شبكة قدس الإخبارية

حُسن المقاومة الذي رفعت عملية نابلس اللثام عنه

أحمد يوسف

نابلس – خاص قُدس الإخبارية: لم تكن صدفة أن يدفن الاحتلال تحت التفاصيل العامة حول عملية نابلس الخميس الماضي، بعدا إنسانيا عميقا للهجوم الذي تباكى بنيامين نتنياهو عندما تحدث عنه، مظهرا أسفه على الأطفال الذين باتوا يتامى بعد أن حرمهم رصاص المقاومة من والديهم.

ففي اللحظات الأولى للعملية أعلن الاحتلال عن إصابة أربعة أطفال كانوا مع المستوطنين القتيلين في السيارة، لكن سرعان ما تم الإعلان عن أن الإصابة كانت طفيفة جدا نتيجة تطاير زجاج المركبة، ليخرج تعليق جيش الاحتلال بأن الأطفال كانوا نائمين في المقعد الخلفي، ولذلك لم يشاهدهم المهاجمون ولم يقتلوهم.

"إسرائيل" تعترف

هذه المزاعم وجدت من يكذبها حتى داخل "إسرائيل" نفسها، فقد أكد مسعفون أنهم شاهدوا جثة القتيل وهو ضابط في الاستخبارات ملقاة على الارض، مؤكدين أن المقاتلين ترجلوا من المركبة وتأكدوا من مقتله وأنزلوه من السيارة ثم طرحوه أرضا، وهذا ما أكده بيان الجيش نفسه أيضا.

وقد أثارت هذه المزاعم سخرية نشطاء إسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءل هؤلاء كيف بقي الأطفال نائمون رغم صوت الرصاص الذي تم إطلاقه، والذي وصل نحو 50 رصاصة بحسب الجيش، كما تساءلوا، عن التسرع الذي قال الجيش إنه منع المهاجمين من رؤية الأطفال، رغم أن الجيش نفسه قال إنهم ترجلوا من المركبة وأجهزوا على الضابط المستوطن.

وتحدث مستوطن في مشاركاته على مواقع التواصل الاجتماعي، عن أن المهاجمين شاهدوا الأطفال لكنهم أخرجوا الضابط وزوجته وقتلوهم خارج السيارة، فيما قال آخر إن المهاجمين كانوا يعرفون أن قائد المركبة ضابط وقد استهدفوه شخصيا، ولذلك فإن أمر الأطفال لا يعنيهم.

وادعى مستوطن ثالث أن شهادات تفيد بأن المهاجمين صوروا عمليتهم لذلك تجنبوا قتل الأطفال، فيما قال آخر إنه من غير الممكن تصديق رواية الجيش بأن الأطفال بقوا نائمين ولم يستيقظوا على صوت إطلاق الرصاص ويصرخوا عند مشاهدتهم قتل والدهم.

هذه العينة من الجدل، تبعها قرار رسمي إسرائيلي بحظر نشر أي تفاصيل عن العملية لمدة شهر من الآن، لكن تصريحا يتيما تسرب من الصحافة الإسرائيلية حول هذا الجانب من العملية، وكان على لسان المحلل العسكري للقناة الثانية روني دانييل، الذي أكد أن المهاجمين شاهدوا الأطفال ولم يقتلوهم،  رغم أنهم كانوا قادرين على ذلك.

وأكد دانييل، أن المهاجمين ترجلوا إلى مركبة المستوطنين واقتربوا من الأطفال الأربعة، لكنهم امتنعوا عن قتلهم وتركوهم بسلام، مضيفا، "كأنهم أرادوا إرسال رسالة لنا مضمونها، نحن لسنا حيوانات مثلكم ولا نقتل الأطفال مثلما فعلتم في دوما مع عائلة دوابشة".

ليس جديدا

ويعلق المختص في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي، بأن قرار حظر نشر أي تفاصيل حول العملية قد يكون مرتبطا بشكل أساسي بالجانب الإنساني الذي كشفت عنه لدى المقاومين، خاصة بعد أن ربط دانييل بين العملية وجريمة إحراق عائلة دوابشة.

ويقول الريماوي في حديث لـ قُدس الإخبارية، إن هذا التصرف حمل رسالة قوية بأن المقاتل الفلسطيني لا يقتل أطفالا، وأن المقاومة الفلسطينية على قدر عال من الوعي والمسؤولية والأخلاق، برغم جرائم الاحتلال المتواصلة.

ويضيف، بأن هذا الحدث ليس الأول من نوعه، فقد سبق لاستشهاديين ومسلحين فلسطيين أن امتنعوا عن تنفيذ عملياتهم بعد أن اكتشفوا أن ضحاياها لن يكونوا من الأهداف المطلوبة، مشيرا إلى العملية الاستشهادية التي نفذها الشهيد رائد البرغوثي في القدس عام 2003، حيث امتنع حينها عن دخول كنيس يهودي وفجر نفسه في الطريق المؤدي إليه، بعد أن لاحظ وجو نساء وأطفال في الكنيس.

وأشار الريماوي إلى أن مجموعات مسلحة في الضفة خرجت لتنفيذ عمليات فاكتشفت أن الأهداف حافلات مدارس، فعادت إلى قواعدها دون إطلاق رصاصة، مؤكدا، أن جهاز "الشاباك" يعرف ذلك جيدا لكنه يخفيه لعدم وجود مصلحة لديه في انتشار مثل هذه التفاصيل.

وظهرت أخلاقيات المقاتلين أيضا في عمليات اقتحام مستوطنات، حيث امتنع المقاتلون عن استهداف الأطفال والنساء إلا في هجوم واحد، يؤكد الريماوي، أنه التقى منفذيه خلال فترة اعتقاله سابقا، وتبين له أنهم شبان صغار في السن وقد دفعهم الغضب من جرائم المستوطنين إلى الرد بمثل ما يفعلون.

 ويرى الريماوي أن إبراز هذا الجانب للمقاومة على قدر كبير من الأهمية على المستوى العالمي وليس العربي أو المحلي فقط، مبينا، أنه يجب أن يتم إبراز المقاومة كعنصر شريف وكحق، واستخدام هذه الحادثة كمؤشر على ذلك.

وسواء اعترف الاحتلال بهذه الحقيقة أو أنكرها فإن الأمر سيان، فرغم هذا الجدل وحتى بعد اعتراف المحلل دانييل، أطلق مستوطن النار على طفل فلسطيني في عزبة الطبيب قضاء قليلية اليوم، ما أدى لإصابته برصاصة دخلت من بطنه وخرجت من ظهره، ليبقى التطرف في "إسرائيل" سيد الموقف وكذلك استهداف الأطفال بشكل أساسي.