شبكة قدس الإخبارية

في غزة.. أطفال هانت عليهم أرواحهم ليطعموا إخوتهم

هيئة التحرير

غزة / زاهر الغول – خاص شبكة قدس: الطفل سالم يقف بجانب أحد الإشارات المرورية في وسط مدينة غزة حاملا بين يديه الصغيرتين قطعا من الحلوى والمناديل يعرضها على السيارات متوسلا لأصحابها أن يشتروا ما لديه من بضاعة. يجري من اتجاه إلى آخر غير آبه بحركة السيارات المندفعة لتجاوز الإشارة في لحظاته الأخيرة معرضّا نفسه لخطر أن تدوسه عجلات هذه السيارات.

 أطفال المفترقات

كان ينجح أحيانا في إقناع الزبائن بشراء الحلوى وغالبا ما كانت تعبس وجوهم عنه دون أن تصدر عنه أية إشارة احتجاج أو غضب. وكأنه أعتاد على التصرفات ويقول: "أحاول أن أجمع شيئا من النقود لإعالة أسرتي وأبي المريض وغالبا ما أعود والحمد لله ببعض الشواقل التي تسد جزءا من احتياجاتنا، فلا معيل لنا بعد الله سوى ما أجنيه من البيع على هذه الإشارة وغيرها".

ويعيل الطفل سالم ابن العاشرة من عمره أسرة متوسطة العدد مكونة من 7 أفراد جلهم أطفال صغار بعد أن كان يعيلهم الأب الذي لم يعد قادرا على العمل ليدفع بابنه البكر للبيع في الشوارع. وقال سالم: أسمع كثيرا من الإهانات والتعليقات الساخرة من شبان مستهترين، وما يعلق في ذاكرتي ويجرحني حين يكونون من عمري أو أبناء الحي الذي اسكن.

 لكن كثير من الناس يرأفون بحالتي ويشترون مني رغم أنهم لا يكونوا في حاجة لتلك والحلويات أو حتى المناديل، وكثيرا أيضا ما أسمع كلمات الدعم والمواساة من النساء والرجال كبيري السن الذين يقولون بصوت أسمعه "الله يعينك ويصبر أهلك". الحال أعشية كل يوم، أعود إلى بيتي والكلمات ترن في أذني محاولا النسيان لكنني وفي اليوم التالي أعود إلى نفس الموال وإلى نفس الروتين وربما نفس المكان.

وتبدو قصة الطفل عمر نموذجا لعشرات بل لمئات الأطفال الذين ينتشرون في مناطق مختلفة من غزة يعملون بأجر زهيد في هذه الورشة أو تلك أو يبيعون أشياء صغيرة على مفترقات الطرق وفي الشوارع.

[caption id="attachment_51265" align="alignleft" width="400"]عطيه ابن الخامسة عشر عامًا يعمل في قص الحجر والرخام منذ كان عمره 7 سنوات عطيه ابن الخامسة عشر عامًا يعمل في قص الحجر والرخام منذ كان عمره 7 سنوات[/caption]

 يعمل منذ دخوله الصف الأول

عند الخامسة مساء ينهى عطيه ابن الخامسة عشر عامًا عمله بمنطقة "الصبرة" وجنوب مدينة غزة ، يخرج من ورشة الرخام التي يعمل بها، ينفض عن ملابسه غبار الرخام، الذي علق بها طوال النهار، وتظل ذرات خفيفة تعلو رموشه ووجهه، لا تزول إلا إن اغتسل بالماء، وهو أمر على ما يبدو لا يحدث إلا داخل منزله بمنطقة " جحر الديك " والتي تبعد حوالي 10 كلم عن مدينة غزة.

عطيه الأخ الخامس في أسرته يقول: "بشتغل من سبع سنين مع أوبويا"، وقبل السنوات الخمس كان عطيه كما يروى طالبًا بالصف السادس، وكان عليه أن يترك المدرسة ليلتحق بأي عمل يوفر به قوت يومه له ولأسرته، ليس فقط لأنه لم يكن يحب المدرسة التي لم تعلمه شيئا على حد تعبيره، لكن لأن العبء كان ثقيلاً على أكتاف الأب الذي يعمل بنفس المهنة، وكان عليه أن يساعده.

