في سؤال طرحه معد وثائقي حماس خلف القناع للخبير الاسرائيلي يوهان تزوراف عن اعتقاده بأن اغتيال الياسين والرنتيسي حقق هدفًا استراتيجيًا لاسرائيل؟ اجاب قائلاً "انه اكبر هدف استراتيجي حققته اسرائيل، لماذا؟ لانه كلما زاد التأييد لحركة حماس كلما انخرطت في السياسة العربية، واهم هدف لاسرائيل تحويل حماس من حركة مقاومة لحركة سياسية".
منذ انتخابات عام 2006 دخلت حماس عالم السياسة الفلسطينية والدولية بنجاحها الكبير في المجلس التشريعي، كان الأمر مفاجأة للجمهور الفلسطيني بحجم النجاح الكبير ولقيادة حماس نفسها، إذ أنها لم تكن مستعدة لتلك الخطوة داخلياً ولا خارجياً، فاحتدت الأمور والخلافات إلى أن وصلت إلى الأنقسام وسيطرة حماس على غزة ادارياً وامنياً، وصولاً لازمة حماس الحالية في المصالحة وعدم مقدرتها على إدارة الأمور داخلياً وخارجياً، وفي هذه المقالة سوف اتناول الاسباب التي اوقعت حماس في هذا المأزق.
الجماهير والقيادة:
يقول المفكر حسام تمام في كتابه مع الحركات الإسلامية في العالم "قد عرفت الحركات الإسلامية نوعًا من القيادات على استعداد أن تناطح أعتى نظام وتتحدى أقوى سلطة لكنها لا تملك الجرأة أمام جماهيرها فتضعف تجاهها وتخشاها بأكثر مما تخشى السلطة بل وتتردد في مواجهتها فيما تستخف بالسلطة ربمــا يمكن أن تلاقيه منها من تضييق واعتقال وسجن، فيما ندر فيها القيادات من أمثال عبد الإله بن كـيـران الذي يغامر بمواجهة الجماهير ويقبل أن يتصدق بعرضه في هذه المواجهة من أجل تحرير حركته من المعارك الوهمية أو الخروج بها من الأنفاق التي تؤدي بها خارج التاريخ.لقد تأخر تطور كثـيـر مـن الحركات الإسلامية بسبب أن القيادة وقعت أسيرة الجماهير فداهنتها وأنتجت لها خطابًا على قــدرهـا فنزلت بها الجماهير بدلاً من أن تأخذ هي بيدها وتنقلها نحو الأمام، ومن هنا يجب أن نـتـوقف في أي قراءة للحركة الإسلامية المغربية أمام عبد الإله بن كيران صاحب نموذج القيادة من دون كــاريـزما".
ولم أجد كلمات أدق وصف لأزمة قيادة حماس الحالية، ووقعها في مأزق أتخاذ قرارات استراتيجية تنقذ هيكلة الحركة ووجودها، وعدم مقدرة حماس خسارة حجم كبير من الجماهير نتيجة الخذلان من فشل الحركة، وما عبر عن ضعف حماس عن تجاوز رغبات الجماهير كان واضحاً في محاباة تلك الرغبات والتمسك بالصورة الذهنية العامة عن حماس امام الجماهير، فلم يكن للحركة القدرة على مصارحة الجماهير في فشلها او عدم مقدرتها في حل اشكالية محددة، وهذه الالية التي تعتمدها حماس بالتعامل مع الجماهير، اثرت على علاقاتها الداخلية ولم تجعل لها شريك استراتيجي في صراع الداخلي الفلسطيني والصراع مع الاحتلال وايجاد شكل ثابت للحركة يؤثر في الجماهير ولا يتأثر برغبات الجماهير، فحماس في استراتيجتها تعتمد على المد الجماهيري المتغير لكنها لا تعتمد على الشركاء السياسين والثوابت التنظيمية.
غياب الشراكة الاستراتيجية:
خرجت حماس في عام 1988 بميثاقها الإسلامي في فترة كان المد اليساري والقومي والوطني مسيطر على فكر الأنظمة العربية والشعوب، ولم تكن قيادة حماس أنذاك تملك الجماهيرية الكبيرة في صفوف الجماهير نتيجة ظروف الأنتفاضة والبعد التاريخي لقيادة منظمة التحرير، واستمرت حماس ببناء هيكلها التنظيمي في غزة وانتقلت بعض قياداتهم إلى الضفة مثل الشهيد أسماعيل ابو شنب وغيرهم لبناء تنظيم الضفة، وبقي المد الجماهيري لحماس منحصراً في جمهور الإسلاميين وامتداد الاخوان الملسمين إلى ان تم توقيع اتفاق اوسلو، وبدأت الحركات الإسلامية " حماس والجهاد الأسلامي" في فلسطين عملها العسكري المؤثر وهو بانطلاق كوكبة من العمليات الاستشهادية المشتركة من عام 1993-1994 إلى أن استقلت كتائب القسام وصعود نجم المهندس يحيى عياش بين الجماهير الفلسطينية والاسرائيلية والعالمية كذلك.
