رام الله – تحقيق: دانية دسوقي، صوفيا دعيبس: كغيره من تجار التمور الفلسطينيين، يعمل سليم في تغليف وبيع التمور كمصدر رزق رئيسي له و لأسرته، فينتظر بداية شهر رمضان من كل عام نظرًا لارتفاع نسبة الطلب على التمر في هذا الوقت من العام، بحيث تبلغ كمية استهلاك التمور في السوق المحلي حوالي 4000 طن حسب الإحصاءات السنوية.
وعلى الرغم من أنها تصنع بجودة تتفوق على المنتجات المستوردة في ظل واقع سياسي واقتصادي غير مستقر، يقف سليم مكتوف اليدين أمام العوائق التي تحد من فرحته بقدوم الموسم والتي تتمثل بشكل رئيسي بتهريب سلع إسرائيلية خاصة من المستوطنات إلى داخل المناطق الفلسطينية، ما يؤدي إلى كساد عدد كبير من المنتجات خاصة؛ مع محاولات المصانع لتغليف المنتجات المهربة بغلاف مشابه وقريب للمنتج الفلسطيني حتى لا يستطيع المستهلك التمييز بين المنتج المحلي والمهرب.
على خلفية ذلك؛ أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا يقضي منع حيازة منتجات المستوطنات وتداولها، فيما أكد القائم بأعمال مدير عام حماية المستهلك إبراهيم القاضي أن قانون مكافحة منتجات المستوطنات هو قانون صدر في العام 2010 يجرم ويمنع تسويق منتجات المستوطنات المقامة على أراضي 1967 في السوق الفلسطيني، و يتم تطبيق هذا المرسوم بضبط المنتجات من قبل حماية المستهلك و الضابطة الجمركية واحالتها الى نيابة الجرائم الاقتصادية و من ثم الى القضاء.
حتى الان وبعد خمسة سنوات من القرار، تم إتلاف منتجات أثبتت أنها من المستوطنات بقيمة تقدر بخمسة ملايين شيكل، و في العام الحالي في شهر كانون الثاني تم ضبط منتجات بقيمة 27.82 مليون شيكل، وفي شهر شباط تم ضبط منتجات بقيمة 23.9 مليون شيكل.
ومثال على عمليات الضبط والإتلاف: قضية إتلاف بطيخ مستوطنات تم ضبطها في أريحا وتم بموجبها تشكل لجنة مكونة من دائرة حماية المستهلك والضابطة الجمركية والزراعة لمتابعة إجراءات الإتلاف.
من جانبه، قال وكيل نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية محمد حسين إنه بناء على المادة (4) من دليل قانون حظر ومكافحة منتجات المستوطنات الصادر في العام 2014 فإن "كافة منتجات المستوطنات تعتبر سلعاً غير شرعية وتحدد بموجب قائمة تصدر بقرار من المجلس، ويحظر على أي شخص تداول منتجات وخدمات المستوطنات، كما يحظر على أي شخص تقديم سلعة أو خدمة للمستوطنات".
وبناء على المادة (13) تحت عنوان إتلاف السلعة" إذا ثبت أن السلعة المتحرز عليها من منتجات المستوطنات فيتم إتلافها وتبيت واقعة الإتلاف بمحضر إتلاف رسمي موقع من لجنة إتلاف يشكلها الوزير لهذه الغاية ".
التاجر الفلسطيني: متنصل من القانون أم ضحية له؟
بطلب من وزارة الاقتصاد و حماية المستهلك، لا يسمح نشر أسماء التجار الذين يتم ضبط منتجات مستوطنات بحوزتهم علناً، لذلك سيتم إدراج اسماء مختصرة لبعض منهم.
لا تزال نسبة التهريب قائمة و بمساعدة من تجار فلسطينين وسائقي سيارات فلسطينين، فقال التاجر المهرب (أ.ع) من رام الله، "أنا أضطر لتهريب البضائع لرخص ثمنها و مردودها السريع علي لعدم ثقة المستهلك الفلسطيني بالمنتجات الوطنية".
أما السائق (ع.م) فقال، "أنا أعرض حياتي للخطر بإدخال سياراتي لداخل المستوطنات مثل مستوطنة بركان لشحن البضائع، إلا أني أحصل على مقابل يعيل أسرتي و ابني المريض"، علمًا أن السائق (ع.م) قد تم ايقاف سيارته مرتان ومصادرتها لستة أشهر في كل مرة حسب مصدر من الضابطة الجمركية.
