شبكة قدس الإخبارية

كابوس اسمه تحرير فلسطين

أحمد يوسف

أعادت رسومات كاريكاتيرية مؤخرًا رش الملح على الجرح الذي يأبى أن يندمل منذ سنوات، بل مازال يواصل التوسع في الجسد الفلسطيني منذرًا بغرغرينا واسعة في كافة أعضائه. والمؤلم هنا أن يصبح الحلم الفلسطيني الأكبر بالتحرر كابوسًا أسودًا.

ليس جديدًا علينا تورط بعض صحافتنا في التحريض على حزب لصالح حزب طوال السنوات السبع الماضية على الأقل، لكن الجديد هو تورط الفن والصحافة معًا في التحريض على منطقة لصالح الاحتلال لا سواه، وهو ما شاهدناه في ثلاث رسومات كاريكاتيرية جاء أحدها لتصحيح الفضيحة في سابقه فزاد الطين بلة.

أما الرسم الأول؛ فهو لرسام اشتهر برسوماته الساخرة من الانقسام السياسي والمناهضة للاحتلال، علاء اللقطة سقط لا أدري إن كان سهوًا أو عن قصد في وحل التحريض المناطقي، فقدم شخصًا أشار إلى أنه الضفة الغربية وهو يتناول "الأرجلية" فيما قبة الصخرة تحترق، ويتساءل عن دور المقاومة في قطاع غزة.

08144767310010091434021827337185

والحقيقة أن هذا الرسم حمل شيئًا من الصواب لكنه أخطأ وصف الحالة ووقع في خطيئة التعميم، ففي الضفة بالفعل من ينتقدون المقاومين في غزة إذا توقفوا عن المقاومة، وإذا قاوموا بتهمونهم بجر الشعب الفلسطيني في غزة إلى ويلات الحرب من أجل مصالح شخصية، غير أن هذه الحالة ليست عامة أبدًا، ففي الضفة أيضًا من وقف بصلابة وعن وعي خلف المقاومة ولم يلمها لا في الحرب ولا التهدئة. وهنا نقول كان يكفي أن يمتنع رسامنا عن كتابة "الضفة الغربية" إلى جوار الشخص الذي يتناول الأرجيلة، لتكون فكرته دقيقة وصادقة.

لكن وبعد أيام من هذا الرسم، جاء رسم كاريكاتيري آخر ليشغل الناس عن خطأ اللقطة، وربما كان ذلك من حظ الأخير، فقد صور بهاء ياسين حاخامًا إسرائيليًا يغتصب سيدة قصد بها الضفة ويقتل أبناءها، فيما هي ترفض دعوة رمز من قطاع غزة للنهوض والمقاومة بذريعة أن ليس معها تصريح.

قامت الدنيا ولم تقعد بعد هذا الرسم، وتركز الهجوم على جانبين؛ أولهما تبني صحيفة حمساوية للرسم الذي جاء من رسام معروف بتأييده لحركة حماس أصلاً، وثانيهما أن الرسم أساء لنساء الضفة وشرفهن، وقد دفع هذا الهجوم الصحيفة لحذف الرسم والاعتذار عنه، كما دفع الجهات الرسمية في غزة (التابعة لحماس) لمحاولة امتصاص غضب الجمهور بتعهد محاسبة الرسام.

أما الرسام فقد اندفع محاولاً تبرير موقفه، بل إنه شارك منشورًا عبر "فيسبوك" لكاتب مقيم في بريطانيا، استغل الموقف للهجوم على حركة فتح، وبينما كان صحفيون قد انشغلوا بعقوبة الجهات المختصة المنتظرة، والجدل حول هذه العقوبة إن كانت مناسبة أم أنها تعد انتهاكًا للحريات وللصحافة، (أتحفنا) الرسام ذاته بكاريكاتير آخر يحمل الفكرة ذاتها مع تغيير مكونات الرسمة.

