رغم الألم الشديد، يحرص الشاب الثلاثيني ثائر سعيد صالح من مدينة طوباس (شمال الضفة الغربية) على أخذ جرعته العلاجية بانتظام للتخلص من إصابته بمرض الليشمانيا الجلدية الذي ترك تشوها ملحوظا بيده وبات يشكل تهديدا له ولعائلته.
ومن وقت قريب، أطلقت وزارة الصحة الفلسطينية تحذيراتها بشأن انتشار هذا المرض، لا سيما في محافظة طوباس التي سجلت حتى اللحظة 47 إصابة منذ بداية العام، بينما لم تتجاوز خمسين إصابة طوال العام الماضي.
والليشمانيا مرض طفيلي ينتقل للإنسان عبر ذبابة الرمل أو "ذبابة أريحا" كما يعرفها الفلسطينيون، وتقوم بنقل طُفيل الليشمانيا من داخل حيوان يعد خازنا له -مثل حيوان الوبر الصخري الذي يعرف أيضا باسم "أرنب الصخر"- لجسم الإنسان بعد لدغه وإفراز الطفيل من غدتها اللعابية لدم الضحية.
وما أن اكتشف ثائر إصابته حتى بادر إلى مراجعة المراكز الصحية الخاصة والحكومية لإنهاء معاناته المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر، بعد أن باتت تُؤرّقه نفسيا فوق تأثيرها على صحته وعدم قدرته على استخدام يده بشكل طبيعي.
ويقول ثائر -للجزيرة نت- إنه يحاول باستمرار إخفاء الإصابة التي تفشت وباتت تحرجه كثيرا، كما اضطر لتغيير منطقة سكنه لحماية أطفاله وعائلته.
ذبابة أريحا
ومثل ثائر، تواظب إيمان جابر "أم ناصر" من قرية العقبة قضاء طوباس منذ ثمانية أشهر على إحضار طفلها أحمد (أربع سنوات) للمركز الصحي بالمدينة مرتين أسبوعيا لمعالجته وإنهاء معاناته الصحية والنفسية بسبب الإصابة بوجهه.
واستمدت "ذبابة أريحا" اسمها من كونها تعيش بالمناطق الحارة وقرب المستنقعات أيضا، وتعرف بأنها نوع من أنواع البعوض، وتمتاز بصغر حجمها، وعندما تقوم بلدغ حيوان الوبر الصخري ينتقل الطفيل لها ويتكاثر وينمو مرة أخرى داخل جسمها ويُنقل للإنسان بعد أن تلدغه.
وتقدر وزارة الصحة الفلسطينية عدد الإصابات بنحو خمسمائة حالة سنويا، وتؤكد -وفق دراسات أجرتها- أن حيوان الوبر الصخري هو الخازن الأكبر لطفيل الليشمانيا إضافة إلى الكلاب، وأن هذا الحيوان يعيش بين الجحور والكهوف والمناطق الصخرية التي انتشرت بكثافة جراء التجريف والتوسع العمراني.
ويقول مدير وزارة الصحة بمدينة طوباس جميل دراغمة إن الليشمانيا يعد مرضا مشتركا بين الإنسان والحيوان، وهو لا ينقل بالعدوى من إنسان لآخر، مضيفا أنه يضم ثلاثة أنواع: الليشمانيا الجلدية وهي الأكثر انتشارا، والحشوية التي لم تُسجل أية إصابات منها حتى اللحظة، أما الثالث فيعرف بالجلدي المخاطي.
ويؤكد الطبيب المسؤول أنه رغم استفحال المرض فإنه لا يشكل خطرا، لكن الخطورة تكمن بمكوثه أسابيع داخل جسم الإنسان وظهوره بشكل مفاجئ، مضيفا أن النوع الجلدي عادة ما يبدأ بندبة بالمنطقة التي يصيبها مثل الوجه واليدين، وتحمل رأسا مائيا يتفشى بعد انفجاره ويترك تشوها وتقرحات ظاهرة.
أما الليشمانيا الحشوية فتنتج عن تغول الطفيليات داخل الجسم بعد إصابته بسبب كثرة الطفيليات وضعف مناعة المصاب، وتشمل أعراضها الحمى وتضخم الكبد والطحال، وربما يؤدي ذلك إلى الوفاة ما لم يعالج.
ويؤكد دراغمة أهمية تثقيف وتوعية المواطنين بالمرض، والحد من انتشار الأوبئة عبر النفايات والمياه العادمة، وإزالة الصخور التي تشكل مسكنا لحيوان الوبر الصخري، الذي يصعب التخلص منه بطرق أخرى مثل القنص لتكلفتها العالية وتواجد أكثرها بمناطق "سي" التي يسيطر عليها الاحتلال.
وحتى تشرع البلدية والجهات المسؤولة داخل محافظة طوباس بتنفيذ خطتها لإزالة الصخور والتخلص من حيوان الوبر الصخري، شرع المواطن مأمون عينابوسي وعلى حسابه الخاص بشراء مواد سامة يقوم بحقنها داخل أطعمة مفضلة للحيوان مثل البطاطا والجزر، كما أحضر مصائد للذبابة ذاتها.
ويقول عينابوسي للجزيرة نت إنه لجأ لهذه الطريقة بعدما أصيب خمسة من أبنائه، وعجزت مناشداته الجهات المسؤولة لمحاربة الوباء.
المصدر: الجزيرة نت - عاطف دغلس