وعلى المستوى الطلابي كان الذراع الطلابي لحماس يحمل اسم الحركة الإسلامية والجهاد الإسلامي الجماعة الإسلامية وكان تحالفهم تحت مسمى الكتلة الإسلامية، تلك العلاقة بين التنظمين التي ترتكز على علاقات الجهاد الأسلامي الدولية وقوتها وقوة التنظيم الداخلي لحماس في الاراضي المحتلة، ما زالت قائمة على هذا، فالجهاد يفتح الأبواب الخارجية لحماس كسوريا وايران وشركائهم وحماس تحافظ على وجود الجهاد.
لكن لم يخرج ذلك التحالف ببرنامج سياسي واجتماعي موحد، وذلك لضعف العلاقة الايدولوجية بين الطرفين فحماس تعتبر جزء من الاخوان المسلمين والجهاد الاسلامي يعتبر حركة اسلامية ميولها يساري ومتأثرة بالثورة الأيرانية، وهذا لم يخلق تحالف استراتيجي قوي قادر على تغير الجوهر السياسي للنظام الفلسطيني، اما على مستوى اليسار الفلسطيني والحركات الوطنية فكان التحالف تكتيكي ومزاجي وليعود لسبيبن ضعف اليسار والسبب الثاني رغبة حماس الاعلامية في جعل المعارضة موحدة في مواقف محددة، فلذلك نرى المستوى السياسي الداخلي متذبذب لحركة حماس.
اما على المستوى الدولي فحماس لم تقدم للدول مصلحة مشتركة، ولم تستطع بخلق حلفاء دوليين سواء عرب او اوروبين او حتى من امريكيا اللاتينية، وتمتاز حماس ضعف التنظيم لحركة حماس في الخارج، واعتمادها الكلي على الداخل الفلسطيني، والخلايا الموجودة في الخارج غير قوية في تلك البلدان وغير محمية من متابعة الاجهزة الامنية، وتعمل باطار المسموح وليس باطار العمل السري والتنظيمي او دبلوماسي، ويعود ذلك على اعتبار حماس جزء من حركة الاخوان المسلمين الدولية فكانت حماس تقع في مأزق الاخوان وعلاقتها الدولية ومعارضتها للانظمة وعدم اتساع الرؤية السياسة لحركة الاخوان المسلمين، مما اضعف دور حماس في المعادلة الدولية.
ولم تنجح كحزب الله في العلاقات العربية والدولية ولم توفر لها حماية دبلوماسية وسياسية لمواردها المالية والبشرية واللوجستية، مما جعل حماس أداة في الصراعات العربية والدولية. فغياب الشريك الاستراتيجي لحركة حماس محلياً ودولياً ،وليد حالة الحركة الداخلية وغياب برنامجها الاستراتيجي التفصيلي وغياب الخطط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للحركة.
غياب البرنامج السياسي والأجتماعي والأقتصادي:
تعاني الحركات الإسلامية والوطنية ككل غياب برنامج شمولي لمواجهة الأحتلال، برنامج تعبوي مرحلي يعالج ازمات المجتمع الفلسطيني في كل فترة زمنية، واصبح مخاطبة الجماهير واستقطابها تفسرها مقولة عامي ايلون المدير السابق للشين البيت " قوة حماس الجماهيرية فقط من فشل العملية السلمية والسياسية ، وفقط حينما يشعر الشارع انه تم خيانته من الاسرائيلين ويشعر بفساد القيادة الفلسطينية، او اي من الاسباب الأخرى المحبطة للشعب ، لكن إذا المجتمع الفلسطيني شعر بالأمل فحماس سوف تفقد قوتها".
وهذا يظهر جلياً بمسمى كتلة حماس الأنتخابية لعام 2006 "الإصلاح والتغير" والبرنامج العمومي الذي نشرته حركة حماس بدون الخوض في التفاصيل، وإذا رجعنا في تاريخ العمل النقابي الطلابي التي كانت تسيطر عليه حركة حماس لم نرى تغيراً جوهرياً في سياسة الجامعات، او حتى حل مشاكل استراتيجية للمجتمع الطلابي، او مساهمة في تطوير الجامعات الفلسطينية ثقافياً او مادياً على المستوى الاستراتيجي، إلا بفترة واحدة في جامعة النجاح الوطنية وهي بفترة قيادة الشهيد قيس عدوان لمجلس الطلبة والأسير ياسر ابو بكر لحركة الشبيبة الطلابية في الجامعة. ولو رجعنا كذلك لانتخابات مجالس الطلبة من عام 1995-2007 لوجدنا ان معيار فوز الكتل الطلابية هو الاسباب التي ذكرها ايلون ، وهذا يفسر منع حماس لانتخابات مجالس الطلبة في غزة.
