خاص - شبكة قدس الإخبارية: منذ اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني، فؤاد شُكر "الحاج محسن" في الثلاثين من الشهر الماضي، وما تبعه من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، باتت المنطقة على أعتاب تصعيدٍ لا يعرف فيه المراقبون أو السياسيون مآلاته، لا سيما بعد أن تجاوز الاحتلال الإسرائيلي قواعد الاشتباك المتعارف عليها مع لبنان، منذ الثامن من أكتوبر/تشرين أول الماضي.
وتتسارع الأحداث منذ نحو أسبوعين، حيث جرى الاستهداف الإسرائيلي بشكل مفاجئ وسط الضاحية في العاصمة اللبنانية، بيروت، تبعه ردّة فعلٍ عبر خطابين في الأول والسادس من الشهر الجاي، ألقاهما الأمين عام لحزب الله، حسن نصر الله، بلغة حادّة تحمل تهديدات بالرد والوعيد باعتباره أمرًا ملزمًا على حزب الله، خصوصًا بعد أن انتقل الرد من دائرة "المكان والزمان المناسبين" إلى مربع الردّ الحتمي حيث يجري البحث عن هدفٍ واضح للمقاومة كما يقول.
وفي أعقاب ما ورد أعلاه، لم تتوقف قوات الاحتلال عن ارتكاب المجازر والجرائم والتي كان آخرها مجزرة مدرسة التابعين في مدينة غزة، التي راح ضحيتها أكثر من 100 شهيد، حيث جاءت عقب البيان الثلاثي "الأمريكي - القطري - المصري" الذي دعا إلى استئناف المفاوضات غير المباشرة لوقف الحرب في غزة، في حين قرأه المتابعون على أنه "إسفنجة لامتصاص الاحتقان في المنطقة".
غير أن ذلك كلّه لن يمنع المقاومة في لبنان من الرد على اغتيالات الاحتلال قادة المقاومة. ويقول النائب في البرلمان اللبناني عن حركة أمل، قبلان قبلان في حديث مع شبكة قدس: "ما زلنا في لبنان نتعرض يوميًا لاستهدافٍ إسرائيلي بالطائرات الحربية والمسيّرة، وهذا انتهاك لحدود وأجواء بلدنا، وفوق ذلك يتم استهداف قادة المقاومة، ما يعني أننا في حرب مفتوحة، ودورنا أن ندافع عن أنفسنا، ومشروعنا ولا خيار أمامنا سوى أن نواجه العدو، وإذا لم نواجه وندفع الأثمان، فإن العدو سينتقل للسيطرة على المنطقة العربية كلّها".
واعتبر قبلان أن إسرائيل ردّت على دعوات وقف إطلاق النار الصادرة في البيان الثلاثي بارتكاب المجازر بحقّ المصلّين في مصلّى مدرسة التابعين في غزة، ما يعني أن قادته متعطشين للدماء والإجرام بحق الفلسطيني واللبناني، ويعتمدون بذلك على الدعم الأمريكي اللامحدود، وبعض دول العالم، ما يعني ضعف الموقف الإسرائيلي الذي لم يحقق انتصارًا منذ 10 أشهر، سوى قتل المدنيين والأطفال والنساء بهدف ارتكاب نكبة جديدة بحق الفلسطينيين، وتحديدًا في غزة.
وكان منسق الاتصالات الاستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، قد قال وفي وقت سابق "إن الأوضاع في الجبهة اللبنانية متقلبة، ولذا تعمل أمريكا على تهدئته".
وحول الضغوط الدولية تجاه لبنان لثنيها عند الرد، ردّ قبلان: "الضغوط يجب أن تكون على من يقتل الأبرياء ويمارس الإجرام، وليس على من يدافع عن نفسه، ومن يريد إنها الحرب عليه الضغط تجاه الاحتلال، أما نحن جزء من مشروع المقاومة وندافع عن أنفسنا، وعن أهل غزة المظلومين المعتدى عليهم، ولذا فإن المقاومة قالت وأبلغت الجميع بأنها سترد من أجل كبح جماح العدو الإسرائيلي، ووضع حدٍ لتعطش جيشه الإسرائيلي لدماء الأبرياء".
وفي إجابته عن سؤال "قدس" حول موعد الرد، أجاب: "الرد حتمي، وسيكون قريبًا، ولكن ليس على كما تريد الطريقة الإسرائيلية، وليس على قاعدة استدراج المقاومة إلى حيث يشاء الاحتلال، لأن المقاومة الآن تخطط بأعصاب هادئة، ورصانة مطلقة، وتتحضر وتستعد وتمارس حرب الأعصاب، وكيان الاحتلال متوتر، وقيادة المقاومة تمارس دورها وتتحضر للمزيد من أجل مواجهة العدو".
وفي موازاة الرد العسكري للمقاومة اللبنانية المرتقب، فإن الجهود الدبلوماسية من الحكومة اللبنانية تعتبر جيدة جدًا بحسب قبلان، حيث أجرت اتصالاتها الدبلوماسية مع قوى العالم الفاعلة، وكانت جهودها السياسية مواكبة لجهود الميدان على الأرض.
وأكد قبلان مجددًا ألّا خيارات أمام المقاومة في لبنان سوى المواجهة، وأن التصعيد المتوقع وإن كان شاملًا سببه الاحتلال، ولبنان يقوم بدوره في أن يدافع عن نفسه كونه في موقع المعتدى عليه.
