شبكة قدس الإخبارية

سموتريتش وأحلامه التوراتية.. كيف تنظر الصهيونية الدينية لشكل الحل مع الفلسطينيين؟

photo_2024-10-28_15-10-26

خاص - شبكة قُدس: أعاد زعيم حزب "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، التأكيد على برنامجه الاستراتيجي الذي يسير فيه منذ بدايات حياته السياسية ثم وصوله إلى حكومة الاحتلال وهو منع قيام أي كيان قومي فلسطيني وعربي في فلسطين المحتلة، حتى لو على مساحة أقل من المحتلة عام 1967.

سموتريتش الذي يشغل منصب وزير المالية ووزيراً في وزارة جيش الاحتلال، يتولى من خلالها مسؤولية تطبيق برنامجه في السيطرة التامة على الضفة المحتلة، ألقى خطاباً يوم أمس في مؤتمر يتحدث عن تغيير الشرق الأوسط على نمط استراتيجي يحقق لـ"إسرائيل" السيادة في المنطقة، أو الخضوع العربي والإسلامي لها، بالمنطق الصريح والواضح، بعد إقرار دول المنطقة للصهيونية الدينية بأن من حقها السيطرة التامة على فلسطين المحتلة من البحر إلى النهر ودفن مشروع قيام دولة فلسطينية.

تكاد تجمع مختلف تيارات وأحزاب دولة الاحتلال على أن مشروع "حل الدولتين"، الذي أخذ مساحة من التداول لسنوات ماضية، خاصة بعد اتفاقية أوسلو في 1993، أصبح من الماضي، على اختلاف بينهم في طبيعة العلاقة مع السلطة الفلسطينية أو طريقة حكم الفلسطينيين في الضفة والقدس وغزة، والسيطرة الأمنية والعسكرية، وغيرها من القضايا، التي لا تمسح الاتفاق الاستراتيجي على أن الفلسطيني أن لا يحلم بكيان قومي وسياسي مستقل له مقومات الدولة، بل في أقصى الأحوال قد يحصل على حكم ذاتي، وإلى ذلك الحين عليه أن يناضل من أجل الخبز والقوت اليومي، والعودة بعد العمل إلى مناطق محاصرة بالمستوطنات، دون أي أفق سياسي.

انطلاقاً من سنوات السبعينات بدأت منظمة التحرير الفلسطينية التوجه نحو القبول بحلول مرحلية، بداية في برنامج النقاط العشر، الذي يوافق على إقامة دولة على أي قطعة أرض يجري تحريرها، ومع السنوات وصلت قيادة المنظمة ممثلة بالرئيس الراحل ياسر عرفات إلى القبول بحل الدولتين، وتوقيع اتفاقيات سلام مع حكومة الاحتلال بقيادة إسحاق رابين حينها، وبعد سنوات من جولات المفاوضات والتعنت الإسرائيلي في الاستجابة للمطالب الفلسطينية بإنهاء الاستيطان والانسحاب من الأراضي المحتلة 1967، انهارت عملية السلام التي شارك فيها الرئيس عرفات، وتوجه نحو خيار الانتفاضة، قبل أن يستشهد عقب حصاره في المقاطعة، وبعد تولي الرئيس محمود عباس قيادة السلطة، كان وفياً لبرنامجه الذي يقول باستمرار المفاوضات مع "إسرائيل"، ومنع تجدد الانتفاضة، ولكن وصلت الحالة الفلسطينية إلى أفق مسدود بعد أن استمر الاستيطان وتهويد القدس وحصار غزة، وسيطرة اليمين واليمين الصهيوني الديني على دولة الاحتلال، وإجماع التيارات السياسية الإسرائيلية على رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، وصار برنامج أجهزة الاحتلال المختلفة هي سلب السلطة أي أدوات سياسية فيها والإبقاء على دورها الأمني في ضبط المناطق التي تقع تحت سيطرتها، وملاحقة المقاومة، وهو ما لم يعد مخفياً ويتداوله قادة وضباط سابقين وحاليين في جيش وأمن الاحتلال.

انطلقت القيادة السياسية الفلسطينية في مسار البحث عن الحصول على دولة في حدود 1967، من اعتبارات مختلفة، ربما أبرزها قناعة لديها أن قيام "إسرائيل" على أرض فلسطين، كان بقرار ودعم دولي، ورأت أن الواقع العالمي والدولي خاصة مع انهيار الاتحاد السوفياتي لا يتيح للفلسطيني أن يطالب بأكثر من دولة في الضفة وغزة، حسب تعبيرها، وحضر في الثقافة السياسية الفلسطينية التي تروج للتسوية، خطابات حول القانون الدولي، والشرعية الدولية، والقرارات الدولية التي تمنح الفلسطينيين حقوقاً مختلفة بينها إقامة دولة على 1967، وراجت صياغات وثقافة خاصة بين النخب المقربة من القيادة تقول إن على الفلسطيني إلقاء البندقية والتوجه نحو النضال في مساحات دولية وعالمية ومع النخب الأمريكية والغربية للحصول على حقوقه، وطوال سنوات الجري وراء الحصول على دولة فلسطينية في مساحة أقل بكثير من تلك التي هجرت منها آلاف العائلات الفلسطينية، في 1948، كانت الإدارة الأمريكية تزعم رئيساً يخلفه رئيس أنها الراعي للسلام، في الوقت الذي كان الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في العالم تعلن تبنيها مشروع إقامة دولة فلسطينية إلى جانب "إسرائيل"، كما تعبَر في أدبياتها السياسية، لكن لم ير الفلسطيني في هذه العقود ضغوطاً حقيقية لإجبار الاحتلال على الوفاء بالتزامات هذا المشروع الذي توجهت له القيادة الفلسطينية مقابل تنازلات هائلة وفادحة.

