شبكة قدس الإخبارية

تحت أي راية ندخل فلسطين محررين؟

إياد الرفاعي

النقاش هو الوسيلة المتحضرة الرائجة  بين البشر، لتقريب وجهات النظر، والتوصل لحلول وسطية ترضي طرفي القضية، أو لخلق أفكار جديدة للإرتقاء بحالة معينة، وبالتالي تطور المجتمعات البشرية، وتمكين الحريات ما بين الأفراد ومؤسسات الدولة المختلف.

من ناحية فلسفية اعتبر سقراط اليوناني  الحرية  بمفهومها العريض بأنها "تمكن الناس من  مناقشة جميع المسائل دون رقابة سلطوية"، وهذا ما لا يمكن أن تجده في أي منزلٍ من  الشّـامِ لبغدان، ولا من نجدٍ إلى يمنٍ، ولا بمِصـرَ فتطوانِ..

فقد تعرضت هذه الوسيلة  لهزة كبيرة أفقدتها قيمتها في المجتمعات العربية بشكل عام، بعد اندلاع  "ثورات الربيع العربي"، التي أفاضت من دماء العرب ما وصل إلى الأعناق، فاختنقت الحناجر، وضاقت بالكلمات، ووسعت السجون  بشكل احترافي يتمنى فيها السجين أن يكون حيوانًا في زريبة ما، على أن يكون معتقلًا على خلفية الرأي بإحدى هذه السجون، الأمر الذي جعل النقاش وحرية التعبير أرخص من رصاصةٍ تقتل متظاهرًا في ميدان عاصمة عربية، أو أضيق من قيدٍ يحيط بيدي عالمٍ بأحد أقبية الزنازين.

أما في مدينة أفلاطون الفاضلة فإنه يقول "كل إنسانٍ حرٌ في ترتيب وتنظيم حياته بالصورة التي تناسبه تحت قانون ينطبق على الجميع"، لا أريد أن أتطرق لموضوع القانون وفلسفته العامة، بقدر حاجتنا للغوص في قانون الفرد الداخلي، الذي أصبح أشد ظلمًا من أنظمة حكم كثيرة ثارت عليها شعوب العالم أجمع، وهنا تأتي فلسطين قضية أحرار العالم، كما كنا نتوهم، قبل أن تكشف عورات التعصب في الوطن العربي.

فلسطين قبل أحداث الإنقسام الفلسطيني (2007) المؤسف،  كانت الحرية  فيها تتسع لكل شهداء الأرض، هذه الحرية العظيمة التي لا تتناقض مع احتلال هذه الأرض منذ عقود، فقد كان الفلسطيني حرًا حتى بتقديم نفسه شهيدًا تحت أي راية يريد، أما اليوم، فطبعت صورة مقيتة في ذهن الأجيال، تحرم من قدم روحه لفلسطين، أن تزف جثته إلى مثواها الأخير، تحت راية الفكرة والطريق التي كان يؤمن بها كدرب تحرير ونضال.

المحزن والمخزي أيضًا، أن هنالك صحافيون كثر، ونخبٌ مثقفة في فلسطين – أو كما تطرح نفسها-، تعتبر أن التعددية الحزبية واختيار الشهيد تحت أي راية يرغب أن يوارى جسده الثرى، نوع من أنواع الفرقة الوطنية، وتفكك الجسد النضالي الفلسطيني، ضاربين بتضحيات وإنجازات هذه التنظيمات الفلسطينية بعرض الحائط، الأمر الذي تسعى إليه دولة الاحتلال.

التنظيمات التي قاتلت بسيف هذا الشعب طوال سنين وعقود، اليوم وبعد سنوات عجاف من الانقسام، أصبحت هي الآن عامل الهدم لبناء القضية بحسب آراء هذه النخب "المثقفة" التي أثرت على جمهورها العريض، الذي أصبح يستهجن رؤية مظاهر الانتفاضة الفلسطينية، ورايات الأحزاب العريقة ترفرف في ميادين فلسطين، وأصبح بنظرهم ظل علم فلسطين هو طريق الشهيد الوحيدة إلى الجنة، وطريق من بعده نحو فلسطين التاريخية.