فيما قال التاجر (أ.ح) من نابلس أنه قد صودرت عدة بضائع من مخزنه وخسر مبالغ مالية كبيرة بفعل تهمة ضده بتهريب بضائع المستوطنات، فلم ينكر التاجر أن مخزنه كان مليء بمنتجات المستوطنات، إلا أنه لم يكن على دراية بصدور قرار حكومي يجرم تداول منتجات المستوطنات.
إلا أن ابراهيم القاضي أكد على أن حماية المستهلك وبوجود كادر من الضابطة ومتطوعين شباب كانوا قائمين على عدد من الحملات التعريفية بالقرار، أهمها حملة "من بيت لبيت" وهي كانت بزيارة لبيوت الأهالي مع توزيع منشورات و دليل يعرف المستهلك على بضائع المستوطنات، و حملة "من محل لمحل" و هي حملة تعريفية للتجارة بالالتزام بالقرار مع دليل فيه منتجات المستوطنات أيضا.
أما عن التاجر (ع.م) من رام الله فقال، "أنا أتعرض لتلابس دائم بحيث لا أستطيع التعرف على البضائع إن كانت مستوطنات أو إسرائيلية الصنع من مناطق الداخل المحتلة، فالدليل لا يذكر كافة بضائع المستوطنات"، وهو ما أكد صحته وكيل نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية محمد محسن قائلا إن الدليل لا يوجد فيه كافة منتجات المستوطنات، الأمر الذي يضطرنا إلى إسقاط عدد كبير من القضايا بفعل ذلك.
و قال القائم بأعمال مدير عام حماية المستهلك ابراهيم القاضي، إن حماية المستهلك تواجه مشكلة تتمثل بأن العديد من المستوطنات تعمل على تغيير المقاصة – الفواتير و أماكن الإصدار- لتظهر على أنها من الداخل المحتل و ليست مستوطنات ، الأمر الذي يجعلنا مقيدي الأيدي و لا نستطيع اتخاذ أي اجراء ضد البضاعة أو التاجر.
منتصر دودين، شاهد على مداهمة مخزن لبضائع المستوطنات في الخليل، قال إن العملية شارك فيها أربعة عناصر من الضابطة الجمركية فقط، بالرغم من الحاجة لعدد أكبر لفحص المخزن والتحقق من خلوه من منتجات المستوطنات.
وعلق مدير عام دائرة المكافحة والتفتيش في الضابطة الجمركية المقدم لطفي أبو ناصر قائلاً، إن الضابطة تعمل على مدار 24 ساعة لضبط ما تستطيع من تهريب للمنتجات، موضحًا، أنها تحتاج لعدد أكبر من الموظفين للسهر و العمل ، فالعديد من الموظفين كغيرهم من العساكر ينتهي دوامه مع انتهاء فترة الدوام الرسمية التي تكون أسبوع عادة ليعود لمنزله مع الحق في عدم السهر الليلي و لكن ضرورة الحضور عند الاستدعاء في أي وقت.
وبين أبو ناصر، أن عدد الطاقم كاملا في الضفة الغربية لا يتجاوز 400 شخص ومن ضمنهم الحراسة والمدراء، فيعمل منهم 40 فقط في منطقة رام الله وقراها ليصل عددهم حوالي 20 مع نهاية اليوم. بالإضافة إلى 20 إلى 22 سيارة للضابطة تعمل في جميع المحافظات أي بمعدل سيارتين خاصة بأعمال الضبط في كل محافظة نظراً لغياب قرار رئاسي بزيادة الطاقم.
وأضاف لطفي، بأن الضابطة تعتمد بشكل رئيسي على المعلومات التي تتلقاها من المندوبين والتجار وليس فقط على العمل الميداني، بحيث تقوم بحجز المنتجات وإحصائها إن وجدت ومن ثم التأكد من شهادة الفاتورة والصلاحية والأوراق الرسمية الخاصة بها ، ومن ثم أخذ إفادة التاجر لتسجل في محضر ضبط ومحضر اقتصادي، وبعد ذلك يتم التحويل النيابي بانتظار الاجراءات القانونية.
وأكد المقدم أن الضابطة تنسق مع الجهات الرسمية والحكومية فقط، ولا تتعاون مع حملات المقاطعة مثل حملة المقاطعة الصادرة عن اللجنة الوطنية لمقاطعة منتجات المستوطنات لأنها تعتبر حملة شعبية تماماً مثل حملة مقاطعة المنتجات الاسرائيلية.
