شبكة قدس الإخبارية

"زراعة الموت" في وادي الشعير لن تمر

أحمد يوسف

الضفة – خاص قُدس الإخبارية: "أراضينا ليست للبيع ولا للتأجير".. على هذا المبدأ اتفق العشرات من سكان قرى عنبتا ورامين وبزاريا وبرقا وكفر رمان شمال الضفة، معلنين في وثيقة شرف موقفا موحدًا رافضا لمحاولات شركة سند الإنشائية استملاك أراضيهم لإقامة مشاريع اقتصادية.

مشروع مصنع الاسمنت، بات الشغل الشاغل لأصحاب أكثر من 2200 دونم في قرى تقع على الخط الرئيسي الواصل بين محافظات نابلس وجنين وطولكرم، بعد أن أعلنت شركة سند في صحيفة القدس المحلية قبل نحو أسبوع نيتها استملاك هذه الأراضي بهدف إقامة المشروع عليها.

ليست للبيع

أصحاب الأراضي فوجئوا بالإعلان المذكور وسارعوا للبحث عن أرقام الأحواض الواردة فيه والتأكد من أنها لهم، لتقوم بعد ذلك هبة جماهيرية تدحرجت سريعا رفضا لمحاولات الاستملاك لأسباب عديدة.

وتقول ناديا ملحم وهي من المتضررين، إنها تملك 24 دونما من الأراضي المستهدفة، وهي قريبة من الشارع الرئيسي ومشجرة ويتم استخدامها باستمرار، مبينة، أن كافة الأراضي المقصودة في المنطقة إما مشجرة أو مستصلحة أو أراضٍ يبحث أصحابها عمن يصلحها لهم.

وتضيف ملحم لـ قُدس الإخبارية، أن الاحتجاج أولا على فكرة الاستملاك، وفرض بيع الأراضي كاستثمار، فالمفروض على هذه الشركة أن تسعى لإقناع أصحاب الأراضي بالبيع، لا أن تنشر إعلانا دون أن تسأل أصحاب الأراضي كما لو كانت تحاول فرض أمر واقع وبالسعر الذي تريده.

وتؤكد، أن أصحاب الأراضي يرفضون البيع قطعيا، فالحديث عن أراضٍ تحوي أشجار زيتون قديمة بينها شجر رومي، يحافظ أصحابها عليها منذ عقود ويعتمدون عليها في إنتاج مؤونتهم من الزيت سنويا، أو يستخدمونها كمصدر رزق لهم من خلال بيع أطنان من الزيتون ينتجونها في كل عام.

هذا الموقف أكدت عليه أيضا مديحة الأعرج؛ وهي صاحبة أرض متضررة من المشروع وتبلغ مساحتها 25 دونما، مبينة، أن الأراضي المستهدفة مصنفة "أ" و"ب" وفقا لاتفاقية أوسلو، ما يعني أنها الامتداد الطبيعي للقرى الخمسة المذكورة.

وتضيف لـ قُدس الإخبارية، أن الأرض مزروعة باللوزيات والزيتون، وهي منطقة خضراء من أجمل مناطق فلسطين، وسيتم تحويلها إلى منطقة صناعية تلحق أضرار بالهواء والمياه الجوفية والأشجار والزراعة.

[caption id="attachment_73606" align="aligncenter" width="600"]الاراضي مزروعة بالزيتون واللوزيات وتنتج أطنانا من الزيت الاراضي مزروعة بالزيتون واللوزيات وتنتج أطنانا من الزيت[/caption]

وتشدد الأعرج، على أن هذا المشروع لن يمر، وأن أصحاب الأراضي ملتزمون بوثيقة الشرف التي وقعوها وتنص على رفض البيع أو التمليك أو التأجير، وقد تم نصب خيمة اعتصام دائم على مدخل أراضي عنبتا للاعتصام الدائم ضد المشروع، مضيفة، "هذه أراضينا حميناها من الاستيطان بصمودنا وستبقى لنا للأبد".

ويضم النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة صوته لصوت أصحاب الأراضي، مؤكدا أنه لا يجوز تمرير المشروع أو القبول به، وأن لا أحد من أصحاب الأراضي يملك مساحات واسعة تخوله بالموافقة على البيع، فلو باع أحدهم لن يقبل الآخر وبالتالي فالمشروع لن يمر.

وقال خريشة لـ قُدس الإخبارية، إن الأهالي لم ينسوا أيضا التاريخ الأسود لصندوق الاستثمار الذي يعد المالك الحقيقي لشركة سند وانعدام الثقة الجماهيرية به وبالقائمين عليه، مضيفا، أن المشروع مصلحة شخصية وليس منفعة عامة، وعلى مدير صندوق الاستثمار محمد مصطفى ووزير الاقتصاد جواد ناجي أن يحكما ضميريهما تجاه القضية.

[caption id="attachment_73608" align="aligncenter" width="480"]خيمة اعتصام دائمة في الأراضي المستهدفة خيمة اعتصام دائمة في الأراضي المستهدفة[/caption]

أضرار بيئية

ولا تقتصر المخاوف هنا على الأراضي أو الأرزاق أو الأشجار المزروعة، بل تمتد للخوف على صحة الأبناء من الأمراض القاتلة التي ستلحقها بهم هذه النشاطات، كما يقول أصحاب الأراضي.

