شبكة قدس الإخبارية

ما ينبغي لنشطاء الحق الفلسطيني حقوقياً أن يعرفوه - الجزء الأول

حسان عمران

مقدمة

"قضية رابحة بمحامٍ ضعيف مصيرها الفشل أمام قضية خاسرة بمحامٍ كُفْء"

مما لا شك فيه أن قضية فلسطين وأن الحق الفلسطيني هو حق ثابت ورابح في أي من الجولات الحقوقية والقانونية في أي من المحافل الدولية, إلا أن قوة الطرح الصهيوني واحترافه تودي بكثير من النشطاء والحقوقيين إلى دعم الطرح الصهيوني أو التزام الحياد ربما لما يحتويه الطرح الصهيوني من أكاذيب وليّ للحقائق باحترافية عالية يحسدون عليها. وأمام هذه الاحترافية العالية في الطرح يقف العرب والفلسطينيون تحديداً بطرح هزيل أعرج قانونياً يبدي لغير المتعمق أن "اسرائيل" ربّما تكون على حقّ أو أنهم متساوون مع الفلسطينيين في الحق أو الجريمة!

وخلال اطلاعي -وإن كان بسيطاً- وجدت أن أفصل ما كتب في تطوير الطرح الفلسطيني حقوقياً أو في المحافل الدولية كان من مناصرين غير عرب أصلاً أمثال جون كويغلي (John Quigley) وإيلان بابيه (Ilan Pappe) أو مجلس بحوث العلوم الإنسانية في جنوب إفريقيا. وهذه ليست دعوة لجلد الذات وإنما للفت الإنتباه إلى هذه الثغرة الهائلة في الطرح العربي والفلسطيني.

قرار مجلس الأمن 242 والتيار السائد في القانون الدولي:

ومن المعروف من القانون بالضرورة أن المنهد السائد في القانون الدولي لـ "حل" الصراع العربي-الصهيوني هو المنهج الذي أعلن عنه في قرار مجلس الامن رقم 242 الصادر في أعقاب حرب الأيام الستة عام 1967 التي انتصرت فيها اسرائيل لتسيطر على الضفة الغربية وقطاع غزّة وهضبة الجولان وصحراء سيناء, فصدر القرار مطالباً "اسرائيل" بالإنسحاب إلى الأراضي التي تم الإستيلاء عليها في أعقاب حرب 1948, أو ما اصطلح عليه بالنكبة. ولاحقاً اعتبر هذا القرار أساساً للمفاوضات مع الجانب الصهيوني لحلٍ دائم للصراع.

ومع الأسف، يهمل هذا المذهب الحق الفلسطيني في الأراضي التي احتلت عام 1948 والتي تشكل أكثر من 70& من أرض فلسطين التاريخية، ويتعامل مع اسرائيل على أنها كائن سياسي طبيعي ولكنه تعدى حدوده بتوسعه عام 1967 وحتماً يتناقض هذا مع قرار التقسيم المشهور الذي داسته العصابات الصهيونية المسلحة عام 48 لتفرض واقعاً جديدا التزم به المجتمع الدولي.

لذلك، يتوجب على الأكاديميين والحقوقيين المناصرين للحق العربي الفلسطيني أن يعملوا جاهدين على إحياء المنهج الذي يتعامل مع اسرايل على انها امتداد لحقبة الاستعمار الأوروبي وأنها دولة استعمارية إحلالية (Settler Colonial State) أسست على جثث وأرض شعب آخر حُرم بقوة السلاح من حقه بتقرير مصيره.

معركة المصطلحات:

النكبة: ومن أوجه الضعف في الطرح العربي الفلسطيني المصطلحات الفارغة أو الضعيفة قانونياً. فمثلاً مصطلح النكبة هو مصطلح عاطفي يخلو من أي دلالات قانونية، بينما يستخدم الصهاينة مصطلح حرب الإستقلال المرتبطة في أذهان السياسيين والقانونيين بحروب التحرر الوطني مما يضفي شرعية، ولو مبطنة، لحق تلك الدولة بالوجود!

ولو نظرنا إلى واقع الحال، لوجدنا أن ما يسمى بالنكبة هي عبارة عن إحدى أبشع عمليات التطهير العرقي (Ethnic Cleansing) أو الإبادة الجماعية  ((Genocide التي شهدتها البشرية في القرن الماضي، حيث دمر أكثر من 400 قرية ومدينة فلسطينية وأجبر حوالي 60% من سكان فلسطين على النزوح. ومصطلحا التطهير العرقي والإبادة الجماعية هما مصطلحين مقيتين من وجهة نظر القانون الدولي والمجتمع الدولي وعقدت لمكافحتهما محافل عدة انتهت باتفاقيات دولية ملزمة أو غير ملزمة مثل معاهدة المنع والعقاب على جريمة الإبادة الجماعية (Genocide Convention) الذي تبنته الجمعية العمومية عام 1948. ومن المثير للسخرية أنه صدر في نفس عام الجريمة المرتكبة بحق الفلسطينيين.