وأشار إلى سيطرة الاحتلال على المعابر و"مناطق ج"، بحيث لا تستطيع الضابطة الدخول اليها و مداهمة سائقي سيارات الا بوجود تنسيق مع الاحتلال، الأمر الذي يصعب حصوله في العديد من الأحيان، مبينًا أن الضابطة تحاول انتظار خروج السيارات المشتبهة الى منطقة (أ) لتتمكن من التأكد من عدم تهريبها لمنتجات مستوطنات إلى المتاجر في الضفة، لكنها تحت
المعيق الأساسي الوعي أم الاجراء؟
بعد مقابلة عدد من المختصين والقائمين بأعمال الحكومة في الأقسام المختصة بمقاطعة منتجات المستوطنات، اختلفت الآراء بما يتعلق بتشخيص المعيق الأساسي الذي يحول دون خلو الأسواق الفلسطينية تماماً من منتجات المستوطنات.
وأشار إبراهيم القاضي إلى وجود العديد من الأسباب التي تضعف صرامة ونجاح قانون مكافحة منتجات المستوطنات، أولها قلة الوعي لدى المواطنين الفلسطينيين بأهمية دعم المنتج الوطني لكونه من أهم السبل التي يمكن من المواطن اتخاذها نحو دعم اقتصاد فلسطين و تقويته في وجه الاحتلال.
ويتمثل السبب الثاني في إضعاف صرامة القانون وفقًا للقاضي، في انعدام السيطرة على المعابر وهيمنة الاحتلال الكاملة عليها، الأمر الذي يشكل عائق في التعرف على مصدر العديد من المنتجات إن كانت اسرائيلية أم من المستوطنات.
ورأى القاضي، بأن ثالث الأسباب والأهم هو ضعف دور القضاء و النيابة، بحيث قال القاضي أن حماية المستهلك و الضابطة الجمركية تعمل على ضبط البضائع كما هو مقرر من القانون، إلا أن النيابة تسقط العديد من القضايا لأسباب ضعيفة جداً، آخرها هو عدم وجود دليل قطعي على أنها منتجات مستوطنات أو أنها غير موجودة في دليل مكافحة منتجات المستوطنات الصادر في أيار 2010.
أما العوائق القانونية فتتمثل بالاعتماد على القانون الأردني الصادر في العام 1964م في القضايا عبر تحويل جريمة الضبط التي يفترض أن يكون عقابها ثلاث أشهر لكفالة مالية حسب طلب المتهم بقيمة عن كل يوم تقدر ب 0.5 دينار فقط، لتكون عقوبته 90 دينارًا فقط.
فكيف يكون قد تأذى التاجر بذلك؟ ولماذا لا يتم الاعتماد على قانون العقوبات الفلسطيني من المادة (14) في قانون مكافحة المستوطنات الذي ينص على الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد عن خمس سنوات وغرامة مالية لا تقل عن عشر آلاف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً أو إحدى هاتين العقوبتين.
أما المقدم لطفي أبو ناصر، فيرى أن أهم المعيقات أمام الضابطة الجمركية هي عدم وعي المواطنين بضرورة المقاطعة وضعف السيطرة على المعابر وعدم القدرة على اتخاذ الاجراءات اللازمة في مناطق (ج) خاصة في قلة عدد الطاقم المناوب.
وشدد أبوناصر على ضعف دور النيابة في البت في القضايا التي تحول اليها، بحيث يتم إعادة النظر في العديد من القضايا أو التحقيق فيها أو تأجيلها لمرتين أو ثلاث مرات ليتم إسقاطها بالنهاية وعدم معاقبة المهرب، بالإضافة لغياب محكمة اقتصادية في القضاء الفلسطيني والتي يمكن اعتبارها من أهم المعيقات أمام تطبيق الاجراءات القانونية الصحيحة ضد المهربين بل وتحويل القضايا إلى النيابة والبت فيها.
وأكد وكيل النيابة محمد حسين وجود ثغرات قانونية بحيث لا يتم تطبيق القانون الفلسطيني المصدر في العام 2014 بل الاعتماد على القانون الأردني الصادر عام 1964، وكذلك عدم وجود دراسة رسمية تبين عدد ومواقع المستوطنات في الضفة الغربية وبذلك الدخول في متاهات قانونية بحجج عدم التعرف على موقع المصنع إن كان على الأراضي المحتلة عام 1948 أم على الأراضي الخاضعة لسيطرة السلطة، مثل مستوطنة "موديعين".