وحول الأجوبة التي تعطيها المقاومة لضغوط الوسطاء، أوضح قبلان "أن المقاومة غير معنية بإعطاء أجوبة عن مطالبات وتساؤلات دول العالم، والكلام الواضح الذي وصلهم وسمعوه، هو أن يطلبوا من الاحتلال بصفته المعتدي علينا، وأن يقولوا له توقف ويضعوا حدًا له، أما نحن من حقنا الدفاع عن أنفسنا، ولسنا كإسرائيل يجري العالم الغربي وأمريكا لإنقاذنا، ما يعني فشل مشروعها بأن تحمي الغرب وأمريكا، حيث يهرولون هم لحمايتها".
ومنذ بداية الحرب قدّمت الفصائل الفلسطينية عشرات الشهداء الذين ارتقوا عبر الاغتيال بالطائرات الإسرائيلية الحربية والمسيرة، وكان آخرهم الشهيد القسامي سامر الحاج، الذي ارتقى على أبواب مخيم عين الحلوة، بالإضافة إلى شهداء ارتقوا في مناطق الاشتباك على الحدود مع الأراضي المحتلة، ما يؤكد جاهزيّة حماس والفصائل للمشاركة والانخراط في أي حالة اشتباك وتصعيد واسع، كما يؤكد مسؤول الإعلام في حركة حماس من لبنان، وليد الكيلاني خلال حديث مع شبكة قدس.
وتابع: "سنكون في مقدمة الركب بالدفاع عن لبنان وصدّ العدوان حال اشتدت المواجهة، ولدينا الآلاف من الفلسطينيين في المخيمات الذين هم على جهوزية ورغبة تامة بالمشاركة في المعركة القادمة، لكن كلّ شيء وفق حسابات الميدان وشكل التصعيد".
وأشار الكيلاني إلى أن التصعيد إذا تم فيه تجنيب المخيمات من الاعتداءات الإسرائيلي، سيكون الدور الفلسطيني في منحنى مختلف عما إذا تم استهداف المخيمات، بالإضافة إلى عامل الإمكانيات التي وإن كانت ليست شبيهة بإمكانيات المقاومة اللبنانية عند حزب الله، إلا أن العامل البشري مهم في المواجهة، ومتوفر ومستعد فلسطينيًا.
وتُجمع قوى المقاومة على أن الردّ على الاحتلال قادم لا محالة، ولكن كيفية وحجم الرد، مرهون بالمقاومة اللبنانية التي ستكون حماس بجانبها وفق الكيلاني الذي أكد على وجود تنسيق عالٍ بين الحركة وحزب الله ومختلف القوى الفاعلة المقاومة في لبنان، واتفاق على استمرار الانخراط بمعركة طوفان الأقصى.
ويطرح المشهد في لبنان، تساؤلات عن أوضاع الفلسطينيين فيها، وعن دورهم المرتقب في المواجهة (حال وقوعها) بعد أن كسر الاحتلال قواعد الاشتباك عسكريًا وجغرافيًا، واستهدف عمق العاصمة اللبنانية، مرّة بحق قائد فلسطيني "صالح العاروري" وأخرى بحق قائد لبناني "فؤاد شكر".
ويقول أمين سرّ العلاقات في حركة الجهاد الإسلامي من لبنان، هيثم أبو الغزلان إن لا أحد في المنطقة معنيٌ بتصعيد شامل للمواجهة، لكن لا ضمانات حول ذلك لأن "النار من مستصغر الشرر" والاحتلال يستمر في جرّ العالم لمواجهة مفتوحة لا ترغبها أمريكا باعتباره حليف الاحتلال.
وأكد أبو الغزلان في لقاءٍ مع شبكة قدس "أن التنسيق بين الجهاد الإسلامي وحماس وحزب الله قائم، والموقف موحد تجاه عدوان الاحتلال وكيفية التعامل معه".
ولفت أبو الغزلان إلى أن حزب الله لا يعلن عن شيء وينفذ شيء آخر، ما يعني أن الرد قادم، وهذا ما أبلغه حزب الله للفصائل الفلسطينية التي حضرت ميدانيًا خطابات الأمين العام للحزب حسن نصر الله، مضيفًا: "نحن متفائلين بأن رد حزب الله سيكون بحجم عدوان الاحتلال، حيث أن العادة جرت بأن يكون الرد موجعًا".
وبحسب أبو الغزلان، فإن الفصائل الفلسطينية تركز عملها الآن بشكل أساسي ومركزي على المخيمات في لبنان، بخصوص كيفية تأمين اللاجئين حال تصاعد المواجهة، ومن جانب آخر حماية المخيمات من الاختراق الأمني الإسرائيلي، وذلك لا ينفي أن الفلسطينيين "مستعدين للقتال والمواجهة دون أي خوف، حال طلبت المقاومة ذلك وفق معطيات الميدان وواقعه، وما إن كانت بحاجة لأعداد أكبر في القتال".
وأوضح أبو الغزلان أن الجانب الأمريكي وبعض الدول الإقليمية يواصلون الجهود لمنع وقوع ردٍ للمقاومة في لبنان، لكن ذلك لا يحدده سوى الميدان. مشيرًا إلى أن أمريكا والاحتلال الإسرائيلي يسعون عبر البيان الثلاثي إلى استيعاب الرد الإيراني واللبناني، وهذا جزء من الضغوط التي تمارس، إلا أنه رغم الحديث الإعلامي عن البيان لم يصل لفصائل المقاومة أيّ شيء بخصوص ما جاء فيه، وما لم ينص البيان على شروط المقاومة، لن يكون هناك اتفاق، والفصائل تنظر بعين الريبة للجهود التي لا تخدم القضية الفلسطيني بالمحصلة.