عندما تمشي بحارة الشرف في البلدة القديمة من القدس المحتلة، تبصر عيناك كل ما لا ينتمي لهذه الأرض، إلا أن رائحة تأتي من ركنٍ بعيد تعيدك إلى أصل الحكاية، ومن يتبع هذه الرائحة الأصيلة، تأخذه إلى مخبز "أبو سنينة".
ذلك المخبز الذي أثبت وجوده في جوف مكان محتل، فعلى الرغم من القيود والمضايقات لا زال هذا الفرن رمز للتحد والصمود والحفاظ على هوية مقدسية في وجه المحتل.
مخبز "أبو سنينة" ملك للأوقاف توارثه أبناء هذه العائلة أبا عن جد منذ عهد الأتراك والانجليز، بقي لهذا المخبز رائحة تميزه الى أن جاء الاحتلال وزرع مستوطنيه في تلك الحارة لتصبح حيا يهوديا لا يفكر سوى بالاعتداء على هذا المخبز وهو المعلم العربي الوحيد المتبقي في ذلك الحي.
يروي الحاج محي أبو سنينة صاحب هذا المخبز حكايته في مواجهة المحتل بكعكه المقدسي "أستيقظ يوميا الساعة الرابعة صباحا وأتوجه إلى المخبز؛ يواجهني عقبات وحواجز واغلاقات لاضطر أن أمشي مسافات لأصل في الوقت المحدد"، ويتابع "لقد أصبح هذا المخبز غريبا في مكانه الاصلي وأصبح الخبز محتلا".
وكون هذا المخبز هو الفلسطيني الوحيد بين مستوطنين ومحتلين يواجه هذا المخبز ومن يعمل به مضايقات واعتداءات شتى اختلفت أنواعها والسبب واحد وهو الكره والحقد الاسرائيلي.
وحول ذلك الموضوع يبين أبو سنينة لشبكة قدس الاخبارية أن المخبز تعرض لاعتداءات شتى من قبل المستوطنين وكان أبرزها خط عبارات عدائية على بوابة المخبز تنص على "الموت للعرب" "سيأتي يوم للانتقام"، مضيفا أن المستوطنين يلقون النفايات اتجاه المخبز بشكل يومي وهذا نوع اخر من الاعتداءات".
لم تقتصر الاعتداءات على هذا النحو فقد طالت الاعتداء على الأطفال اللذين يأتون للمخبز برشهم بالمياه، والاعتداء على أصحاب المخبز برشهم بغاز الفلفل، وكذلك محاولة نزع الحجاب لطالبات المدارس اللواتي يمررن أحيانا من تلك الطريق.
ومؤخرا أصدرت سلطات الاحتلال قرارا بمنع المستوطنين من الشراء منالمخبز، كما ويمنع السياح الاجانب من الشراء منه أيضا.
ولم تقف الاعتداءت الى هذا الحد فمضايقات الاحتلال لا زالت تلاحق أصحاب المخبز رغما من أنه ملكا لهم؛ يوضح أبو سنينة أن سلطات الاحتلال باتت تفرض ضرائب طائلة وصلت إلى 120 ألف شيكل على المخبز.
ويكمل أبو سنينة: "لم يكتف الاحتلال بفرض الضرائب بل وقام بوضع الحواجز وتفتيش كل شاب وامرأة فلسطينية يأتون للمخبز مما نفرهم وجعلهم يلجأون للشراء من مخابز أخرى دون التعرض للتفتيش والإهانة".
ويحاول الاحتلال أن يقضي على آخر المعالم المقدسية في هذا المكان وينهيها بشنى الطرق، فقد تعرض مخبز أبو سنينة لمحاولات عدة لشرائه.
وفيما يتعلق بذلك يقول أبو سنينة: "قبل 15 عاما جاؤوا لشراء المخبز من والدي وقالو له سنعطيك شيكا أبيضا وبالعملة والرقم والشرط الذي تريد"، وكان رد والده لن أتنازل حتى لو دفعتم أموال إسرائيل كلها.
يمشي أبو سنينة البالغ من العمر 45 عاما جارا عربة الخبز مسافات طويلة ليتجول بين أزقة أسواق البلدة القديمة ويوزع الخبز كون الأهالي لا يأتون إلى ذلك الحي كثيرا؛ ففي لحظة تجوله لم يتركه الاحتلال لوحده فمخالفات البلدية تلاحقه حتى وهو يوزع الخبز وكانت اخرها قبل شهر بقيمة 475 شيكل.
أحلام كثيرة يحملها أبو سنينة في قلبه يبدأها بزوال الاحتلال والاستمرار في المكان، ينهيها بأن يتحرك براحته في ذلك الحي وأن يصل كعكه وخبزه لكل مقدسي لا رائحته فقط.