شبكة قدس الإخبارية

الأسيرة لينا خطاب.. فتاة نالت من عزيمة الاحتلال

هيئة التحرير

اعتقلت الطالبة لينا خطاب في 13/12/2014 من بين البيوت القريبة من سجن عوفر الاسرائيلي المقام على أراضي بلدة بيتونيا قضاء مدينة رام الله، حيث انقض عليها بعض من جنود الإحتلال، وحسب روايتها قام احد الجنود بشدها من الخلف فمزق قميصها وتسبب لها بكدمات على ذراعها، وأخذ بسحبها بقوة الى الجيب العسكري، وهناك قام جندي اخر بلوي ذراعها للخلف مما تسبب لها بألم شديد، واستمر بشد ولوي يدها الى ان وصلوا بها الى سجن عوفر، وهناك قاموا بتكبيلها بقيود حديدية برجليها وايديها، وابقوها على مقعد خارج الغرفة.

وبعد ساعتين نقلت الى غرف تحت الارض وخضعت للتحقيق، وخلال التحقيق وجهت لها شبهات تتعلق بمشاركتها في مسيرة غير قانونية والقاءها للحجارة على جنود الإحتلال. أنكرت لينا كل الشبهات التي وجهت ضدها، وأكدت انها كانت متوجهة لزيارة صديقتها في بلدة بيتونيا أثناء خروج المسيرة، بعد ان انتهى التحقيق معها خضعت لتفتيش شبه عاري من قبل مجندة ومن ثم أعيد تكبيلها، وتركت في العراء خارج المعتقل لحوالي 3 ساعات، ومن ثم نقلت بواسطة حافلة عسكرية إلى سجن هشارون، وصلت الى السجن عند الساعة 11:00 مساءً، وتم وضعها في زنزانة انفرادية لحوالي 12 ساعة قبل أن تنقل الى غرف الاسيرات العادية.

الوضع القانوني

قدمت لائحة اتهام بحق لينا بعد حوالي 10 أيام من اعتقالها، تضمنت اللائحة بند القاء الحجارة باتجاه مركبة تابعة لقوات الاحتلال أثناء سيرها خلال المشاركة في مظاهرة غير قانونية بالقرب من سجن عوفر على حاجز بيتونيا يوم 13 كانون أول 2014، وادعت النيابة العسكرية أن مرآة سيارة قوات الإحتلال قد كسرت من الحجر الذي ألقته لينا.

تجدر الاشارة الى أن العقوبة القسوى لتهمة القاء الحجارة بموجب المادة 212(3) من الامر العسكري رقم 1651 للعام 2009، هي عشرون عاماً، أما القاء الحجارة على جسم ثابت فعقوبتها القسوى عشر سنوات بموجب الأوامر العسكرية، وكانت حكومة دولة الاحتلال قد تقدمت باقتراح قانون لرفع مستوى العقوبة لمثل هذه الافعال بموجب القانون الجنائي الإسرائيلي المطبق على القدس المحتلة بصورة مخالفة للقانون الدولي الإنساني، بعد صيف العام 2014، إثر حدوث جريمة حرق الطفل محمد أبو خضير وما تبعها من مظاهرات شعبية احتجاجاً على هذه الجريمة، لتصبح العقوبة القسوى لتهمة القاء الحجارة على سيارة متحركة حتى لو لم تكن هناك نية للتسبب بأي ضرر للسيارة السجن عشر سنوات، وفي حال توفرت هذه النية تصبح العقوبة عشرون عاماً، وتم إقرار هذا الاقتراح بالقراءة الاولى أمام لجنة التشريعات.

بعد تقديم لائحة الاتهام طالبت النيابة العسكرية باعتقال لينا حتى انتهاء الاجراءات القانونية بحقها، وتقدم محامي الضمير محمود حسان بطلب اخلاء سبيل للمعتقلة بكفالة، بعد عدة جلسات قدم خلالها محامي الدفاع عدة خيارات أمام المحكمة لاطلاق سراح لينا وضمان مثولها أمام المحاكمة حتى يتسنى لها الإلتحاق بالجامعة، ولكن كافة اقتراحات محامي الدفاع رفضت من قبل القاضي العسكري راني عامر بحجة أن لينا قامت بعمل خطير، وأضاف القاضي "أن إطلاق سراح لينا سوف يجعلها تعتقد أن ما قامت به من مشاركة في مظاهرة غير قانونية والقاء للحجارة هو عمل مقبول ولا يشكل عملاً خاطئاً، خاصة أن الكثير من الفلسطينيين لا يرون في اعمال المتهمة خطأً، بل إنهم يشجعون على القيام بمثل هذه الاعمال".

إن هذا القرار للقاضي العسكري راني عامر يلخص تماماً عمق إشكالية خضوع آلاف المعتقلين الفلسطينيين سنوياً للأوامر والمحاكم العسكرية لدولة الاحتلال، حيث يتجاهل القضاء والنيابة العسكرية تماماً حقيقة كونهم جهازاً عسكرياً تابعاً لجيش الاحتلال، ويقاضون مدنيين واقعين تحت الاحتلال لهم حقوق مكفولة بموجب القانون الدولي الإنساني أولها الحق في مقاومة الاحتلال، وهكذا تصبح المظاهرة ضد الاحتلال، المشروعة بموجب القانون الدولي جريمة تعاقب عليها الأوامر العسكرية، وهكذا يقضي مئات الأطفال الفلسطينيين وطلبة الجامعات وغيرهم عدة أشهر وأحيانا عدة أعوام رهن الاعتقال، نتيجة مقاومة الإحتلال بوسائل يشرعها القانون الدولي.

