في السياقات الاستعمارية، تُعتبر السجون أدوات للهيمنة والتأكيد على السلطة الاستعمارية. وهذا ينسحب على سجون الاحتلال، تلك الساحات المخفية التي يُمارس فيها العنف بكافة أشكاله. إذ باتت مواقع للانتقام، وفي هذا السياق، يُعتبر تسريب الفيديو المروع من معتقل سدى تيمان مثالاً حديثاً على كيفية تجسيد هذه الممارسات.
قبل أسابيع قليلة، شهد معتقل "سدى تيمان" حادثة مروعة حيث تعرض أسير فلسطيني لاعتداء جنسي على أيدي جنود الاحتلال، حيث قاموا بإدخال هاتف محمول في مؤخرته واعتدوا عليه بالضرب المبرح، لاحقاً، تم نقل الأسير إلى أحد مستشفيات الاحتلال بسبب تدهور حالته الصحية.
على إثر ذلك، حاول الادعاء العام العسكري في جيش الاحتلال اعتقال الجنود المتورطين، وأثارت هذه المحاولات جدلاً محموماً في مجتمع الاحتلال، حيث لم يكن التركيز على فظاعة الجريمة بحد ذاتها، بل على محاولات اعتقال الجنود المتهمين، هذه الحادثة تعكس حالة من التناقض والانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي.
كذلك، تجدد النقاش في الأيام الأخيرة في أعقاب تسريب مقطع فيديو يوثق الاعتداء، وهذا التسريب لم يكن مجرد حادثة عابرة، بل أثار نقاشات عميقة حول خلفياته وأبعاده، السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا سُرب الفيديو من موقع أمني وفي قضية حساسة؟ في هذه المادة محاولة للاجابة على هذا السؤال.
أحد الأبعاد الرئيسية لتسريب الفيديو هو محاولة تقديم الاعتداء كعمل فردي معزول وليس كجزء من نهج منهجي في جيش الاحتلال، الذي يرفع شعار "نظافة السلاح" ويزعم الالتزام بالقيم الأخلاقية، يسعى من خلال تسريب الفيديو إلى تبديد الانطباع بأن هذا الاعتداء يعكس سلوكاً منهجياً ضمن القوات المسلحة، وهذا يسمح له بتجنب الاتهامات العميقة التي قد تشكك في النظام العسكري بشكل عام.
الحادثة أثارت موجة من الغضب ضد السلطة القضائية العسكرية من قبل اليمين، خاصة بعد محاولة اعتقال الجنود المتورطين الذين ينتمي بعضهم إلى الصهيونية الدينية، هذا أدى إلى ظهور مظاهر دعم قوية من قبل اليمين الإسرائيلي، حيث اقتحم البعض القواعد العسكرية وهاجموا قيمة جيش الاحتلال، التسريب قد يكون استراتيجية من قِبل الادعاء العسكري لإثبات أن الحادثة كانت مدانة بالفعل وأنه لا مكان لها ضمن السلوك العسكري المقبول، في محاولة لتهدئة الانتقادات الشديدة التي يتعرض لها.
والتسريب أيضاً يحمل دلالات أبعد تتعلق بتعزيز الصوره السلبية للأسرى الفلسطينيين وتخويفهم، من خلال نشر مثل هذه الصور، يتم إيصال رسالة قوية إلى الأسرى الفلسطينيين بأنهم قد يتعرضون لأشكال قاسية من المعاملة، مما يعزز مناخاً من الرعب والتخويف، هذا يشكل جزءاً من استراتيجية أوسع لتقوية السيطرة النفسية على الأسرى وفرض المزيد من الضغوط عليهم.
منذ 7 أكتوبر، تصاعدت أعمال العنف ضد الأسرى الفلسطينيين بشكل ملحوظ. حادثة سدى تيمان ليست سوى جزء من سلسلة أوسع من هذه الأفعال. هذه الحوادث تعكس التحديات الكبرى التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون، وتكشف مدى العنف الاستعماري بكآفة اشكاله الذي يتعرضون له، لا سيما بعد 7 اكتوبر 2023.