لم يكن أمام هذا الطفل كما يروى إلا أن يرافق والده، كانت المهنة التي تنتظره شاقة للغاية المشكلة كانت في ألواح الرخام الثقيلة لو وقع احدها عليه لن تبقي فيه سالما.

في الورشة نفسها يعمل على منشار لقص الرخام وفيه خطر كبير لطفل في هذا العمر ولكن ما يناله من شواقل معدودة نهاية الأسبوع أو نهاية الشهر يذلل تلك الصعاب والمخاطر، فما ينتظره بين جدران منزله اكبر بكثير من هذا وذاك.

ثلث أطفال غزة يعملون

في مشهد يدلل على حجم المأساة التي يعاني منها قطاع كبير من الأطفال الذين يعملون في ظروف قاسية وغير ملائمة. وتبدو قصص هؤلاء الأطفال متكررة ومتشابهة منذ سنوات طويلة رغم الوعود التي طالما طبقها المسؤولون في الوزارات والمؤسسات المختلفة فباتت عمالة الأطفال تشكل ركنا أسودا من حياة هذه المجتمع.

إذا من هو المسئول عن استمرار هذه الظاهرة كل هذه السنوات؟ ولماذا فشلت المؤسسات والوزارات المعنية في الحد من هذه الظاهرة ووضع الحلول المناسبة لها. ؟

عدة أسئلة تطرح نفسها، ما حجم هذه الظاهرة وكيف يراها المسئولون وماذا فعلو ويفعلون لحلها؟ هذه الأسئلة والاستفسارات وضعتها "شبكة قدس" أمام الأخصائي الاجتماعي النفسي. الدكتور فضل أبو هين في محاولة لتسليط الضوء سعيا لإيجاد حلول مناسبة وعملية.

في هذا السياق تحدث أبو هين: "إن الأطفال الذين يعملون ونسميهم عادة أطفال الشوارع، يقضون حوالي 70 في المائة من يومهم خارج البيت، وبالتالي هم يتثقفون بلغة الشارع، بالإضافة إلى كسبهم ألفاظا غير مقبولة في كثير من الأحيان".

أضاف، "تبين الإحصائيات أن ثلث الأطفال الغزيين يعملون باعة على الطرقات، وفي مهن مختلفة لا تليق بهم وبأعمارهم، مثل النجارة والحدادة وغيرهما، وأن هناك نسبة ليست ببسيطة تعمل في مهن متعبة كالنقل والتنظيف، لكن بدأت تطفوا على السطح أخيرًا بعض المهن التي يعمل فيها أطفال غزة، مثل بيع الدخان والحلويات والسكاكر والمناديل في المفترقات الرئيسية وهو مخالف في البداية للقانون الفلسطيني، وكذلك لشروط الطفولة التي سيتأثر الأطفال بها من خلال خروجهم من المدارس والذهاب إلى الشارع حتى يساعدوا أهلهم".

أبو هين أكد، أن أهم الأسباب والعوامل التي تدفع بهؤلاء الأطفال إلى العمل في مثل هذه المهن  هو الحرمان والفقر والظروف الصعبة التي يعيشونها بين ذويهم، فيخرجون إلى الشوارع يعملون في مهن لا تناسب الأطفال، لكنهم مضطرين لذلك فقلما من يلتفت لهم أو يمد يد العون لتلك الأسر الفقيرة.

وانتهى الحديث موجها كلامه للمسئولين قائلا: "على الحكومة في غزة ومن هم أصحاب قرار في هذا الجانب توفير بدائل لهؤلاء الأطفال حتى لا يضطروا لترك مدارسهم والذهاب للعمل في مهن لا تناسب أعمارهم".وبعد فترة من الزمان نواجه عدد كبير من الشباب لأنهم لن يبقوا أطفال ، وما ندري ما يحملون من ثقافات وعادات وسلوك قد لا تحمد عقباه ، حينها لا يمكن الرجوع بعجلة الزمان للخلف.