شبكة قدس الإخبارية

هكذا أفهم الإرهاب

هيئة التحرير

كتب: عبدالعزيز السوركجي

يسرقون رغيفك ....ثم يعطونك منه كسرة ......ثم يأمرونك بشكرهم ....يا لوقاحتهم     ( غسان كنفاني )

لماذا لم تشكر هذا الطيب الذي مد لك كسرة الخبز لتطعم اطفالك الجوعى ؟ لماذا لم تجث على ركبتيك احتراما له؟ أليس هذا الكريم أولى بالتقدير فهو المفعم بالانسانية السمحاء التي تجهل؟

كم أنتم اغبياء أيها الفقراء، دائما ستبقون الضعفاء، لكننا لن ننساكم سنحارب الفقر والجهل والجوع معا.

هذه سياسة القرن الحادي و العشرين و هذا الانسان التنويري صاحب الفكر الرزين والحضارة الراقية وهذا حوار السادة للعبيد.

هذه السياسة أريد لها ان تبقى جزئية هزلية، ندخل بأدق تفاصيلها وحيثياتها دون النظر للصورة الكلية التي فيها اصل الحكاية  سأحاول أن ادرك الواقع لأحدد إحداثياتي في هذا الكون الشاسع لأرى الصورة كاملة ثم أدخل في تفاصيلها وليس العكس.

سأبدأ من ديفد ايستون استاذ علم السياسة في جامعتي شيكاغو و كاليفورنيا ، مؤسس نظرية النظم التي نشرها بكتاب عام 1953، يقول ايستون "إن دراسة أي نظام لابد أن تكون من منطق النظم، بمعنى تحليل المتغيرات وتأثيراتها المتبادلة، فالنظم البشرية تحتوي عددا كبيرا من المتغيرات المترابطة ببعضها البعض لنصل لمستوى اعلى من التحليل".

المتغيرات المادية و الاجتماعية المحيطة بالنظام تؤدي الى تشكيل نوع من المطالبات وصور الدعم التي تتحول الى مدخلات ما تلبث إلى أن تصير منافسة للنظام السياسي، تدخل مراحل من الصراعات و التناقضات داخل اللعبة السياسية فينتج عنها قرارات تولد تغيرات مادية و اجتماعية فمطالبات اخرى الى مالانهاية.

من هذا المنظور سأفهم الواقع، الارهاب هذا المصطلح الذي أريد له أن يبقى مائعًا فضفاضًا يتسع للتأويل المناسب لكل مرحلة بما يضمن تحقيق مصالح الدول العظمى.

يقول مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق: "إن الارهاب ليس كالأسلحة التقليدية ، لا يحارب بالأسلحة المعقدة و لا الرؤوس النووية ، الهجمات الارهابية هي نوع جديد من الحروب ، حرب الضعفاء ضد الاقوياء ، فطالما هذا الفرق الهائل بين القوي و الضعيف في القدرة على القتل ، لا بد من الهجمات الارهابية ردا على ألوان العذاب التي يذيقها القوي للضعيف".

"إن الحروب التقليدية ليست إلا إرهابًا معطى الشرعية، لأن المقتولين من الابرياء و ليس المقاتلين، و لأن هذه الحروب ترهب الناس فيجب و ضعها في الحقيبة نفسها كالأعمال الارهابية التي يقوم بها الضعفاء".

منذ بداية القرن العشرين دقت الدول العظمى طبول الحرب العالمية الاولى و الثانية ، أزهقت أرواح 50 مليون إنسان، دمرت مدن، أنهكت اقتصادات الدول بالتوازي مع حملات توسعية للسيطرة على مقدرات الشعوب و نهب ثرواتها و هتك أعراضها.

ما إن انتهت الحرب حتى أقام المنتصرون احتفالاتهم في مؤسسة أريد لها ان ترعى السلام و الأمن الدوليين، تهتم بحقوق الانسان اسموها الامم المتحدة فكانت غطاءا لتوجهاتهم الاستعمارية و شرعنة احتلال فلسطين و التعامل بإزدواجية لصالح ( الكفيل ) صاحب التمويل الاكبر ، تركت الشعوب تواجه مصيرها وحدها.

احتدم الصراع بين قطبي السياسة الدولية ، دخل العرب حربا ليس لهم بها ناقة و لا جمل ، استخدمت امريكا عبر ابواقها الخطاب الديني لمجيئ الشباب لقتال السوفييت في الشيشان ، ما ان انتهت مهمتهم و اصبحوا قوة لا يستهان بها أريد تدميرهم فكان ردهم هجمات الحادي عشر من سبتمبر الارهابية .