هذه المرة استبدل الرسام المرأة بشجرة، وأكد على الحاخامات والمستوطنين وحرق المساجد والمنازل، فيما السلطة الفلسطينية التي وقفت تراقب الاغتصاب في الرسم الأول كانت هي من تعطي المستوطنين (الإذن) بارتكاب الجريمة.

11222085_407274136145213_5684961665582553785_o

على أي حال؛ ومن كل ما سبق يمكن استنتاج خطأين فادحين وقع فيهما كل من انتقد الرسومات الثلاث، أما الأول فهو أن رسم بهاء ياسين الأول لم يُقصد به أبدًا نساء الضفة، بل كان القصد أن الضفة ذاتها هي من تعرضت للاغتصاب، وبذلك فإن الاحتجاج سار بالاتجاه الخاطئ تمامًا.

أما الخطأ الثاني؛ فتمثل في أن من ردوا على الإساءة من الضفة أو غزة، ركزوا على استرجاع أمجاد الضفة وكبار قادتها واستشهادييها وغير ذلك مما قدمته الضفة طوال عقود؛ دون أن يعلموا أنهم وقعوا في خطيئة التقسيم المناطقي ذاتها من حيث لا يشعرون.

ولمن لا ينتبه ممن نصروا الرسامين أو انتقدوهم؛ فإن الخطأ الكبير كان في هذا التقسيم تحديدًا، في أن يتحدث فنان ويتبنى حديثه صحفي عن الفرق بين الضفة وغزة، أن يسأل ماذا فعل هؤلاء وبماذا قصر أولئك، أن يتحدث بلغة نحن وهم، أن يتهم منطقة ويبرأ أخرى، أن ينتصر لمدينة أو منطقة ويهاجم سواها.

الخطأ الكبير في أن نغرق أكثر في الانقسام السياسي ونحوله إلى انقسام اجتماعي ومناطقي. ألم يحاول هؤلاء قبل أن يفعلوا فعلتهم سؤال أنفسهم؛ ماذا سنجني من التحريض على قسم من الوطن؟! ألم يجد هذا الرسام "المتدين" من يذكره بقول الرسول عليه الصلاة والسلم: "الفتنة نائمة لعن الله موقظها"؟!

أذكر أننا قبل عقد أو أكثر من الزمن، كنا نقول إن (عرب إسرائيل) انخرطوا في (المجتمع الإسرائيلي) وصاروا منه، وكذلك فعلنا بعد بناء الجدار فصرنا نقول الضفة والقدس، ثم جاءنا الاقتتال الداخلي كابن بكر للانتخابات التشريعية (الديمقراطية) عام 2006، فصرنا نقول حمساوي وفتحاوي، إسلامي وعلماني ويساري، ثم داهمتنا تخمة رام الله بالمؤسسات الحكومية والأهلية، فصرنا نقول رام الله وأهل الشمال، وها نحن نمعن في التقسيم أكثر فنقول ضفة وغزة، ونسأل: ماذا فعلتم أنتم؟ هل قدمتم مثل ما قدمنا؟ أين كنتم عندما كنا؟..الخ

هل جرب أحدنا أن يتخيل ما سيكون عليه الحال لو تحررت فلسطين غدًا أو بعد غد؟! أو لنقل لو أن الاحتلال قرر فجأة انفصالا أحادي الجانب، فقال لنا هذه غزة والضفة خلف الجدار خذوها وأقيموا دولتكم؛ ماذا سيحدث؟! هل من حوار آخر غير الرصاص سيجمع من فرقتهم السنوات الماضية؟! ألا يذكر هؤلاء حجم البشاعة والموت التي حملتها المعارك المسلحة بين حماس وفتح عام 2007، ألا يحاولون تخيل ما سيحدث لو تحول هذا الاقتتال إلى مناطقي أو عشائري؟!

إن إجابات هذه الأسئلة تجعلني أرى الحرية كابوسًا بالفعل! وتجعلني أتمنى بصدق دوام الاحتلال! فأن نقتل برصاص أعدائنا أهون ألف مرة من أن نقتل بعضنا بعضًا. لكنني أتساءل: إلى متى؟! أليس منا رجل رشيد؟!