"قبل عشر سنوات، كان معظم الفلسطينيين ينظرون مندهشين إذا رأوا لغة الإشارة في الشوارع"، تقول سهير بدارنة، وتضيف "لقد كانوا ينظرون إليك بغرابة، لكن المواقف تغير الآن، لقد أصبح أفضل من ذي قبل".
بصفتها مديرة لقسم التأهيل في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تدير سهير مدرسة الصم، وهذه المدرسة هي واحدة من 11 مدرسة للصم فقط في الضفة الغربية، ولكن مقارنة بالأوضاع قبل عقد من الزمن، تقول سهير إن الفرص التعليمية للصم تحسنت بشكل ملحوظ، كما أن الحرج الاجتماعي الذي كانت تعاني منه العديد من العائلات والذي كان يجبرهم على إخفاء أطفالهم الصم في المنزل، أخذ يتضاءل بشكل تدريجي.
تقول سهير "بدأت الأسر تعالج أطفالها الصم بشكل مختلف الآن، لأن الفرص أصبحت متاحة أمامهم، فالأطفال الذين يعانون من الصمم في فلسطين يمكنهم أن يتعلموا في المدارس، كما يمكنهم أن يعملوا"، وتشير سهير أن جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني فيما سبق كانت تحاول الوصول بشتى الطرق للعائلات التي تخفي أطفالها الصم في المنزل، أما الآن، فإن العائلات أصبحوا يتواصلون مع وحدة التدخل المبكر لتشخيص الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الشهر الواحد.
ولكن سهير وزملاؤها في مدارس الصم الأخرى في الضفة الغربية، يشعرون أنهم يخوضون المعركة وحيدين، فشعورهم بالإحباط يتزايد بسبب إحجام الحكومة الفلسطينية عن دعمهم، وبسبب فشل وزارة التربية والتعليم في رام الله في تنفيذ السياسات الرامية إلى خلق فرص لتشغيل الشباب الصم في فلسطين.
ترى سهير أن التغيير في مواقف وتوجهات المجتمع هو أكثر وضوحًا من التغيير في سياسة التعليم الحكومية، وأضافت مع بعض التردد، أن دور وزارة التربية في تعليم الصم يقتصر بالكاد على الدعم الذي تقدمه للمنظمات غير الحكومية والمدارس الخيرية.
تعمل المنظمات غير الحكومية أو الجمعيات الخيرية على تمويل وتشغيل الإحدى عشرة مدرسة للصم في الضفة الغربية، وهذه المدارس مجتمعة تضم حوالي 700 طالب وطالبة ممن يعانون من الصمم أو من الصعوبة بالسمع، وما عدا الرواتب الشحيحة التي تدفعها للمدرسين وبعض الكتب التي تتبرع بها للمدارس، لا تقدم وزارة التربية أي دعم يذكر لهذه المدارس؛ فمن أصل 27 معلمًا في مدارس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني للصم، تدفع وزارة التربية والتعليم رواتب 10 أساتذة، أما في مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية للصم في رام الله، فتدفع الوزارة رواتب ثلث الموظفين فقط، وتعمل على التبرع ببعض المواد لهذه المدرسة، بما في ذلك الكتب.
تقول حورية صافي، ناظرة مدرسة الصم التابعة للجمعية الخيرية الإسلامية، إن مدرستها - دونًا عن باقي المدارس - بحاجة إلى الدعم الحكومي، لأن الجهات الدولية المانحة تكون أقل ميلًا لدعم الجمعيات الخيرية ذات التوجهات الدينية، وتشير حورية أن الجهات المانحة تحجم عن التبرع بعد سماع اسم الجمعية، وفضلًا عما تقدم، فإن كاهل المدرسة الإسلامية مثقل بالتزامات أخرى، لأنها - على عكس مدارس الصم الأخرى - توفر المأوى والطعام للطلاب، ومصاريف التعليم والمأوى والطعام في المدرسة مجانية ولا تكلف العائلات أي مبلغ.