هنا سأفصل بين أربعة أصناف من الإرهاب:

1. إرهاب الدول الاستعمارية:

استغلت الولايات المتحدة هجمات سبتمبر الارهابية لتجمع عصابتها في الامم المتحدة لغزو الشرق من افغانستان إلى العراق ، فرضت حالة الطوائ في العالم ، مارست ما عجز هولاكو عن ممارستة بحق الابرياء و هتك الاعراض و تدنيس المقدسات ، من غوانتنامو الى ابو غريب تركوا كلابهم تنهش اجساد السجناءالعراة ، مع اخذ صورتذكارية مع صديقاتهم المجندات ، اذلوا كبار القوم من العشائر ، قصفوا الفلوجة بالفسفور الابيض ، لم ننس بعد مشهد الجنود الامريكيين يتبولون على جثث الابرياء .

عاشت الشعوب العربية بطوائفها و دياناتها و قبائلها موحدة يسود بينهم الاحترام المتبادل ، حتى اتت هذه القوى الاستعمارية لتبث السموم بينهم ، جلبت أقذرهم من حواري العشوائيات للقصور و ملكتهم رقاب أبناء قومهم يسومونهم سوء العذاب.

2. إرهاب الديكتاتوريات:

مارست الحكومات العربية أقذر الاساليب في تركيع الشعوب و جلبهم لحظيرة الطاعة العمياء ، ديدن هذه القوى      ( ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) ، عشعشت صورة الاله الاعظم في مخيلة الشعوب ، ضيقت افاق الحياة ، اصبح الحديث عن الحريات ضربا من الكوميديا الساخرة ،ظلم اجتماعي فساد بطالة متلازمة القهر العربي.

3. إرهاب الأفراد:

أشخاص تخفت احقادهم الذاتية خلف ستار حرية التعبير ، فنشروا بذور الكراهية و العنصرية ، ذلك القس الامريكي تيري جونز، راسمي الكاريكاتير الفرنسيين الذين أساءت حريتهم في التعبير الادب و السلم المجتمعي و الاحترام المتبادل.

4. إرهاب الجماعات:

هذا الصنف من الارهاب محل انظار البشرية حيث أن آلة الاعلام العالمية بالغت في (Zoom In) على هذه الظاهرة حتى لم نعد نرى شيئًا، الإرهاب هو الاعتداء على الآمنين والابرياء والمرافق المدنية لأهداف سياسية.

رفعت السعودية عبر شبكة إعلامها شعار الارهاب لا دين له، لتبني موقفها من الجهادين ( المتطرفين ) بإخراجهم من حاضنتهم الشعبية باستغلالهم الخطاب الديني الساذج لترويج افكارهم، لكن من باب الانصاف للتاريخ سأبدأ بالجماعت الارهابية من الاقذر و الاقدم ، فالحركة الصهيونية مارست الاضطهاد و التشريد بحق الشعب الفلسطيني وارتكبت المذابح بحق الابرياء وهجرت قرابة المليون لبقاع الارض لتجلب بذلك قاذوراتهم من شتات العالم للأرض المقدسة ، بدأت منظمة يهودية اتخذت منها قومية لأفرادها احتلت بضعة مدن اعلنت بها دولة لا حدود لها إلا مكان وقوف دباباتهم .

باقية و تتمدد ، ظهرت داعش كنتنظيم ارهابي لا يحمل سوى الضغينة للبشرية و كل من خالف شرعة خليفتهم ، جمعت افرادها من الشباب المتهور دغدغت عواطفهم بالحوريات و الخلود في جنة البغدادي ، قاتلت مجموعاتها السابقة الاحتلال الامريكي و المليشيات العراقية الشيعية التي اذلت السنة ثم الطاغية بشار الاسد ايضا جبهة النصرة وليدة القاعدة منشأ داعش ، قلبت الطاولة على الجميع بهمجيتها و انعدام الافق في قادتها .

هكذا افهم الصورة الكلية بزواياها الاربع، وهنا أختم قولي بشهادة صامويل هنتنغتون استاذ علم السياسة بجامعة هارفرد: "الغرب فاز بالعالم ليس بتفوق أفكاره أو قيمه أو ديانته، ولكن بتفوقه في تطبيق العنف المنظم. الغربيون غالبا ما ينسون تلك الحقيقة، إلا أن غير الغربيين لا ينسونها أبدًا".

التنظيمات الارهابية التي تم الترويج لها بخطاب اسلامي لا تعدو كونها حلقة في هذة الافه العالمية ، من أراد تسليط الضوء على هذه الظواهر الشاذة ليكيد للمسلمين أو بالحركات الاسلامية التي ترفض العنف عليه مراجعة عقيدته الإنسانية.