بيت لحم – خاص قُدس الإخبارية: ست سنوات بين عيار ناري ورصاصة "دمدم" المحرمة دوليًا، القدم ذاتها كانت الهدف، كأنما الرصاصة الأولى لم تكن كافية لتخريب حياة نضال محمد عبيد (24 عامًا) فجاءت الثانية لتكمل المهمة.
ففي عام 2008، أصيب نضال وهو من مخيم الدهيشة في بيت لحم برصاصة حية أسفل قدمه اليمنى، مسببة له عجزًا بنسبة 44% يحاول نضال تجاهله وتجنب العرج خلال مشيه لعدم الاستسلام لإصابته، لكن العناء لم يكن ليتوقف عند هذا الحد.
حاول نضال متابعة حياته بشكل طبيعي بعد الإصابة فانتسب لجامعة القدس المفتوحة، وشارك والده في عمله الخاص بالمخيم، لكن الاحتلال عاد ليفسد حياته باعتقاله عام 2013، واحتجازه في أقبية التحقيق لشهر ونصف بذريعة وجود ملف سري ضده.
ويقول نضال، إن الاحتلال استخدم خلال فترة التحقيق هذه أساليب تعذيب نفسية وجسدية، كان منها ضربه بشكل مبرح في مناسبتين، إحداها بسبب ركله للمحقق بقدمه، والأخرى بسبب رفضه الجلوس على "جهاز كشف الكذب" خلال التحقيق معه، بعد موافقته عليه أول الأمر لاعتقاده بأنه مجرد أسلوب للسخرية منه من قبل المحقق.
وتعرض نضال لاعتداء ثالث في سجن "مجدو" خلال اعتقاله لأسبوع في غرف "العصافير" – عملاء للمخابرات يتظاهرون بأنهم أسرى ومقاومين - حيث تظاهر نضال خلاله بعدم معرفته بحقيقة شخصياتهم، وفي ختام الأسبوع اتهمه "العصافير" بأنه عميل للمخابرات، ليعلن بصراحة علمه باللعبة منذ اليوم الأول، وينتهي الأمر بالاعتداء عليه ونقله.
أفرجت سلطات الاحتلال عن نضال بعد ذلك لعدم ثبوت التهم الموجهة إليه، لكن وبعد أشهر فقط وخلال اقتحام جيش الاحتلال لمخيم الدهيشة ومحاولة الجنود اعتقال أحد الأطفال هناك، وقعت مشادات مع نسوة وأطفال في المخيم، تطورت إلى مواجهات تخللها إطلاق رصاص بشكل عشوائي، ثم إصابة نضال في فخذ قدمه اليمنى.
تفجرت الرصاصة في الفخذ، ونقل نضال إلى مستشفى ببيت لحم لتلقي العلاج، ومنه إلى مستشفى آخر في الخليل بعد تعذر تقديم ما يحتاجه في المستشفى الأول، وهناك تم تركيب جهاز خاص في قدمه بهدف استقرار قدمه على حالة معينة ليبدأ بعدها العلاج، وعلى إثر ذلك تم منعه من الحركة لمدة ستة أشهر.
تقصير رسمي
ويوضح نضال، أن الجهات المختصة رفضت دفع تكاليف هذا الإجراء رغم امتلاكه لتأمين جرحى انتفاضة، بعد إصابته الأولى يجيز تغطية كامل المصاريف، مضيفًا، أن شقيقه دفع 5 آلاف شيكل بشكل نقدي، وقدم شيكًا بخمسة آلاف شيكل أخرى، مقابل السماح له بمغادرة المستشفى.
بعد نحو ستة أشهر، بدأت المحاولات لتحويل نضال إلى مستشفى المقاصد في القدس بهدف إجراء عملية لأزالة الجهاز وزراعة عظم، لكن سلطات الاحتلال أصرت على رفض كافة الطلبات بذريعة أن نضال ممنوع من دخول المدينة لأسباب أمنية، وقد أدى الانتظار إلى تدهور وضع قدم خالد وإفرازها للمدة وإبلاغه بضرورة الإسراع في إجراء الجراحة.