وتوضح ناديا ملحم، أن المشروع المستهدف ليس مصنعا للاسمنت فقط، بل مقالع ومطاحن ستقام على حساب الامتداد الطبيعي لهذه القرى، وعلى بعد عشرات الأمتار فقط عن منازل مسكونة في بعضها، فيما أثر هذه المشاريع يصل لخمس كيلومترات هوائيا.

ويوم الأحد؛ زار وفد من شركة سند محافظة نابلس والتقى المحافظ أكرم الرجوب، وخلال اللقاء تحدث نائب المدير التنفيذي في شركة سند سعيد دويكات مؤكدًا أن المشروع سيكون دائرة مغلقة وسيقام بأحدث الآليات لمنع أي أضرار.

لكن ناديا ملحم ردت على هذه التوضيحات بالقول إن كل الأبحاث التي تم إجراؤها حول الأمر أكدت عدم صحة هذا الكلام، خاصة في ظل القرب الكبير للمشروع من المناطق السكنية، مضيفة، لماذا تم نقل جميع المشاريع المشابهة من المناطق السكنية في "إسرائيل" وغيرها لو لم تكن ضارة؟

أما المحافظ الرجوب، فرأى أن الضجة الإعلامية حول هذا الموضوع مفتعلة، لأن المشروع لم يمر ومجلس الوزراء لم يوافق عليه بعد، فيما ردت ملحم قائلة إن أصحاب الأراضي لن ينتظروا حتى تتم الموافقة عليه للاعتراض، مضيفة، أن الحراك بدأ من الآن لإيصال رسالة لمجلس الوزراء بأن المشروع لا يمكن أن يمر.

ودعت ملحم المحافظ الرجوب لزيارة الأراضي المستهدفة شخصيا، والاطلاع على المشروع والمناطق التي سيقام فيها، مؤكدة أنه لو فعل ذلك فسيدرك خطورة المشروع وسيعترف بحق أصحاب الأراضي في الاعتراض.

[caption id="attachment_73607" align="aligncenter" width="501"]الاهالي لن يبيعون الاهالي لن يبيعوا أراضيهم[/caption]

ويعلق النائب حسن خريشة، بأنه لا يمكن بناء المشروع على هذا الأراضي لأن طولكرم تعاني بيئيا بسبب مصانع المستوطنات من الغرب، وفي حال تم إقامة هذا المشروع من الشرق فإن الوضع سيكون كارثيا.

ويشير خريشة إلى مصنع "الفحيص" المشابه في الأردن، والذي كان قد أقيم في العقبة ثم نقل منها إلى منطقة غير مأهولة، ما يؤكد أن هذه المشاريع ضارة ولا يصح إقامتها في مثل منطقة وادي الشعير، مضيفا، "أنا أنصح أصحاب المشروع أن يبحثوا لهم عن مكان آخر لأن محاولتهم في وادي الشعير لن تنجح".

مخالفة قانونية

ويعني الاستملاك في القانون أن يتم شراء الأراضي من أصحابها بقوة القانون، بحيث لا يملك صاحب الأرض الحق في رفض البيع، لكنه يحتفظ بحق الاعتراض على السعر المطروح.

ويوضح المحاضر في دائرة القانون بجامعة النجاح اسحق البرقاوي، أن تقديم طلب بالاستملاك هو حق للدولة والبلديات والجهات العامة غير الربحية ولا المملوكة لأفراد، ويتم طلبه في حال الرغبة بإقامة مشروع للمنفعة العامة، أي أنه غير ربحي ولا مملوك لأفراد، مثل مستشفى أو مدرسة أو ماشابه.

ويضيف البرقاوي وهو ممثل عن أهالي وادي الشعير، أن شركة سند مملوكة لخمسة أشخاص ومشروعهم ربحي بحت سيعود بالمنفعة عليهم وحدهم، ما يجعل طلب الاستملاك من جهتهم غير قانوني لسببين، الأول أن المتقدم به لا يحق له الاستملاك، والثاني أن المشروع لا تتوفر فيه شروط المشاريع التي يجب الاستملاك لأجلها.

ويشير في حديثه لـ قُدس الإخبارية، إلى أن قانون الاستملاك في وضعه الحالي خطير جدا، لأن القانون ذاته في الأردن تم تعديله بما يمنح صاحب الأرض في الاعتراض على إلزامه ببيعها باعتبار قرار استملاك أرضه هو قرار إداري غير محصن، لكن ذلك لا يحدث في فلسطين.

ويقول البرقاوي، إن الموقف المتوقع من الحكومة هو رفض المشروع لعدم قانونيته، بالإضافة للأضرار التي سيسببها في المنطقة، ولاعتراض أعداد كبيرة من الأهالي عليه، مضيفا، أن أهالي المنطقة اتخذوا قرارًا برفض المشروع وعدم تمريره في كل الأحوال.

يشار إلى أن مجلس الوزراء سيعقد غدا الثلاثاء جلسته الأسبوعية الاعتيادية، ويترقب أهالي المنطقة هذه الجلسة متأملين أن تخرج بقرار يرفض طلب شركة سند وينهي الأزمة.