عمليتا "إيتمار" و"عتنائيل" ورسالةُ الأسير بلال غانم منفذ عملية الحافلة في مستوطنة "أرمون هنتسيف" برفقة الشهيد بهاء، ليست سوى ثلاث بصماتٍ دامغةٍ من الحاضر المعاصر الذي نشهده، فأدرك العدو قبل الصديق إنسانية المقاومة الفلسطينية، التي يُريد الاحتلال وكل حلفائه من الخارج أن يجعلوها إرهاباً وميلشيات تمارس القتل وتفزع الأبرياء.
أما الماضي فهو حافلٌ بالشواهد والأدلة، وعلى الجيل الجديد أن يعرف حكايات أبطالٍ تركوا أهدافهم المرصودة، وفضّلوا أن يضيّعوا جهدهم عندما وجدوا احتمالية تعرض الأطفال الاسرائيليين للخطر إن نفذوا عمليتاهم، في إحدى العمليات أطلق مقاتل فلسطيني النار على سيّارة إسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية، ثم أدرك وجود امرأة فيها فاتصل بالاسعاف وانسحب من المكان.
الشهيد مجدي أبو جامع عند اختطافه حافلة اسرائيلية عام 1986 على طريق عسقلان المحتلة، أوقف الحافلة وسمح لمجندة بالنزول لأنها أبلغته بأنها حامل، أما الشهيد عاصم ريحان منفذ عملية "عمانوئيل" الأولى بين سلفيت وقلقيلية بتاريخ 12-12-2001، فقد أنزل طفلين من الحافلة التي استهدفها قرب المستوطنة
وروت إحدى المصابات اللواتي كن في الحافلة قائلةً، "المنفذ صعد إلى الحافلة وكنت مصابة وتظاهرت أنني ميتة فنجوت ووجد طفلين فأنزلهما من الحافلة وأرسلهما بعيدًا ولم يقتلهما" وهذه الحادثة أثارت ضجة إعلامية في الكنيست في ذلك الوقت، رغم أن جيش الاحتلال كان قد قتل شقيقه محمد قبل أقل من شهر!
الشهيد أحمد عبد الجواد من مخيم عسكر في نابلس، اقتحم مستوطنة "ألون موريه" خلال الانتفاضة الثانية، ووقتها أكدت مستوطنةٌ في حديثها للإذاعة الاسرائيلية، أن الاستشهادي دخل عليها وعلى أولادها البيت، فلما وجد البيت لا يحوي إلا النساء والأطفال، خرج دون أن يطلق رصاصة واحدة.
الأمر لا يقتصر على مقاتلي فصيل محدد، فهذا الشهيد عاطف عبيات قائد كتائب شهداء الأقصى، قد ألغى عملية هجومٍ مسلح على سيارة اسرائيلية عندما أدرك وجود أطفالٍ داخلها، والجبهة الشعبية كانت تحرص على عدم قتل الرهائن وايذاء المدنيين خلال عمليات اختطاف الطائرات.
الأمثلة لا تعد ولا تحصى، ففي عام 1993 خلال تنفيذ خلية للمقاومة عملية على شارع بلدة بروقين غرب سلفيت، تعمد المقاومون إطلاق النار على جيب للجيش متجاهلين حافلةً يحرسها، كونها مليئة بالأطفال.
ولا ننسى اعترافات شاليط في كيفية تعامل المقاومة الفلسطينية معه، كان بإمكان المقاومة أن تعذّبه لانتزاع معلوماتٍ منه مثلًا، عمليات الأسر عند المقاومة معروفة الأهداف للجميع، فلا يُمكن للمقاومة الفلسطينية أن تعذّب حتى الموت أسيرًا بيدها، ولا يُمكنها أن تحوّل الأسرى الاسرائيليين إلى حقول لتجارب طبية، فقط لأنها تحمل أوصافها معها "مقاومة، نضال، تحرير، جهاد، حق"
"أخلاق المقاومة" ليست وليدة لحظةٍ أو عام، بل هي وليدةُ تاريخٍ عمّدته مواقف الشهداء الأطهار منذ بدء الاحتلال الاسرائيلي عام 1948، فكثيرةٌ هي العمليات التي ألغاها منفذوها بسبب وجود أطفالٍ في دائرة الاستهداف، والدافع لذلك أساسه التعاليم الشرعية وقت الحرب، علاوةً على الانسانيةِ التي يتمتع بها صاحب الحق، ببساطة إن المقاومة الفلسطينية ليست مافيا أو عصابات تختطف بهدف الابتزاز أو تقتل من أجل القتل، بل جنودها عشّاق حريةٍ ويريدون إيصال رسائلهم بالطرق الراقية.
تشير الاحصائيات إلى أن الاحتلال قتل ما بين عامي 2000-2005 نحو 700 طفل، و15 طفلاً في الضفة الغربية عام 2014، منهم 14 طفلاً بالذخيرة الحية، وما بين عامي 2005م -2014 قتل الاحتلال نحو 1296 طفلاً ، وفي الحرب الأخيرة على قطاع غزة 2014، استشهد جراء القصف الاسرائيلي العشوائي 535 طفلاً.