المشاركة في المواجهات والأحداث الحالية، لكن الجميع قادرٌ على المساهمةِ في حملات اعادة الإعمار الشعبية، الأمر الذي يجعل الكل الفلسطيني وكافة شرائح المجتمع يشاركون كحاضنةٍ شعبيةٍ ضد أهداف الاحتلال من هدم المنازل، وكم هو جميلٌ أن ترى أطفالاً يضعون مصروفهم الشخصي في صندوق الحملات، وكم هو لافتٌ أن ترى عجوزاً تريد من يعيلها تضع ما تيسر لها كذلك، ترى طالباً جامعياً يمنع معدته عن وجبةٍ إضافية ليدعم حملة الاعمار الشعبية.

حملات إعادة الاعمار سلّطت الأضواء أيضاً على المبادرات الشبابية التي لا ترتبط بأي فصيلٍ سياسي ولا تتلقى دعماً من أحد سوى الجماهير الفلسطينية، هي "جهود ذاتية" تحمل الهم الوطني والواجب الأخلاقي، وأثبت الشباب في الحملات دورهم ورياديتهم، في هذه الحملات غابت كل الأصوات الفصائلية وارتفع صوت فلسطين حتى استمر صداه بالتردد في كل أفقٍ مفتوح!.

صفحات التواصل التابعة للاحتلال تبث للجمهور العربي تسجيلاً مصوّراً للحظة تفجير منزل عائلة الأسير أو الشهيد، لتدب الرعب في القلب الفلسطيني، ولتشكّل المشاهد الملتقطة من السماء إحباطاً ورادعاً لكل من يفكر بتنفيذ أي عملٍ ضد الاحتلال، ثم تأتي الصفحات الفلسطينية فتبث تسجيلاً مصوّراً للحملات الشعبية، التي ستبني ذات البيت المُفجّر وكل بيتٍ سيفجّر!.

هي واجبٌ ديني ووطني وأخلاقي يحمل قِيَم تضحيةٍ رائعةٍ، فالتضحية درجاتٌ ومستويات، حامل فكرة التضحية ليس فقط من يقدّم نفسه قرباناً على طريق حرّية شعبه فحسب، بل إن الرجل الذي يحرمُ محفظته من ماديته البسيطة ليقدمها لغيره يعد مثالاً لمفهوم التضحية المُختصر بـ"نُكران الذات".