شبكة قدس الإخبارية

قبّلت أصابعه عروسه ورحل

عبدالقادر عقل
في منزل الحاجة "ثورة"، وقف ذلك الطفل حزيناً بمناسبة مرور أربعين يوماً على ارتقاء ابن حارته شهيدًا بعد إصابته في كمين قناصة إسرائيلية غادر أثناء إلقائه زجاجة مولوتوف برفقة أحد أصدقائه إبن الحارة يبلغ من العمر 18 عاماً، أجهش الطفل بالبكاء عليه في حضن منزله الذي كان مؤقتا ! ثم توقف وأطرق هنيهة وسأل الحاجة "ثورة": ربما كان سيتزوج بعد أن ينهي دراسته الجامعية!! مسحت الحاجة دموعها بعلم فلسطيني كانت تحتضنه وقالت له: "يا بنّي إنه متزوج ولكن أخشى أن لا أرى الأولاد بعد رحيله"!!، الطفل الصغير وضع خلف جُملة الحاجة "ثورة" مئة علامة إستفهام وألف علامة تعجب، وأراد أن يفهم أكثر !! فقال للحاجة: أنا لم أشاهد العروس ولم أحضر العرس !! قالت له "ثورة": صحيح أنك لم تشاهد العروس، لكنك حضرت العرس وكان المعازيم قبل 40 يوما آلافا مؤلفة !! ألم تراهم؟؟!! أحضرت لي صورة أنت إلتقطتها بهاتفك المحمول لإبني مبتسما في العرس !! ساد الإحباط كيان الطفل الصغير، فهو أدرك معنى عرس إبن حارته، لكنه لم يفهم قصة العروس، فقال لها بعفوية الطفولة: بما أنه لا يوجد عروس إذن إبنك أعزب !!! إبتسمت الحاجة وربتت على كفته الصغير، وقالت له مبتسمةً: ستبقى أعزباً ما لم تقبّل أصابعك الزناد، وطفلاً طالما ضحكت عليك الأمة وأخبرتك أن الحق ممسوخ في طوائف وأحزاب ومذاهب !! إستيقظ الطفل من شروده بكلمات الحاجة على وقع أغنيةٍ ثوريةٍ لإبن حارته الشهيد! وإبتسم !! كبر الطفل شيئاً فشيئاً وهو يحاول فك ما إعتبره "طلاسم" الحاجة ثورة عندما قالت: أن الحق ممسوخ في طوائف ومذاهب وأحزاب!!، وعندما حل السادس من نوفمبر عام 2001 أيقن مقصد الحاجة، بعد أن كان ثلاثة أقمارٍ قد زفوا أيضاً في الأرض والسماء، وأحدهم إلتحق بشقيقه الذي كانت حكاية بداية الطفل معه. هنا في ديراستيا الجميلة قضاء سلفيت وسط الضفة الغربية، مرت الأيام سريعاً وبعد الأربعين يوماً على رحيل الأقمار الثلاثة جاء الطفل ليزور العرسان، فوجد علماً واحداً هو العلم الفلسطيني الذي إحتضنته الحاجة قبل 8 سنوات!، كان هذا العلم أكبر من الرايات الثلاثة الموجودة على القبر الواحد "الصفراء، والخضراء، والحمراء"، وقبل أن يهم بمغادرة حديقة الشهداء، سأل نفسه سؤالاً: يا تُرى هل نحتاج كل تلك السنين لنفهم كلام الحاجة الأخير؟! وقبل أن يُجيب على سؤاله بنفسه إخترق السكون صوت طفلٍ بجواره أصغر منه سناً، صوت الطفل الآخر قال: "لماذا هؤلاء الثلاثة في قبرٍ واحد"؟!!