شبكة قدس الإخبارية

فقد ذاكرته خلال عملية بسيطة عند طبيب الأسنان

٢١٣

 

هيئة التحرير

لندن – قُدس الإخبارية: هل توقع أحدكم أنه خلال زيارته لطبيب أسنان من الممكن أن يفقد ذاكرته؟ بالطبع لا يمكن لأحدنا أن يتوقع حدوث ذلك له أو لأي شخص اَخر، ولكن هذا ما حدث بالفعل للجندي في القوات المسلحة البريطانية ويليام.

فوفقاً لما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فإن الجندي ويليام من القوات المسلحة البريطانية فقد ذاكرته خلال زيارته لطبيب أسنان في آذار المنصرم، حيث كان ويليام قد عاد في الليلة السابقة إلى قاعدته العسكرية بعد حضوره جنازة والده، ثم مارس الرياضة لمدة 45 دقيقة، قبل أن يتوجه لمكتبه ومنه لطبيب الأسنان لإجراء جراحة في جذور أسنانه.

ويقول ويليام، إنه يتذكر جلوسه على الكرسي لوضع الطبيب المخدر الموضعي، وبعد ذلك لا يذكر أي شيء، فمنذ ذلك الوقت لم يعد ويليام قادراً على تذكر أي شيء لمدة ساعة ونصف، لكنه كان قادراً على الحديث عن أول مرة يقابل فيها دوق يورك في مؤتمر صحفي في وزارة الدفاع البريطانية.

كما أن ويليام لم يعد قادراً حتى على تذكر مكان إقامته وهو لازال يستيقظ كل صباح، معتقداً أنه لازال في ألمانيا 2005 وينتظر زيارة طبيب الأسنان.

مرور الوقت لا يعني أي شيء لويليام، لأن عقله لا يحتفظ بأي تجارب يمر بها وكل ما يعرفه اليوم هو أن هناك مشكلة لأنه هو وزوجته كتبا ملاحظات مفصلة على هاتفه الذكي في مجلد أطلقا عليه أسم "أقرأ هذا أولاً".

ويبدو الأمر كما لو أن كل الذكريات الجديدة تكتب بحبر سري وتختفي ببطء مع مرور الوقت فكيف يمكن لعملية أسنان بسيطة أن تؤثر على دماغه بهذه الطريقة القوية؟ أن هذا الغموض الطبي الواقعي يلقي ضوءاً خاطفاً على الطريقة التي يعمل بها الدماغ.

حتى الأحداث التي قادت ويليام إلى فقدان الذاكرة محيرة جداً، فخلال إجراء الجراحة له لم يلاحظ طبيب الأسنان أن هناك أي خطأ، ولم يدرك وجود شيء غير عادي، إلا حينما طلب منه نزع نظارته الداكنة بعد أن لاحظ شحوب وجهه ووقوفه بصعوبة.

وقتها اتصلوا بزوجته للحضور، فتقول الزوجة، "كان ممدداً على أريكة وعيناه شاخصتان وبدت عليه الدهشة عندما راَني ولم يكن لديه أي معرفة بما كان يحدث".

بعد ذلك نقل ويليان للمستشفى حيث مكث ثلاثة أيام، حتى تبدد بعض الغموض لكنه بقي غير قادر على التذكر. في البداية ظن الأطباء أن ذلك بسبب المخدر الذي حقن به، ولكنهم لم يجدوا دليل على جرح أو إصابة ما لذا تم إخراجه من المستشفى رغم استمرار الغموض الذي كان يحوم حول حالته، وعاد هو وزوجته إلى انجلترا حيث نم نحويله إلى عيادة "غيرالد بيرغس" النفسية في مدينة لستر.

التفسير الواضح لما حدث سيكون أن ويليام لديه نوع من فقدان الذاكرة، يشبه الذي حدث لهنري مولايسون الذي تحكي تجربته الكثير مما نعرفه عن الذاكرة.

فخلال خضوع مولايسون لعملية لعلاجه من الصرع استأصل الجراح قطعة كبيرة من دماغه، بما في ذلك الهيبوكامبي وهي منطقة على شكل حصان البحر تقع في وسط الدماغ.

هذه المنطقة تقوم بعمل المطبعة داخل الدماغ، حيث تحتفظ بما يقع عرضاً من أحداث في مناطق تخزين طويلة الأمد، وبدون هذه المنطقة من الدماغ، لم يكن مولايسون قادراً على الاحتفاظ بأي شيء وقع له بعد العملية الجراحية.

ولكن كما لاحظ أطباء وليام في البداية، أظهرت صور المسح الضوئي للدماغ أن هذه المناطق ما زالت موجودة. كما أن الأعراض التي ظهرت عليه لا تتطابق مع ذلك النوع من مرض فقدان الذاكرة.

