تعريف الجمال في فلسطين يختلف كثيرًا عما يخطر في ذهنك، والمواجهة الحالية مع الاحتلال الغاشم، أعادت تعريف هذا الجمال الذي يسعى المحتل لتشويهه دومًا بشكلٍ مستمرٍ، وبكافة السبل. الفلسطيني الجميل، هو الفلسطيني الذي لا نرى منه سوا عينيه المنيرتين بنزق الثورة والثوار، يظللهما سواد ليلٍ طويلٍ من سهرٍ وألم، مع مسحة حزنٍ عميقة، بحجم هذا الوطن الخالد في قلوبنا.
الفلسطيني الجميل هو الثائر الذي لم نراه يومًا، كالفتى حنظلة ما عرفنا منه إلا التضحية والفداء، وملابسه الرثة، وندوبًا رُسمت على جسده بفعل مقارعته للمحتل، والفلسطيني الجميل هو القائد المتخفي، الذي ما شاهدنا سوا ظله. وفي سعينا المستمر للحصول على حساب الشهيد على أحد مواقع التواصل الإجتماعي عقب استشهاده، لمشاركة صورته، او معرفة آخر ما دار في ذهنه، علينا إلزام أنفسنا بالمحافظة على هذا الجمال الساطع، كما اعتدنا أن نهتف للشهيد خلال تشييعه ووصفه بنجمة في سماء فلسطين، أو بالبدر المنير، فآخر صوره يتوجب أن تكون بدرًا منيرًا لا غير.
هذا الجمال تحديدًا هو ما يثير جنون المحتل ويفاقم حقده الأسود، تجاه كل ما هو فلسطيني، فبشاعة المحتل المتعاظمة، ورائحته المنتنة، تدفعه دومًا إلى إرتكاب ما هو أبشع وأفظع، وأفجر، في محاولة يائسة منه، بأن يهز ثقة الفلسطيني بنفسه، أو أن يصيبه بمقتل، فيُنزل إصبعه عن الزناد ويلقي السكين أرضًا، أو لعل الحجر يذوب في يده.
هنا تتفنن "إسرائيل" المسخ، بمحاولات تشويه جمال الفلسطيني، وآخرها تصوير منفذي العمليات الفدائية، -إن كانت طعنًا، أو دهسًا، أو إطلاقًا للرصاص-، بعد تجريدهم من ملابسهم، ونشرها عبر إعلامهم المسموم، وعبر صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، لقتلهم مرة أخرى ظنًا منها، أو لتحرق قلوب ذويهم أيضًا، ولعلها تنجح في الثانية وتفشل بالأولى، فالموت لا يوجع الموتى، بل يوجع الاحياء فقط حسبما يقول محمود درويش، ولا يغيب عن ذهننا قوا ذات النطاقين "لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها".
لكن من جانب آخر، يتحتم علينا أن نعي أكثر طبيعة المعركة الحالية، التي يحاول الاحتلال تجندنا في صفه خلالها، من خلال تداول ونقل أي صور من شأنها اذلال أبطالنا منفذي العمليات، والشهداء منهم على وجه الخصوص، ولا يغيب من ذهني شخصيًا صورٌ نشرتها مواقع إسرائيلية لفتياتٍ فلسطينيات مجراداتٍ من ملابسهن عقب إعدامهن، ولا صور شبانٍ فلسطينيون، نزعت عن أجسادهم الملابس، فقد تساهم هذه الصور بخلق حالةٍ من التردد في نفوس أبطالٍ جدد، كانوا قد عقدوا العزم على المشاركة بأرواحهم في هذه المواجهة.
يظن المحتل أن هذه الصور تهز صورة الشهيد الذهنية في عقولنا، لكنه لا يعي أبدً، أن الفلسطيني الثائر الجميل، سيبقى دومًا هو يوسف، وفلسطين هي الحسناء التي كلما راودتنا عن أنفسنا وأموالنا، سنصبوا لها ولن نكون أبدًا من الخاسرين.. فلا تكن من الخاسرين..