رفضت المحكمة العسكرية للاستئناف وبقرار من القاضي رونين عتسمون اسئنف الدفاع على القرار أعلاه، وأقرت استمرار اعتقال لينا ضاربة بعرض الحائط كافة الادعاءات القانونية حول حقيقة إنكار لينا للتهم الموجهة اليها وصغر سنها نسبياً، وكونها طالبة جامعية تعتقل لأول مره، رغم أن مثل هذه الادعاءات قبلت في عشرات الحالات أمام المحكمة العسكرية، وكانت سبباً لإطلاق سراح المعتقل حتى انتهاء الإجراءات بحقه.

عقدت جلسة سماع الشهود الأولى للينا يوم 16/2/2015، وبدأت النيابة سماع الشاهد الأول وهو سائق السيارة العسكرية والذي يدعي أنه شاهد لينا تضرب حجارة أصاب أحدها السيارة التي كان يستقلها، وخلال سماع الشاهد الأول والشاهد الثاني، تبين أمام المحكمة أن رجال الشرطة الثلاثة الذين اعتقلوا لينا كانوا قد نسقوا أقوالهم فيما بينهم قبل إعطاء إفاداتهم، وهذا يعتبر مساً جوهرياً بسير التحقيق، وعليه قام القاضي بالطلب من النيابة العسكرية أن تتوصل لاتفاق مع الدفاع.

تم التوصل لاتفاق حول العقوبة التي ستصدر بحق لينا وكانت النيابة قد طالبت سابقاً باعتقالها لعامين، لكنهم تنازلوا بعد سماع الشهود ووافقوا على إعتقال لمدة 6 شهور، وغرامة مالية قدرها 6000 شيكل (ما يعادل 1500 دولار امريكي)، وسجن مع وقف التنفيذ لمدة ستة شهور لمدة ستة سنوات من يوم إطلاق سراحها.

وأضافت المحكمة العسكرية شرطاً جديداً في ملف لينا (لا يرد هذا الشرط عادة في مثل هذه الملفات)، وهو فرض تعهد على لينا يقضي أن لا تقوم بارتكاب مخالفة شبيهة خلال 3 سنوات، وإلا توجب عليها دفع غرامة مالية قدرها 3000 شيكل.

إن الحكم الصادر بحق خطاب يشير لمستوى التشدد الذي تعاملت به النيابة والمحكمة العسكرية مع المعتقلة، دون أي أساس أو مبرر قانوني لهذه السياسة والتعسف.

هذا الاختلاف بتوجهات المحكمة العسكرية في قراراتها يتعلق كثيراً بالظروف السياسية والقرار السياسي، فعادة يرتفع مستوى العقوبات بحق المعتقلين على خلفية المشاركة في مظاهرات أو القاء الحجارة حين يكون مستوى النضال الشعبي متصاعداً، وهذا ما حصل في النصف الثاني من العام 2014 نتيجة العدوان على قطاع غزة وجريمة حرق الطفل محمد ابو خضير في القدس، ويشير هذا الى أن المحاكم العسكرية هي محاكم سياسية ليست حيادية، وتخضع لقرار سياسي من قادة الاحتلال وهذا يشكل مخالفة جسيمة لاتفاقيات جنيف الاربعة.

ظروف غير إنسانية

كبقية الاسرى وبعد أن قدمت ضدها لائحة اتهام، استقرت لينا في سجن هشارون للأسيرات، وكانت جلسات المحاكم الخاصة للينا تتم في محكمة عوفر العسكرية قرب مدينة رام الله، فحسبما قالت لينا لمحامية الضمير منى نداف أنه وفي أيام المحاكم تستغرق رحلتها من سجن هشارون شمال فلسطين المحتلة عام 1948 الى محكمة عوفر العسكرية وقتاً طويلاً، حيث تخرج من السجن عند الساعة الثالثة فجراً لتصل المحكمة عند الساعة 10 صباحاً، وتكون طوال الطريق ذهاباً واياباً مكبلة بأرجلها بأصفاد من حديد مؤلمة ومتعبة، وتعود الى السجن في ساعات متأخرة جداً من الليل بعد أن ينهكها التعب.

هذا ويبلغ عدد الاسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الأن 22 اسيرة منهن 4 قاصرات يعشن في ظل ظروف غير إنسانية مع نقص شديد بالاحتياجات الأساسية والكثير من الانتهاكات والعقوبات والمضايقات على زيارات العائلات.

العائلة

لينا خطاب طالبة السنة الأولى في كلية الصحافة والإعلام في جامعة بيرزيت، وترقص في فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، حيث التحقت لينا بفرقة براعم الفنون عام 2011، وأدت الكثير من العروض واللوحات التراثية والفلكلورية في مختلف أنحاء العالم، وكان آخرها عرض "طلت" الذي سبق إعتقالها بأيام معدودة.

تنحدر أصول عائلة لينا من قرية قالونيا المهجرة عام 1948 والقريبة من القدس، ولم يتسنى لعائلتها حتى اللحظة الحصول على تصريح يمكنها من زيارة ابنتهم، حيث تستغرق إجراءات الإحتلال وقتاً طويلاً للموافقة او رفض إعطاء تصريح دخول لدولة الإحتلال، لكي تتمكن العائلات الفلسطينية من زيارة أبنائهم المعتقلين في السجون الإسرائيلية التي تقع داخل دولة الاحتلال.

تعيش لينا مع عائلتها المكونة من والدها السيد محمد خطاب الذي كان له العديد من تجارب الاعتقال والصمود في سجون الاحتلال، وهو مدير فرقة وشاح للرقص الشعبي، ووالدتها السيدة سميرة خطاب، ولديها ثلاثة أخوة وهم: عطا نادية وأية.