اما على المستوى الجمعيات الخيرية ومؤسسات الحركة فتلك الجمعيات لم تخدم برنامج حماس الاجتماعي بقدرة خدمتها للتنظيم، فتلك الجمعيات كانت هي البديل لمؤسسات السلطة وموجهة لخدمة جمهور حماس، والمؤسسات الاقتصادية لحماس لم تكن موجودة بشكل رسمي بقدر ما هي تحت مسميات رجال اعمال محسوبين على حركة حماس، ولا ينكر احد فعالية تلك المؤسسات وخدماتها التي قدمتها، لكنها لم تحوي برنامج اجتماعي ممنهج ولم تحمى من الحركة بفصل سياستها وتنظيم علاقاتها مع الاخرين، ويظهر ضعف تلك المؤسسات بعد احداث الانقسام ومحاصرتها بالضفة واغلاق معظمها، واستلام حماس زمام السلطة في غزة في غزة، وهذا يفسر الضغط التي تواجهه حماس بمسألة موظفين غزة ووضعهم في هيكلة السلطة، إذ ان حماس صبت كافة جهودها وكوادرها في مصلحة السلطة ومارست نفس اخطاء حركة فتح في اهمال البناء التنظيمي والمؤسسي للحركة لصالح بناء السلطة واجهزتها.
ويعدو غياب البرنامج التفصيلي واتخاذ شعار "الإسلام هو الحل" كشعار عريض وتفسير أي فشل او هجوم لحركة حماس هو هجوم على النهضة الأسلامية من الغرب وشركائهم في الداخل، وحماس تعتمد على استراتيجية اعلامية هجومية أثرت سلباً على علاقتها مع الآخر.
الإعلام
يعتبر الجهاز الأعلامي لحركة حماس من أقوى الأجهزة الأعلامية للحركات في الشرق الأوسط، إذ حماس تدير دفتها الأعلامية بدقة عالية، فبدأت ببناء كوادرها البشرية في الجامعات والعديد منهم يعمل في محطات دولية ومحلية، وتدير حماس العديد من الصفحات على الفضاء الألكتروني وفي الشبكات الأجتماعية، سواء كانت مناصرة لها بشكل علني ومباشر، أو غير مباشر.
وحماس نجحت بتلك الأستراتيجية التي جعلتها مسيطرة على الرأي العام الفلسطيني والمناصر للقضية الفلسطينية عربياً، لكنها لم تنجح في بناء جسور تواصل مع الآخر الفلسطيني والعربي والعالمي، ومن نتائج هذه الماكينة الأعلامية المنظمة، أنها بنت صورة جميلة أمام الجماهير ، وتأثير على الرأي العام الفلسطيني ولكنها لم تستطع توطيد العلاقة مع الآخر، نتيجة التركيز على تقزيمه وإظهار سلبياته من حركات ودول، كما ظهر جلياً في أزمة حماس مع النظام المصري والسوري، إذ لعب الأعلام الحركي دور المحرض على النظامين وسبب بسوء العلاقة بين حماس وتلك الأنظمة، وكذلك على المستوى الداخلي يعاني الإعلام الحمساوي من أزمة الخطاب الهجومي غالباً، والسلس أحياناً في قضايا المصالحة والسياسة الفلسطينية، إذ أنه يظهر للمتابعين أن هناك تضارب في التصريحات الأعلامية للناطقين الحركيين، وكذلك الأعدلام الحكومي في غزة، والقيادة السياسية للحركة، إذ في كثير من الأحيان ظهر التناقض وغياب الرسالة، مما أثر على جمهور الحركة ومناصريها، فتكرار الدعاية الإعلامية لحماس ، وظهور تحرك سياسي معاكس لتلك الدعاية جعل حماس أقل مصدقاياً لجمهورها الداخلي والخارجي ، وجعل المراقبين غير مرتاحين لتحركات الحركة.
كل تلك النقاط التي ذكرتها في هذه المقالة هي ملخص لأسباب ضعف حماس في السياسة المحلية والدولية، ووقوعها في مأزق السلطة، وعدم قدرتها على مواجهة التحديات الأقليمية التي تواجهها ، وتخوفها من خوض الأنتخابات المحلية لعدم قدرتها على قراءة الشارع الفلسطيني، وفقدان الكثير من عناصر قوتها في الضفة الغربية واستلامها للسلطة في قطاع غزة.