أكثر من 800 طفل وطفلة يعانون من الصمم أو من ضعف السمع في الضفة الغربية لم تتح لهم الاستفادة من الانضمام إلى مدارس الصم التابعة للمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية، لذا تم دمجهم في نظام المدارس العامة، ولكن الوزارة نفسها تعترف، أن دمج الطلاب الصم أو ضعيفي السمع في المدارس العامة عملية مليئة بالعقبات، وأولها نقص الموظفين المدربين بشكل صحيح، وصعوبة الاتصال ما بين الطلاب الصم والمعلمين المختصين.
يقول رئيس مؤسسات التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم، خليل علواني، إنه من الأفضل للأطفال الـ800 الذين يعانون من صعوبات في السمع والـ100 الذين يعانون من الصمم، والذين تم دمجهم في نظام المدارس العامة، أن يدرسوا في مدارس الصم التي يديرها القطاع الخاص، وتوافق المنظمات غير الحكومية والمدارس الخيرية على ما قاله علواني، حيث تقول سهير من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني "يجب أن نكون واقعيين جدًا، لا نستطيع القول إن المدارس العامة مستعدة لدمج الأطفال الذين يعانون من فقدان السمع".
حاليًا، لا توجد أدلة تشير إلى أن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية في رام الله ستضطلع بدور أكبر في مجال تعليم الصم في المستقبل القريب، حيث يقول علواني إنه عدا المحادثات التي جرت منذ فترة مع المانحين الإسكندنافيين لافتتاح مدرسة ثانوية للصم في رام الله، فإن الوزارة تركز جهودها فقط على تحديد القضايا المنهجية وإيجاد الحلول المحتملة لسياسة الاندماج مع المجتمع.
المشكلة الأخرى تكمن بعدم إمكانية إحصاء الأطفال الذين يعانون من مشاكل في السمع والذين يستطعيون الوصول إلى مدارس الصم التابعة للمنظمات غير الحكومية أو الجمعيات الخيرية، كون أحدث إحصائية قام بها مكتب الإحصاء الفلسطيني حول عدد الصم أو الذين يعانون من صعوبات في السمع تعود إلى أربع سنين مضت، وتقول سهير "يمكننا تقدير عدد الأطفال الذين لايزالون في منازلهم، أو عدد الأطفال الذين يتم دمجهم في المدارس العامة، ولكن هذه الأرقام ليست دقيقة".
الأرقام القديمة في مكتب وزارة التربية تشير إلى أن حوالي 17.000 فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة مصابين بالصمم أو بنقص السمع، وفي حال تم مقارنة هذه الأعداد مع عدد الملتحقين بمدارس الصم الحالي، تقدر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أنه في أحسن الأحوال، ثلث السكان الذين يعانون من صعوبات في السمع والذين هم في عمر الدراسة ملتحقين في مدارس المنظمات غير الحكومية أو المدارس الخيرية أو في المدارس العامة.
بعيدًا عن العمل الأحادي الجانب الذي تقوده المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية في الضفة الغربية، فمازال هناك بوادر أمل للطلاب الذين يعانون من مشاكل بالسمع في فلسطين، وبصيص الأمل هذا يأتي - بشكل مثير للدهشة - من قطاع غزة المحاصر؛ فالفرص التعليمية هناك تفوق بشكل كبير الفرص في الضفة الغربية، حيث يلتحق 1700 طالب وطالبة ممن يعانون من الصمم أو من صعوبات في السمع بست مدارس في غزة، وهذا يعني أن نصف عدد المدارس في غزة قادر على استيعاب ضعف عدد الطلاب في الضفة الغربية.
إن الالتحاق بمدارس الصم في غزة تعزز كنتيجة أساسية لافتتاح مدرسة مصطفى صادق الرفاعي الثانوية للصم، والتي تم تأسيسيها وتمويلها من قِبل حكومة حماس في مدينة غزة، وهي مدرسة الصم الوحيدة الممولة بالكامل من الحكومة الفلسطينية، ويلتحق أكثر من 160 طالبًا في هذه المدرسة المفتتحة في فبراير 2011 والتي تفصل ما بين الجنسين، وفي العام الماضي تخرج أكثر من 120 طالبًا من هذه المدرسة - أكثر بخمس مرات من الضفة الغربية -، وذلك بعد اجتيازهم امتحانات شهادة الثانوية العامة الحكومية، والمعروفة باسم التوجيهي.