خيار القيادة الفلسطينية في السلطة ومنظمة التحرير التوجه نحو حل الدولتين، والتوصل لتسوية مع دولة الاحتلال، كان له تأثيرات كبيرة في الداخل الفلسطيني لجهة إشعال صراع مع قوى المعارضة لهذا الخط الإسلامية منها (حماس والجهاد الإسلامي) والقوى الوطنية الأخرى التي كانت تاريخياً جزء من المنظمة، على اختلاف بينها في تقدير المطلوب من مشروع سياسي فلسطيني، وفي مرحلة التأسيس للحل السياسي قبل مؤتمر مدريد وبعده وعقب اتفاقية أوسلو وتأسيس السلطة، وصولاً إلى انتفاضة الأقصى، والانتخابات التشريعية التي فازت فيها حماس، والصدام بين الطرفين والمشروعين، دفع القوى الفلسطينية إلى محاولة الاتفاق على برنامج مشترك يجسر الخلافات بين كل الأطراف، ووافقت الفصائل باستثناء الجهاد على خيار المطالبة بدولة فلسطينية على 1967، بشروط كما في حالة حماس التي رفضت الموافقة على الاعتراف بحق "إسرائيل" في الوجود أو التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني في كامل فلسطين التاريخية.

محاولة الخروج بتوافق فلسطيني على برنامج لدولة فلسطينية، لم يحقق حتى اللحظة الهدف السياسي المطلوب منه، واستمرت حكومة الاحتلال في برنامجها السياسي والاستيطاني والأمني في تدمير أي فرصة لقيام كيان فلسطيني في الضفة والقدس المحتلتين، واستمرت لسنوات في سياسات حصار قطاع غزة التي كان الهدف الاستراتيجي الأعلى منها، هو منع التواصل بين الفلسطينيين في القطاع والضفة وبقية فلسطين المحتلة، في الوقت الذي واصلت الولايات المتحدة الأمريكية في رعايتها للمشروع الاستعماري الإسرائيلي، وإدامة عمليات الخداع الاستراتيجي للسلطة الفلسطينية، وإدخالها في دوامة من انتظار مفاوضات وحل سياسي، بينما لم تحرك القوى الغربية (الاتحاد الأوروبي) أي حراكات سياسية أو قانونية لتحصيل مشروع دولة فلسطينية، باستثناء اعتراف عدد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية على حدود 1967، بعد عملية "طوفان الأقصى"، وحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وهو ما لم يترجم إلى نتائج واقعية حتى اللحظة.

في الوعي الشعبي والسياسي لطيف واسع من الشعب الفلسطيني، لم تفارق فكرة العودة والتحرير المخيال الجماعي، وهو ما يثير غضب ومخاوف فئات مختلفة من مجتمع الاحتلال، وحتى من يقولون منهم إنهم يؤمنون بـ"حل الدولتين"، يرون أن على الفلسطيني التخلي عن حلم وفكرة العودة إلى يافا وعكا واللد والرملة وصفد وحيفا وغيرها من المدن والبلدات التي تهجر منها قسرا، خلال حرب النكبة، وهذا يجعل من كل المشاريع السياسية التي في جوهرها التنازل عن قسم واسع من فلسطين مقابل دولة إلى جانب "إسرائيل"، غير واقعية، وإن كانت فئة من الفلسطينيين ترى في الحصول على الدولة في حدود 1967، مرحلة مؤقتة أو فرصة للانطلاق نحو تحقيق حلم الحرية والعودة.

مثلت عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، هزة عنيفة ليس لجيش واستخبارات الاحتلال فقط، بل لمجموعة من الاستراتيجيات والخطابات التي استقرت طوال سنوات، وأبرزها محاولات حكومة الاحتلال لـ"إدارة الصراع" واحتواء الفلسطينيين، في مشروع اقتصادي يمنعهم أسباب الحياة الاقتصادية، دون حقوق سياسية، أو منحهم أي دولة أو كيان قومي، وحضرت القضية الفلسطينية مجدداً كملف حارق وحاضر بقوة في الإقليم والعالم، بعد سنوات من محاولات إقصائها وتغيبها، وعادت حركات التضامن مع فلسطين لأخذ مساحة واسعة في العالم، خاصة في الجامعات والميادين الأمريكية والأوروبية، واعترف عدد من قادة الاحتلال والولايات المتحدة ودول العالم، أن مساعي تحطيم حضور القضية الفلسطينية في العالم فشلت، ولكن هذا الاعتراف لم يكن مقدمة للدخول في مشروع لمنح الفلسطينيين بعض حقوقهم، ولكن للانخراط في عمليات جديدة لمحاولة الالتفاف على مطالب الفلسطينيين الذين يتعرضوا الآن لحرب إبادة جماعية، يطالب اليمين واليمين الصهيوني الديني بأن تكون بداية لتهجيرهم من أراضيهم، وتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" الذي يبدأ من فلسطين المحتلة، وينطلق نحو الدول العربية، حتى أصبحت مطالب بناء مستوطنات في جنوب لبنان تتزايد على وسائل الإعلام الإسرائيلية ومنصات التواصل الاجتماعي في دولة الاحتلال.