ومما يجدر الإشارة اليه أن هناك فروقا بين مصطلحي التطهير العرقي والإبادة الجماعية. فمجمل ما حل بالفلسطينيين عام 48 هو تطهير عرقي، ولكن ما حصل في مناطق جغرافية محدودة مثل قرية دير ياسين هو جريمة إبادة جماعية.

الاحتلال الإسرائيلي: يطلق الكثير من النشطاء على الوجود الصهيوني في الضفة الغربية لفظ احتلال في غفلة عن أن الاحتلال في ذاته ليس خرقا للقانون الدولي الإنساني. فكما نصت اتفاقيتا لاهاي (1907) وجينيف (1949) على أن الإحتلال هو أثر طبيعي لأي حرب، حيث أن الجيوش قد تحتل أراضي غير تابعة لها أثناء عملية تحصين الحدود والدفاع عن الذات. وإنما الممنوع هو تحويل هذا الاحتلال من طابعه الأصلي إلى حالة دائمة ومؤسس لها مدنياً كما هو الحال في الضفة الغربية وقطاع غزة.

فالوجود الصهيوني تعدى مرحلة الاحتلال العسكري إلى الاحلال الإستيطاني أو الاستعمار وإلى تأسيس نظام فصل عنصري- الأبارثايد (Apartheid)  كما كان الحال في جنوب إفريقيا وربما بصورة أبشع. والمصطلحان السابقان (الإستعمار و الأبارثايد) هما مصطلحان مجرّمان قانونيا وأخلاقياً على الصعيد الدولي.

لذا يجب أن نتجاوز مصطلح الإحتلال أو أن نحافظ عليه مع التركيز على المصطلحات المنبوذة أخلاقيا وقانونيا مثل الإستعمار والأبارثايد.

إذن ماذا نستخدم إذن؟

التطهير العرقي و الإبادة الجماعية:

التطهير العرقي: مع عدم وجود تعريف قانوني نهائي لهذا المصطلح إلا ان أركانه متعارف عليها وهي "الإزلة القسرية المنهجية لمجموعة عرقية أو دينية من إقليم معين من قبل مجموعة أقوى منها بنية جعله إقليماً أحادي العرقية أوالدين". وقد ورد تجريم هذا العمل في نظام روما الأساسي (Rome Statute) المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية وإدراجها ضمن "الجرائم ضد الإنسانية". وورد تجريم التطهير العرقي أيضاً في المحكمة الجناية الدولية المؤقتة ليوغوسلافيا (ICTY).

الإبادة الجماعية: وهي جريمة تم التشديد عليها وعلى عقوبتها أكثر من السابقة لما تحتويه من بشاعة متناهية بتضمنها على سبق الإصرار والترصد على إبادة كامل العرق، لا تهجيره فحسب، كما حصل في مجزرة سربرنيتشا الشهيرة في البوسنة وكما حصل في مجزرة دير ياسين في فلسطين حين أبيدت كامل القرية في بداية عمليات العصابات الصهيونية المسلّحة. فالإبادة الجماعية كما ورد تعريفها في المادة الثانية من معاهدة الإبادة الجماعية المذكورة سابقاً: "هي أي من الأعمال...التي تم اقترافها بنية تدمير مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، كلياً أو جزئياً...". وقد تم التأكيد مجدداً على نص شبيه لهذا في نظام روما الأساسي.

وهذان المصطلحان ينطبقان كما أوردت مسبقاً على الحالة الفلسطينية ومع هذا يندر استخدامهما أو التركيز عليهما، وإن حصل فإنه من كتاب أو ناشطين غير عرب!

وسيقتصر المقال على ما ورد أعلاه في انتظار مقالة استكمالية لما ابتدأ هنا ليشمل مصطلحات الإستعمار والأبارثايد والأراضي الفلسطينية المحتلة وفي ختامها سيتم الإجابة على التساؤل الأهم هنا: ما الآثار المترتبة على إشاعة مثل هذه المصطلحات؟

وختاماً يجدر الإشارة هنا إلى أن جهود وأقلام الحقوقيين العرب والفلسطييني على وجه أخص يجب أن ترتقي إلى مستوى دماء الشهداء التي سالت وتسيل وستسيل –إلى حين- دفاعاً عن حقٍ مسلوب بقوة السلاح والعلم والبيان!

*ملحوظة: الترجمات الواردة في المقال –سواء تمت الإشارة إليها أم لا - هي للكاتب وليست من النص القانوني المعتمدة ترجمته للعربية.