كما اعتبر حسين أن تقصير مجلس حماية المستهلك المكون من عضو من وزارة الاقتصاد ووزارة المالية والصحة والزراعة والمواصفات والغرفة التجارية واتحاد الصناعات إضافة إلى عدد من رجال الأعمال والمقاولين هو من المعيقات أيضاً، فهم قانونياً المسؤولين الأساسيين عن مكافحة بضائعة المستوطنات وتوعية المستهلك الفلسطيني.
ومن المفترض أن يعقد المجلس اجتماع كل ثلاثة أشهر، إلا أن هذا الاجتماع لم يعقد اجتماع منذ أكثر من عام، كما يتوجب على المجلس إصدار كتيب تعريفي عن بضائع المستوطنات كل ثلاثة أشهر لمواكبة التغييرات في الصناعة الإسرائيلية، إلا أن آخر كتيب صدر في العام 2013.
فمثلاً، كان هناك خلاف بين حماية المستهلك والضابطة والنيابة على إسقاط قضية مواد بناء، اعتبرتها كل من الضابطة الجمركية وحماية المستهلك منتجات مستوطنات بشكل مؤكد، إلا أن النيابة لم تستطع اتخاذ أي إجراء قانوني لغياب المنتج من الدليل، الأمر الذي أدى بالنهاية لإسقاط القضية.
بناء على ما سبق يمكن الملاحظة بأن كل جهة تمت مقابلتها سواء رسمية أو مدنية ترى عوائق مختلفة أمام تطبيق القانون.
فمن وجهة نظر عدد من التجار يرون بأن هناك تقصير في تعريف المواطنين والتجار بشكل وتغليف منتجات المستوطنات خاصة بغياب عدد كبير من منتجات المستوطنات عن الدليل الصادر عن الحكومة ووحدة الترقيم الأولي للمنتجات الفلسطينية والإسرائيلية التي تبدأ ب 972 بفعل عدم عضوية فلسطين في منظمة الترقيم العالمية.
وذلك يؤدي إلى التباس الوعي لدى التاجر والمستهلك وتجريم التاجر دون أن يكون على علم بأن المنتج هو منتج مستوطنات.
أما عن الجهات المسؤولة، فيتضح تضارب الآراء بحكم مصلحة كل جهة بإلقاء اللوم على الجهات المسؤولة الأخرى دون النظر إلى الثغرات في مؤسساتهم.
فمثلاً، اعتبر ابراهيم القاضي أن السبب الأساسي لعدم جريان القانون هو وجود ثغرات قانونية بحيث لا يزال يطبق القانون الأردني عوضاً عن القانون الفلسطيني حتى الآن بالرغم من تعديله كل عامين تقريباً ، كما أشار إلى ضعف تطبيق القانون من قبل النيابة وإسقاط العديد من القضايا لأسباب لا يعتبرها مقنعة.
فيما اعتبر المقدم لطفي أبو ناصر بأن المعيق الأهم هو عدم صرف طاقم أو كادر كافي للقيام بالمهمات ، واعتبر أيضاً ن القضاء لا يقوم بعمل جدي في تطبيق القانون ، الأمر الذي لا يشعر التجار بالخوف للتوقف عن تداول بضائع المستوطنات.
وبفعل قيام محكمة قضائية اقتصادية وتحويل القضايا إلى النيابة لإصدار الحكم فيها، يرى وكيل نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية أن المعيق الأساسي هو مجلس حماية المستهلك الذي اتضح فيما بعد أن المجلس موقف عن العمل لمدة عام ونصف بقرار رئاسي في عام2012- 2013.
وبذلك نتوصل إلى متاهة مصدرها غياب ترابط فعلي بين الجهات المختصة وبروز الخلافات بينها على حساب إظهار قضايا التهريب واتخاذ اجراءات قانونية وتوعية للحد منها، ويرجع ذلك إلى غياب جهة رقابية تلزم المؤسسات الحكومية على القيام بدورها على أكمل وجه ليكون الاقتصاد الفلسطيني ضحية الحاكم والمحكوم.
*معدتا التحقيق طالبتان في جامعة بيرزيت