فعلى سبيل المثال، لم يكن باستطاعة مولايسون تذكر تفاصيل أحداث مرت به شخصياً، إلا أنه باستطاعته تعلم مهارات إجرائية جديدة، تتحكم بها مناطق أخرى من الدماغ.

وبالعودة إلى ويليام فإنه حينما طلب منه بيرغس أن يحل متاهة معقدة، وجد أنه نسي هذه المهارة بعد ثلاثة أيام، ويقول في هذا الصدد، "استغرق نفس الوقت ليتعلم من جديد كيف يقوم بالمهمة مرة أخرى وبدا الأمر كأنه نسخة متماثلة من خطأ سبق أن وقع".

أحد الاحتمالات أن فقدان الذاكرة لدى ويليام سببه مرض نفسي المنشأ، فهناك مرضى يتحدثون عن فقدانهم للذاكرة بعد تعرضهم للصدمات، لكن ذلك ربما يكون تكيفاً مع الحدث لتجنب التفكير في سبب ما جرى لهم من ألم، وهو ما لا يؤثر غالباً على قدرة الإنسان على تذكر ما يحدث في الحاضر.

وتؤكد زوجة ويليام أن زوجها لم يعاني فيما مضى من أي صدمات وحسب تقرير بيرغيس النفسي المفصل كان يتمتع بصحة عاطفية جيدة.

فيما يقول الطبيب النفسي بيرغيس إن ويليام كان أباً ناجحاً وضابطاً في الجيش بسجل جيد ولا وجود لإي شيء يجعلنا نعتقد أنه كان يعاني من شيء نفسي، وبناء على ذلك يشتبه بيريغس بأن الجواب يكمن في تلافيف دماغية سميكة يطلق عليها "نقاط الاشتباك العصبي".

فعندما تمر بنا أحداث معينة تحفظ ببطء في مناطق التخزين طويل الأمد مما يؤدي إلى تغيير هذه الشبكات المنسوجة بكثافة.

هذه العملية تشمل إنتاج بروتينات جديدة لإعادة بناء نقاط اشتباك عصبي في شكلها الجديد والتي بدونها تبقى الذاكرة هشة وسهلة الإندثار بمرور الوقت وقد أدى توقف إفراز ذلك البروتين في تجارب أجريت على فئرين إلى نسيانها على الفور كل ما تعلمته للتو

تعتبر 90 دقيقة وقتاً كافياً لكي تحدث هذه العملية التجميعية وهي المدة الزمنية ذاتها التي بدأ ويليام بعدها بنسيان تفاصيل الأحداث وبدلاً من فقدانه الطابعة الدماغية كما حدث لمولايسون يبدو أن دماغ ويليام إستنفذ ما به من حبر.

وحتى مع ذلك ليس واضحاً لماذا يمكن أن تؤدي عملية قناة الجذر إلى جفاف الدماغ من هذا البروتين وتوقفه عن تسجيل الأحداث يقول بيرغيس، "هذا هو سؤال المليون جنيه ولا أملك إجابه له".

وعند مراجعة بيرغيس ما ورد في كتب الطب عن هذا الأمر، وجد خمسة حالات مشابهة لفقدان الذاكرة الغامض دون حدوث ضرر للدماغ. ورغم أن هذه الحالات لم تحدث خلال زيارة لطبيب أسنان إلا أنها تتشابه مع ما حدث لويليام من فترات القلق النفسي خلال الحالات الطبية الطارئة.

والحقيقة أن العلماء مهتمون بهذا الموضوع، حيث يقول جون أجلتون الباحث في جامعة كاردف، "هذا أمر يدعو إلى إعمال الفكر ويأمل في رؤية اختبارات وفحوص أكثر دقة وشمولاً لعلاقة الدماغ بالذاكرة طويلة المدى، حتى لو لم يكن هناك ضرر لحق بخلايا الدماغ ذاتها فربما يكون فقد بعض الوصلات الضرورية حول جزء الهيبوكامبي الدماغي وغيره من الأجزاء وخطوط الأنابيب المفعلة للذاكرة".

ويقول ويليام، "أريد أن أمسك بيد أبنتي وأسير معها حول الجزيرة وأن أتذكر ذلك وأذا ما تزوجت هي وشقيقها وأنجبو أن أتذكر أن لدي أحفاد ومن هم هؤلاء الأحفاد"، فيما تقول زوجته، "عندما أتكلم معه كان يتعلم للمرة الألف أن أعمار أولاده الآن 18 و 21 عاما، وليسوا الأطفال الصغار الذين يتذكرهم ويأمل أن لا يقضوا ما تبقى من أعمارهم في الحزن عليه".