التغييرات الاستراتيجية التي خلقتها معركة "طوفان الأقصى"، وما زالت لم تتضح معالمها بعد، في ظل الصراع المستمر الذي توسع إلى لبنان، ودخلت فيه إيران وقوى أخرى في المنطقة، بينها اليمن والمقاومة الإسلامية في العراق، تمنح القضية الفلسطينية فرصة جديدة لنفض الخطاب السياسي القديم وخلق واقع استراتيجي جديد، في حال توفرت إرادة سياسية وعمل دبلوماسي وسياسي متعدد الطبقات والتوجهات، يستفيد من الحراك العالمي الداعم لفلسطين، الذي يرفع عديد من قواه شعار "فلسطين من البحر إلى النهر".

في مقابل رفع قادة الاحتلال شعاراً استراتيجياً كبيراً هو تغيير الشرق الأوسط لصالحهم، على قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة، رفع شعار مقابل هو منطقة عربية وإسلامية يكون لفلسطين وحريتها السيادة على تفكيرها السياسي والمستقبلي والاجتماعي والأمن القومي، وهو ما لوحظ في الخطابات السياسية الأخيرة لقادة في مختلف قوى المقاومة، لكن تثبيته بحاجة لمخططات سياسية وإعلامية ودبلوماسية واسعة ينخرط فيها مختلف القوى المؤيدة لفلسطين في العالم، مع مجهودات لتحريك قوى عالمية وعربية وإسلامية ما زالت بعيدة عن تبني موقف واضح من الصراع، وهي في الوقت ذاته ليست محسوبة على الحلف الإسرائيلي - الأمريكي.

خطاب فلسطين كاملة وإعلان إلغاء أي حديث عن حل مرحلي أو دولة على 1967، يعني وضع العالم أمام استحقاق جديد، بعد سنوات من السراب والوهم في مشروع "حل الدولتين"، وهو تحقيق العدالة كاملة للشعب الفلسطيني بإقامة كيان سياسي على كامل أرضه، يعيد لفلسطين اتصالها الطبيعي مع وسطها العربي، ويحقق العدل للاجئين الفلسطينيين الذين تهجروا من مدنهم وقراهم وأراضيهم، ويثمر التضحيات الفلسطينية سياسيا وأخلاقيا وينهي دولة الاحتلال التي هي تهديد أخلاقي وسياسي على الأمن القومي والعربي والإسلامي أولاً ثم على العالم، الذي صار خطابه حول القوانين الدولية والنظام العالمي والقانون الدولي محط شك بعد أن عجز عن محاسبة إسرائيلي واحد أو وقف حرب الإبادة الجماعية.

يفرض خطاب دولة الاحتلال و"الصهيونية الدينية" من خلال أقطابها الرئيسيين، في الساحة السياسية الإسرائيلية، سموتريتش وبن غفير الذي يتحدث عن فلسطين كاملة من البحر إلى النهر قطعة كاملة في المشروع الصهيوني يجب أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، مع منع أي دولة فلسطينية، وهو الحلم أو التفكير الذي لم يغب من بدايات المشاريع الاستعمارية حول فلسطين، لكنه عاد بقوة، بعد عقود من خطاب "حل الدولتين" والمناورة حوله، في سياق عملية سياسية لم تصل إلى شيء، وبقي الاحتلال يستنزفها عن طريق عمليات الاستيطان المكثفة التي جعلت من فكرة قيام دولة فلسطينية غير قابلة للتحقيق، على السياسة الفلسطينية إعادة طرح خطاب أمام العالم يعيد التأكيد أن فلسطين كاملة هي حق للشعب الفلسطيني، الذي لم تنصفه القوانين الدولية أو الأمم المتحدة أو المنظومة الدولية، التي لم تتحرك حتى للدفاع عن المشروع السياسي الذي قالت إنها ترعاه "حل الدولتين".

لا يتوقع من قيادة السلطة الفلسطينية أن تتراجع عن خطاب "حل الدولتين"، بعد أن صار خطاباً لواقع لم يعد موجوداً، لكن مشروع عودة خطاب فلسطين كاملة في العالم هو مسؤولية القوى المقاومة والمناصرين لفلسطين في العالم العربي والإسلامي ومختلف الدول، في مواجهة محاولات إبادة فلسطين كقضية عادلة وسياسية وحقوقية وإنسانية ودينية لها مضامين مختلفة.