على إثر ذلك، تم تحويل نضال إلى مجمع فلسطين الطبي في رام الله منتصف العام الماضي، وإجراء جراحة تم خلالها استخدام عظم في حوضه لزراعته في قدمه. ويقول نضال، إنه فقد الإحساس بقدمه تمامًا بعد العملية، وأن الطبيب أبلغه بأن ذلك سببه "شد عصب" وسيزول تدريجيًا ليتحسن تمامًا بعد ستة أشهر.
ويضيف، أنه عاد لمنزله بعد أسبوع من العملية، ثم أجرى تخطيط عصب تبين على إثرها أن قدمه مشلولة عصبيًا، وأبلغه أخصائي أعصاب بحاجته لعدة عمليات جراحية في أعصابه، وهو ما نفته لجنة طبية في مجمع رام الله الطبي مؤكدة أنه سيتماثل للشفاء خلال المدة المحددة، وأبلغته بضرورة الحصول على جلسات علاج طبيعي في قدمه.
خضع نضال لجلسات العلاج الطبيعي في جمعية الرعاية العربية ببيت لحم، وقد استمر خلال تلك الفترة توقفه عن العمل والدراسة، لكن حادثًا جديدًا فاقم من معاناته وسوء حالته، حيث تسبب "مدفأة حطب" في منزله باحتراق قدمه، ويوضح نضال أنه لم يشعر باحتراق قدمه لأن الأعصاب فيها ميتة تمامًا، وأن والدته هي من لاحظت احتراقها ليتم نقله فورًا الجمعية العربية.
ويبين، أن الأطباء في الجمعية اتخذوا كافة الإجراءات اللازمة للجرح وأنقضوا قدمه من القطع ومن الإصابة بغرغرينا، إلا أن الجهات المختصة رفضت دفع تكاليف العلاج مرة أخرى معللة ذلك بأن المستشفى خاص وغير حكومي، فيما سمحت الجمعية لنضال بمغادرتها دون مطالبته بأي تكاليف.
تجددت المحاولات لتحويل نضال إلى مستشفى المقاصد في القدس وتكللت بالنجاح قبل ثمانية أشهر، لكن العملية التي أجريت لقدمه لم تثمر عن أي نتائج حتى الآن، ما دفع نضال للعودة إلى مجمع رام الله الطبي وطلب تدخلهم دون أن يجني أي فائدة، قبل أن يتوجه إلى وزارة الصحة طالبًا المساعدة.
ويبين نضال، أنه طلب المساعدة من الوزارة كحالة إنسانية لا كجريح و"دون تحميله لأحد منية إصابته برصاص الاحتلال"، وفق تعبيره، لكن الأمر انتهى كما يقول بطرده من مكتب أحد الموظفين ما تسبب بمشادة حادة بينهما، قبل أن يحصل من الوزارة على وعد بتغطية علاجه لو حصل على موافقة من أي مستشفى باستقباله.
ويضيف، أن أطباء مختصين نصحوه بالتوجه إلى ألمانيا، وقد راسل عن طريق معارف وأصدقاء مستشفى هناك وحصل منه على الموافقة المطلوبة، إلا أن الجهات المختصة ما زالت تتنصل من دفع تكاليف العلاج، موضحًا، أن أصدقاء له اقترحوا عليه إغلاق شارع القدس – الخليل إلى حين حضور أحد المسؤولين وإنهاء مشكلته.
لكن نضال يؤكد للمرة الثانية، "بديش أحمل حد جميلة إني جريح انتفاضة"، ويرفض إغلاق الطريق وتعطيل مصالح أبناء شعبه للمطالبة بحقه، مضيفًا، أنه مازال متعلقًا بوعود بالحل يحصل عليها من هذه الجهة أو تلك لإنقاذ قدمه من القطع.
ويقول، "تخيل إنك كل ليلة بتطلع ع رجلك وبتسأل حالك يا ترى من أي جهة رح يقطعوها؟!.. ولما بتصحى الصبح بتشكر الله إنها لسا ما انقطعت".