لا تقتصر الخدمات التي تقدمها مدرسة مصطفى صادق الرفاعي على تعليم الطلاب الذين يعانون من صعوبات بالسمع مجانًا، بل توفّر المدرسة لطلابها أيضًا وسائل النقل المجانية من وإلى المدرسة، علمًا أن مشكلة التنقلات هي العقبة الرئيسية التي تقف في وجه تسجيل الطلاب في مدارس الضفة الغربية، كون تكلفة النقل إلى مدارس الصم غالبًا ما تكون باهظة بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود، وفقًا للأستاذ حسن نصار مدرّس الصم في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة.
بالإضافة إلى ندرة فرص التعليم الابتدائي والثانوي بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في السمع، تظهر مشكلة عدم توفير عمل أو تعليم جامعي مخصص لخريجي مدارس الصم الثانوية؛ فعلى الرغم من أن الجامعات في الضفة الغربية بدأت بقبول أعداد صغيرة من خريجي هذه المدارس، بيد أن هؤلاء الطلاب ينضالون بصعوبة ضمن هذه الجامعات في ظل توقف دعم المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية في مرحلة التعليم الجامعي.
تقول سهير "رغم أننا نعلم أنه ليس من ضمن اختصاصنا، إلا أننا نقدم مترجمين متطوعين لخريجي مدارس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في الجامعات، ونعلم أنه بدون هذه المساعدة لن يستطيع الطلاب الاستمرار"، ومن جهته يرى حسن نصار أن زيادة نسبة الالتحاق بالجامعة بين طلاب الصم هي "خطوة إيجابية"، لكنه ينتقد الجامعات التي تحدد الصفوف المخصصة لطلاب الصم باختصاصات محددة، وخاصة في الجامعة الإسلامية في غزة، حيث يقول "إذا اجتاز الطلاب امتحان التوجيهي بنجاح، ينبغي أن يُسمح لهم بدراسة أي اختصاص هم مؤهلون له، وليس فقط الاختصاصات المحددة لطلاب الصم".
أما بالنسبة لفرص العمل التي يتم تقديمها لخريجي مدارس الصم، فهي في تحسن تدريجي ولكن بطيء، فمثلًا يقوم المجلس الثقافي البريطاني في فلسطين وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بافتتاح ورش عمل للتدريب المهني - الأشغال المعدنية للذكور وتصفيف الشعر للفتيات - لتحسين فرص العمل لخريجي مدارس الصم، كما افتتح المجلس الثقافي البريطاني ورش عمل سيراميك لخريجي التوجيهي الذين يعانون من الصمم، وبعضهم يدرّس الآن في المدارس العادية، وهذه المبادرات، على الرغم من أنها واعدة، بيد أنها لاتزال في مراحلها الأولى حاليًا.
ديفيد الطويل (21 عامًا) ولد في نهاية الانتفاضة الأولى في بيت لحم، ويعاني من فقدان السمع، غادرت عائلة ديفيد فلسطين إلى الولايات المتحدة عندما كان بعمر الـ12 عامًا، وهو الوقت الذي بدأت فيه فرص الصم في فلسطين بالتحسن، وعلى الرغم من النمو الأخير في الفرص المتاحة لمجتمع الصم في فلسطين، بيد أن ديفيد، الذي يدرس الآن باختصاص محاسبة الأعمال في المعهد الفني الوطني للصم في نيويورك، يقول إنه لا يميل للعودة إلى فلسطين "أريد أن أكمل حياتي في الولايات المتحدة، فبالمقارنة مع فلسطين، الحياة هنا أفضل، وهناك المزيد من الفرص".
المصدر: ميدل إيست آي/ ترجمة وتحرير نون بوست